بدأت نشاطات السفير الفرنسي في الجزائر، فرانسوا غويات، تخرج من السر إلى العلن، الأمر الذي اعتبره الرأي العام الجزائري خطة فرنسية أوروبية لـ"زعزعة استقرار البلد"، خصوصاً أن السفير مثّل بلاده دبلوماسياً في دول الخليج، واحتفظ بعلاقة طيبة مع حكامها.
تحركات السفير الفرنسي في الجزائر جاءت بعد تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي وصف مرحلة الحكم الحالية بـ"المرحة الانتقالية"، وتحدَّث عن استعداده لتقديم دعم للرئيس عبدالمجيد تبون بعدما وصفه بـ"الشجاع".
لقاءات سرية وأخرى علنية
أثارت اللقاءات التي يقوم بها السفير الفرنسي في الجزائر الجدل، خصوصاً بعد اللقاء العلني مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (موالٍ)، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، هذا اللقاء الذي أثار تذمر أوساط السياسية، وذلك بعد تكريم الجبهة للسفير "غير المرغوب فيه".
وأمام الجدل القائم دافعت جبهة التحرير الوطني، أحد أكبر الأحزاب السياسية في البلاد عن اللقاء في بيان لها، أكدت من خلاله أن اللقاء كان فرصة لـ"استعرض العلاقات الحزبية والبرلمانية بين البلدين، وآفاق تطويرها، من خلال تبادل الزيارات والخبرات".
من جهتها أثارت أميرة سليم، النائبة البرلمانية عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي (موالٍ)، لقاءات السفير الفرنسي في الجزائر، والتي اعتبرتها "تحركات مشبوهة"، وذلك عبر بيان نشرته على صفحتها في فيسبوك.
وقالت النائبة البرلمانية إن "السفير الفرنسي في الجزائر يستغل فراغ الحياة السياسية لنشر الفوضى والتحريض، نحن نقول لا للمرحلة الانتقالية مهما كان الثمن، والبرلمان سيقف له بالمرصاد".
وأضافت المتحدثة أن "السفير الفرنسي في الجزائر يقوم باستقبال المروجين للمرحلة الانتقالية في مقر سفارته، تحت حجة دعم حق التعبير السياسي الحر والدفاع عن حقوق الإنسان"، مطالبة بـ"استدعاء السفير فرانسوا غويات من قبل وزير الخارجية والاحتجاج على سلوكه غير المقبول".
مباشرةً بعد بيان البرلمانية الجزائرية، تعالت المطالب بصد التدخل الفرنسي، وشل تحركات السفير الفرنسي في الجزائر، إذ قال عبدالقادر بن قرينة، رئيس حزب البناء (موالٍ) في حديثه مع "عربي بوست"، إن "الخارجية الجزائرية مطالبة بالتحرك العاجل وتوقيف هذا الخرق للأعراف الدبلوماسية".
واعتبر المتحدث أنه "من غير المعقول السكوت على اللقاءات السرية التي يقوم بها السفير الفرنسي في الجزائر بمقر سفارته، من أجل بث الفوضى والترويج لمصطلح "المرحلة الانتقالية" التي أطلقها ورئيسه ماكرون على فترة الحكم الحالية بالجزائر".
من جهته قال بشير بودلال، أستاذ العلوم السياسية في حديثه مع "عربي بوست": "نحن كمثقفين وأكاديميين جزائريين نطالب بقرارات في مستوى خطورة السلوكات الفرنسية، وشلّ تحركات السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غويات".
وفضلاً عن اللقاءات العلنية كثَّف السفير الفرنسي في الجزائر فرنسوا غويات من لقاءاته السرية مع مسؤولين جزائريين، وهو ما أثار امتعاض شخصيات سياسية وبرلمانية، التي طالبت الخارجية بالرد واستدعاء السفير.
وكشف أستاذ العلوم السياسية بشير بودلال بجامعة الجزائر أن "السفير الفرنسي في الجزائر يمتلك قائمة عملاء ومعارضين جزائريين، يتواصل معهم بشكل متكرر ويستقبلهم بمقر سفارته، هذه الأسماء المعروفة بالسذاجة، وتوظف معطيات داخلية غير مُدركة للتحديات الخطيرة التي تواجه البلاد، والتي تهون أمامها أي استقطاب سياسي داخلي".
من جهته يرى الناشط السياسي عبدالحليم العيدودي، في حديثه مع "عربي بوست"، أن "الأشخاص الذين يتوافدون للقاء السفير الفرنسي في الجزائر هم شخصيات عملت لصالح فرنسا منذ الاستقلال، وتسعى للحفاظ على امتيازات خاصة لها علاقة برؤوس الأموال والنشاط التجاري، كما أنها شخصيات غير راضية على التغيير في الجزائر، هذه الأخيرة التي تسعى إلى تمتين علاقاتها مع كل من روسيا والصين وتركيا، وإعلان طلاقها من المستعمر التقليدي فرنسا".
وأشار المتحدث إلى أن "الأسماء التي تلتقي السفير الفرنسي في الجزائر سراً هي التي تروّج لمصطلح الفترة الانتقالية، وهي التي ستركب لاحقاً الصفوف الأولى للمسيرات المنضوية تحت لواء الحراك الشعبي الجزائري المتواصل".
سفير برتبة "جاسوس"
أصبحت الأدوار الحقيقية للسفير الفرنسي في الجزائر فرونسوا غويات، بحسب متابعين ومحللين، ظاهرةً للعيان، بعدما باتت تحركاته أقرب لـ"التجسس" من التمثيل الدبلوماسي لبلاده، لاسيما فيما يتعلق باللقاءات السرية التي قادها في الأسابيع الأخيرة.
ويصف الدكتور بشير بودلال تحركات السفير الفرنسي في الجزائر بـ"الدبلوماسي شديد الخطورة، بالنظر لمساره المهني والدبلوماسي وأسلوب عمله، والأهداف التي قدِم لأجل تحقيقها هنا في الجزائر"
وفي تصريح لـ"عربي بوست"، قال بودلال إن "ما يقوم به السفير الفرنسي في الجزائر أشبه بما كان قام به الجاسوس الإنجليزي لورنس، فأسلوبه وتحركاته عمل استخباراتي بامتياز، ويتقن حروب الجيل الرابع".
وأكد المتحدث أن "سلوكيات السفير الفرنسي في الجزائر ولقاءاته المشبوهة مدعومة من أعلى المؤسسات السياسية في فرنسا، وممنهجة، وتشمل كل المجالات، وتقف وراءها استعلامات ومخابرات، وهذا ما جعلنا نصف السفير فرانسوا غويات بالجاسوس الخطير"، مضيفاً أن "مهمة غويات في الجزائر خاصة وحساسة، وتتمثل في ترميم النفوذ الفرنسي، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه أمام زحف النفوذ التركي والصيني".
من جهته، يرى الناشط السياسي الجزائري عبدالحليم العيدودي أنه "لا يمكن إطلاق صفة على السفير الفرنسي في الجزائر غير صفة "الجاسوس"، لأن المهام التي أُوكلت لهذا الرجل استخباراتية بامتياز، وتستهدف إغراق الجزائر في الفوضى".
فترة تعيين السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غويات، في أغسطس/آب 2020- يضيف العيدودي في حديثه مع "عربي بوست"- "جاءت بعدما أحست فرنسا بأنها باتت على مشارف فقدان مكانتها ودورها في الجزائر، لذا عينت هذا الشخص لخبرته من أجل استرداد تلك المكانة".
السفير الفرنسي في الجزائر ودول الخليج
تميَّز المسار الدبلوماسي للسفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غويات بتكليفه في المناطق الحساسة والمهام الصعبة، خاصة بالبلدان العربية، كونه يتقن التحدث باللغة العربية، ويمتلك علاقات وطيدة مع حكام الإمارات وقريب جداً من القصر السعودي.
ويرى المحلل السياسي والخبير الأمني الجزائري مراد سراي أن "السفير الفرنسي في الجزائر الذي بدأ عمله مستشاراً دبلوماسياً لدى وزير الداخلية الفرنسي الأسبق، جون بيار شوفنمان، في الفترة الممتدة ما بين 1997 و2000، كان أكثر الشخصيات الفرنسية تقرباً من الدول العربية".
وكشف سراي في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "السفير الفرنسي في الجزائر حَظي بالعمل في عديد من الدول العربية، كليبيا، وتونس، وسوريا، والسعودية، بالإضافة إلى الإمارات العربية المتحدة، وأخيراً الجزائر".
وأضاف المتحدث أن "السفير الفرنسي في الجزائر كان مقرباً جداً من العائلة الحاكمة في أبوظبي، خاصة بعدما عُين لأول مرة سفيراً لفرنسا في الإمارات سنة 2001، وفي سنة 2007 عُين سفيراً لفرنسا في طرابلس الليبية".
وحسب المتحدث ذاته فإن "هناك تقارباً في أجندات السفير الفرنسي في الجزائر وحكام أبوظبي، في قضية تسيير الملف الليبي، وذلك بعد ثورة 2011، وغلق السفارة الفرنسية في ليبيا وترحيل جميع طاقمها نحو باريس، والدور الذي لعبته الإمارات في صد التغيير في ليبيا، وقيادة الثورة المضادة".
وقال المتحدث "إذا قلنا السفير الفرنسي في الجزائر قلنا فرنسا، التي توجهت إلى صف التنسيق مع الإمارات في كل المخططات المرسومة بالدول العربية، لأن الود ازداد بين غويات وحكام أبوظبي، عندما عين هذا الأخير سفيراً بالسعودية منذ العام 2016".
الخبير الأمني الجزائري تحدث عن لقاءات فراسوا غويات العلنية والسرية مع حكام الإمارات العربية المتحدة، سواء في أبوظبي أو بالرياض، ودور الوساطة الذي لعبه بينه وبين الإمارات وفرنسا.
وكشف الخبير الأمني الجزائري أن "تعيين السفير الحالي بالجزائر جاء بعد الحراك الشعبي الجزائري، الذي تُوج بإسقاط نظام بوتفليقة الصديق للإمارات وفرنسا، وأيضاً بعد وصول تبون الذي أعلن عدم تطابق سياسته مع السياسة الفرنسية".
من جهته، يرى الناشط السياسي الجزائري عبدالحليم العيدودي أن "هناك لعبة للإمارات في الجزائر، بسبب علاقتها الوطيدة مع فرانسوا غويات، والتنسيق من أجل بث الفوضى وزعزعة الاستقرار الأمني".
رد رسمي واعتذار مرتقب
بعدما اقتصر التحرك الجزائري في الساعات الأخيرة لاستنكار تصرفات السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غويات من قِبل شخصيات سياسية وأخرى برلمانية، وممثلين عن الجالية الجزائرية بالمهجر، جاء الرد الرسمي الجزائري ممثلاً في وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة، عمار بلحيمر، يوم الأربعاء 16 ديسمبر/كانون الأول 2020.
وقد أبدى بلحيمر عبر حوار أجراه مع موقع "الميادين" امتعاض الجزائر من التدخلات الأخيرة في الشؤون الداخلية للبلاد، واعتبرها مخالفة تماماً للأعراف الدبلوماسية الدولية في إشارة مباشرة للتحركات الفرنسية الأخيرة.
الوزير عمار بلحيمر قال إنه "لا يمكن لأي دبلوماسي، بمن فيهم السفير الفرنسي في الجزائر، تجاهل القواعد المعروفة في النشاط الدبلوماسي والعلاقات بين الدول، وعلى الجميع فهم ذلك جيداً، فهناك أعراف دولية وممارسات دبلوماسية متفق عليها، وعلى كل تمثيلية أجنبية الالتزام بها واحترامها، ولن نقبل بكسر هذه القواعد مهما كان حجم الدبلوماسي وحجم بلده".
وأكد الناطق الرسمي باسم الحكومة الجزائرية، أن بلاده ترفض التحركات الدبلوماسية والإعلامية الفرنسية الأخيرة، للترويج لما تصفه فرنسا بـ"المرحلة الانتقالية في الجزائر"، لأنها، حسب قوله "فرنسا لا تجلب للوطن سوى الدم والدمار".
وأمام الجدل الذي خلقه السفير الفرنسي في الجزائر كشف نعمان لعور، القيادي في حزب حركة مجتمع السلم الجزائرية لـ"عربي بوست"، أن "فرنسا ستُحاول الظهور بالوجه الذي يرضي الجزائر، من خلال قرار قريب سيفضي إلى إنهاء مهام فرانسوا غويات كسفير في الجزائر"، هذه الخطورة اعتبرها المتحدث من "ألاعيب فرنسا المعروفة، والتي تسعى للظهور بالوجه البريء".
الجزائر اليوم حسب لعور "باتت بموقف واضح، بعد تصريحات الأخيرة للناطق الرسمي باسم الحكومة، الذي بعث برسالة واضحة ومباشرة لفرنسا كون الجزائر غير راضية عن تصرفات السفير غويات".
وأضاف المتحدث أن الحكومة الجزائرية "تعيش ضغطاً من قبل شخصيات سياسية، وفاعلين في المشهد العام ومثقفين بعد المطالب الملحة باستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، بسبب محاولتها المتكررة في التدخل في الشؤون الداخلية الجزائرية".
من جهته، طالب الأستاذ الجامعي بشير بودلال في حديثه مع"عربي بوست"، الخارجية الجزائرية بإعلان السفير الفرنسي في الجزائر شخصاً غير مرغوب فيه، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على سيادة البلاد.
مهمات عاجلة للسفير
بالموازاة مع تحركات السفير الفرنسي في الجزائر فرانسوا غويات، كانت كل القراءات في الجزائر تتهم فرنسا بالوقوف وراء البيان الأخير للبرلمان الأوروبي، بخصوص وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، بعدما وُصف هو الآخر بالتدخل السافر للشأن الداخلي في الجزائر.
وقد تحدث وزير الاتصال عن التقرير، واعتبر أن محتواه "نسخة طبق الأصل للتصريحات الفرنسية ولوبيات المصالح حول وضعية حقوق الإنسان بالجزائر، ويسيء لأصحابه فقط"، مؤكداً أن "سياسة الجزائر الجديدة الرافضة لأية وصاية أو تدخل أجنبي تزعج من يعنيهم الأمر، وفي مقدمتهم فرنسا، لذلك فنحن كجمهورية مستقلة بسيادتها الكاملة ترفض كل تلك التدخلات".
من جهته اعتبر المحلل السياسي والخبير الأمني الجزائري مراد سراي في حديثه مع "عربي بوست"، أن "الجزائر وإن تأخرت في الرد المباشر على فرنسا من خلال انتقاد تحركات السفير غويات، وكذا التصريحات السابقة للرئيس ماكرون، فقد أبانت رغبتها حقاً في قطع دابر فرنسا".
وكان الرئيس الحالي للجزائر عبدالمجيد تبون قد أبان وهو في قلب الحملة الانتخابية لرئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، عن "غضبه من التدخلات الفرنسية المتتالية، ومحاولتها بث الفوضى وزعزعة استقرار البلاد"، مؤكداً "عدم سكوته عن هذا الشأن في حال بلوغه سدة الحكم".
من جهته، يرى الدكتور بشير بودلال أن "النفوذ الفرنسي في الجزائر بنيوي وتاريخي، ولكنه يشهد تراجعاً كبيراً في كل المجالات، خاصة بعد خروج الضباط الفارين من الجيش الفرنسي من دائرة صنع القرار في المؤسسة العسكرية الجزائرية".
واعتبر المتحدث أن "هذا الانهيار في صناعة القرار الداخلي الجزائري كان نتيجة سيطرة ضباط محترفين خريجي المدارس العسكرية الجزائرية، هدفهم الأوحد مصلحة الوطن وأمنه، هذه الهوة التي جعلت فرنسا ومن خلال سفيرها غويات توسع نشاطاتها وصولاً لتحريك شخصيات مغاربية قريبة من أجهزة المخابرات الفرنسية لاستهداف الجزائر".
ويضيف المتحدث أن "مهمة السفير الفرنسي في الجزائر الحالية والعاجلة هي "اختراق وإضعاف الجبهة الداخلية، وهذا يُضعف دور الجزائر الإقليمي، الأمر الذي سيُسهل استهداف أمن الجزائر وسيادتها وقيمها ومصالحها".
واستشهد المتحدث بتوقيف شركة "فيسبوك" لصفحات ممولة ومسيرة فرنسياً، تستهدف دولاً إفريقية من بينها الجزائر، الأمر الذي يؤكد حسب المتحدث على "خطورة السياسات الفرنسية وتمادي مخططاتها في استهداف الجزائر".