يتوسع نطاق الهجوم الإلكتروني الكبير الذي استهدف الولايات المتحدة، مع اكتشاف ضحايا آخرين خارج البلد، ما يُجدد المخاوف إزاء مخاطر التجسس، ويثير الريبة تجاه روسيا التي تُوجّه إليها أصابع الاتهام في الهجوم "السيبراني" الواسع.
الهجوم الإلكتروني كان ضخماً
رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأمريكي ماركو روبيو، قال لتلفزيون Fox News الأمريكي، الجمعة 18 ديسمبر/كانون الأول 2020، إنه "هجوم كبير وأرجح أنه ما زال متواصلاً"، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
فعلى غرار ما صرَّحت به الحكومة قبل يوم، أشار روبيو إلى أن الهجوم الإلكتروني يمثل "تهديداً خطيراً على (أجهزة) الدولة الفيدرالية والمجتمعات المحلية والبنى التحتية الحيوية للقطاع الخاص".
من جانبها قالت شركة "مايكروسوفت" إنها "أعلمت أكثر من 40 زبوناً تضرروا من البرنامج الذي استعمله القراصنة، والذي قد يتيح لهم النفاذ إلى شبكات الضحايا".
رئيس الشركة، براد سميث، أشار على مدونته إلى أن "نحو 80% من هؤلاء الزبائن يوجدون في الولايات المتحدة، لكننا تمكنا أيضاً في هذه المرحلة من تحديد ضحايا في عدة دول أخرى".
والدول المعنية هي كندا والمكسيك وبلجيكا وإسبانيا والمملكة المتحدة وإسرائيل والإمارات.
سميث أضاف أن "عدد الضحايا في الدول المتضررة سيواصل الارتفاع، هذا مؤكد"، وهو أمر "يخلق هشاشة تكنولوجية خطيرة في الولايات المتحدة والعالم". واعتبر أن الهجوم "ليس تجسساً عادياً، حتى في العصر الرقمي".
يأتي ذلك بينما لم تكتشف الحكومة الأمريكية الهجوم الإلكتروني إلا الأسبوع الماضي، رغم انطلاقه في مارس/آذار 2020، أو في تاريخ أبعد، كما لم تحدد من يقف خلفه.
لم تتضح بعد جميع الأهداف المستهدفة من عملية الاختراق بشكل دقيق، لكن مسؤولين أمريكيين ذكروا نهاية الأسبوع الفائت أن إدارة الأمن النووي الوطنية، وشبكات إدارة الترسانة النووية، إضافة إلى الهيئة الفيدرالية لتنظيم الطاقة كانت من أبرز الأهداف التي تم ضربها بالهجوم.
كما أكد مسؤولون أمريكيون أن وزارة الطاقة الأمريكية والإدارة الوطنية للأمن النووي، التي تدير مخزون البلاد من الأسلحة النووية، لديهما أدلة على أن متسللين تمكنوا من اختراق شبكاتهما الإلكترونية في إطار حملة ضخمة.
اتهامات لروسيا بشن الهجوم
في سياق ردود الأفعال على الهجوم الإلكتروني، قال السيناتور ماركو روبيو إن دولة أجنبية مسؤولة عن هذا العمل "المتأني" و"المعقد" و"الممول جيداً"، لكنه لم يمضِ قدماً في توجيه أصابع الاتهام.
أضاف ماركو أنه "عندما تشير إلى أحد ما عليك أن تكون متأكداً"، لأن الهجوم "يوازي عملاً حربياً".
لكن تتجه شكوك خبراء الأمن الإلكتروني نحو موسكو، التي نفت بشدة تورطها في الهجوم، وقال الخبير في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" جايمس أندرو لويس، إنه "يوجد عدد قليل من الدول التي لديها الخبرة والموارد الكافية لشن هجوم مماثل، وبينها روسيا".
بدوره كان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو قد لمّح منذ الإثنين الماضي إلى احتمال تورط فاعلين روس، مشيراً إلى محاولاتهم المستمرة لـ"اختراق شبكات" وزارات وشركات أمريكية.
من جهته اعتبر السيناتور الجمهوري ميت رومني، يوم الخميس الفائت، أن الهجوم مماثل لـ"تحليق قاذفات روسية فوق بلدنا بأكمله بشكل متكرر دون أن تُرصد". ودان "صمت البيت الأبيض وتقاعسه غير المبررين".
أما الرئيس المنتخب جو بايدن فتوعد بجعل "الرد على هذا الهجوم السيبراني أولوية" بمجرد توليه المنصب، في 20 يناير/كانون الثاني 2020.
من جانبها نفت روسياً كل الاتهامات الأمريكية لها بالضلوع في الهجوم الإلكتروني ضد وزارة المالية ودوائر أمريكية أخرى، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الأمريكيين يستمرون في توجيه الاتهامات للروس في كل الأعمال التي تستهدفهم، مذكراً بأن موسكو عرضت في مناسبات عدة على واشنطن مبادرة للتعاون المشترك في مواجهة القرصنة الإلكترونية، ولكنها بقيت من دون اهتمام من الجانب الأمريكي.
قلق من الهجوم الإلكتروني
في سياق متصل، قال الخبير في مجموعة "دينيم غروب" الأمنية جون ديكسون، إن عدة شركات خاصة يحتمل أن تكون عرضة للهجوم، تقوم بكل ما في وسعها لتعزيز حمايتها، إلى درجة أنها تفكر في إعادة بناء خوادمها الإلكترونية.
ديكسون أضاف في تصريحات للوكالة الفرنسية أن الهجوم "كبير إلى درجة أن الجميع يُقيّم الأضرار حالياً"، معتبراً أنه وجَّه "ضربة قوية إلى الثقة في الدولة والبنى التحتية الحساسة".
من جانبهم، ينبه خبراء إلى التهديد الذي يحمله هذا الهجوم على الأمن القومي، ليس فقط في حال السيطرة على بنى تحتية حساسة، ولكن أيضاً في حال النفاذ إلى إدارة شبكات توزيع الكهرباء أو خدمات عامة أخرى.
فوفقاً لما هو معروف حتى الآن، نجح القراصنة في اختراق الرسائل الإلكترونية الداخلية لوزارة الخزينة ووزارة التجارة الأمريكية، ويحتمل أنهم نفذوا إلى وزارة الطاقة التي تدير الترسانة النووية.
كذلك نجح القراصنة في اختراق برنامج "أونيون" الذي تنتجه شركة "سولار ويندز"، والمستعمل في إدارة الشبكات المعلوماتية للشركات الكبرى والإدارات، في حين دعت وكالة الأمن القومي التي تشرف على الاستخبارات العسكرية الأمريكية إلى اليقظة لمنع نفاذ القراصنة لأنظمة مهمة تابعة للجيش أو الدولة.