تستعد الجامعات الخاصة في لبنان إلى تنفيذ قرارها برفع أقساط الدراسة إلى 3900 ليرة لبنانية، انطلاقاً من السنة الدراسية المقبلة، أغسطس/آب 2021، بسبب تأزم الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، وارتفاع متطلبات أساتذة لبنان بهذه الجامعات.
وشمل قرار الجامعات الخاصة في لبنان كلّاً من الجامعة الأمريكية في بيروت، والجامعة اللبنانية الأمريكية، والجامعة اليسوعية، بالإضافة إلى 8 جامعات أخرى، والتي مهدت لطلابها الاستعداد المادي للتعامل مع قرار رفع أقساط الدراسة.
الجامعات الخاصة في لبنان تحطم الأحلام
أدّى قرار الجامعات الخاصة في لبنان إلى ارتباك وقلق في صفوف الطلبة، خصوصاً من شارفوا على التخرّج، إذ وجدوا أن الحل الوحيد أمامهم هو الانتقال إلى جامعة خاصة أخرى أو السفر، الأمر الذي سيُؤسس لفوضى تعليمية لا تختلف كثيراً عن الفوضى السياسية التي تضرب لبنان منذ سنة وأكثر.
التسجيل في الجامعة اللبنانية الرسمية أمر ليس باليسير، بسبب عدم قدرتها على تحمّل العدد الكامل من الطلاّب، بالإضافة إلى وجود مشاكل تقنية، أدت إلى خلق أزمة تعليمية في لبنان، وجعلت مصير الآلاف من الطلبة معرضاً للخطر.
وكان طلبة لبنان يسددون أقساط الجامعات على أساس أن كل دولار أمريكي يساوي 1500 ليرة لبنانية، أي بسعر الصرف الرسمي المعتمد في لبنان، إلا أنه وبسبب الأوضاع الاقتصادية لجأت الجامعات الخاصة في لبنان من بينها الجامعة الأمريكية في بيروت، وتلتها الجامعة اللبنانية الأمريكية إلى تعديل الأقساط، ليصبح كل دولار أمريكي يساوي 3900 ليرة لبنانية، أي يفوق الضعف بكثير.
واعتبر طلاب هاتين الجامعتين أن قرار رفع أقساط الجامعات الخاصة في لبنان غير عادل، وأن المبلغ أصبح هائلاً، فلجأوا إلى حلول بديلة، منها تغيير الجامعة نحو جامعات أقل تكلفة، أو اختيار إتمام الدراسة في الجامعة الوطنية اللبنانية، والتي لا تكلف الطالب سوى رسم تسجيل رمزي.
يقول حسين حبيب، طالب بالجامعة الأمريكية في بيروت: "كان حلمي أن أتخرّج في هذه الجامعة كونها أهم جامعة في لبنان، لكن بسبب زيادة القسط بشكل جنوني تحطّم هذا الحلم للأسف، فقررت تغيير المسار".
وكان لدى حسين خطّة استكمال دراسة الطب في الجامعة الأمريكية، لكنه اليوم وجد نفسه مضطراً للسفر خارج البلاد كي يكمّل مسيرته التعليمية، الأمر الذي اعتبره أوفر من البقاء والدراسة في الجامعات الخاصة في لبنان، "أنا مجبر على الرحيل كي أكمّل تعليمي"، يضيف حسين.
حسين اختار ترك الجامعة الأمريكية وفي قلبه غصة بسبب الواقع الذي فُرض عليه هو وجيله من الطلاب الذين يدفعون ثمن انهيار الاقتصاد اللبناني، هذا الانهيار الذي ضاعفته أزمة الدولار في لبنان، والتي فرضت عدم إمكانية تحويل أكثر من 10,000 دولار سنوياً إلى الطلاّب في الخارج مع إقرار قانون الدولار الطالبي في مجلس النوّاب.
حال الطالب حسين لا يختلف كثيراً عن حال فريال طبش، طالبة علم الأحياء في الجامعة اللبنانية الأمريكية، التي وجدت نفسها في منتصف الطريق، وسعر دراستها تجاوز 36 مليون ليرة لبنانية في الفصل الواحد، الأمر الذي دفعها إلى البحث عن جامعة أخرى.
أما عن تحقيق حلم دراسة الطب، فحتماً الجامعة اللبنانية الأمريكية لم تعد خيارها بعد اليوم، تقول فريال في حديثها مع "عربي بوست" إن "المبلغ الحالي كبير أصلاً، فمن المؤكّد أن مبلغ قدره 160 مليون ليرة لبنانية لدراسة الطب في الجامعات الخاصة في لبنان مستحيل جداً".
خياران أحلاهما مر
أزمة رفع أقساط الجامعات الخاصة في لبنان أزَّمت وضع الطلاب بصفة عامة، لكن الأكثر تضرراً هم طلاب الفصل الأخير، الذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر، فإما متابعة الدراسة بأسعار تفوق طاقة الأهل، أو التوقف وتغيير الجامعة لأخرى أقل كلفة.
لايا الرفاعي، طالبة بالفصل الأخير بالجامعة الأمريكية، تقول إن اعتماد الجامعات الخاصة في لبنان لمبلغ صرف جديد وهو 3900 ليرة لبنانية مقابل دولار واحد هو ضربة قوية بالنسبة لها.
وتضيف المتحدثة في حديثها مع "عربي بوست" "المبلغ كبير لدرجة أن أهلي لا يستطيعون تحمّله، حتى وأنا قيد البحث عن جامعة أخرى أحاول البحث عن جامعة ما زال سعرها لا يتراوح 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، وإلا فمن الأفضل أن أهاجر وأتعلّم في الخارج، مع كل مشاكل الدولار التي نواجهها تبقى أسهل من العيش في لبنان".
وتعتقد لايا أن "قرار الجامعات الخاصة في لبنان لا يراعي لا مشاعر الطلاب ولا حتى أهاليهم، ولا يراعي الظروف القاهرة التي يمرّ بها البلد، بل يحمل هم المصلحة المادية فقط"، مؤكدة أن "الخيار الوحيد أمامها اليوم هو الانتقال إلى جامعة حتى لو أن الفصل المتبقّي هو فصل واحد فقط".
ورغم أن عدداً من الطلاب في الجامعات الخاصة في لبنان حصلوا على مساعدات مالية إضافية، فإن أسعار الدراسة بالجامعة الأمريكية مازالت مرتفعة، وتفوق الأسعار التي حُددت في الفصول السابقة.
تقول الطالبة قمر حاوي في حديثها مع "عربي بوست" إنه "رغم المساعدة مازال مبلغ الدراسة في الجامعات الخاصة في لبنان ضخماً ويفوق المبالغ المعمول بها سابقاً، ولا أمل هناك لتحسن الوضع، لأن كل شيء في لبنان يتراجع مع الوقت، وحتى الهجرة أصبحت بعيدة المنال لأنها تتطلّب الكثير من الجهد والأوراق الرسمية".
اعتصامات مفتوحة وتحركات طلابية
وفور إعلان قرار رفع أسعار الدراسة في الجامعات الخاصة في لبنان، اعتصم عدد من الطلاب أمام هذه الجامعات ورفعوا شعارات منها "العلم مش سلعة"، أي العلم لا يتغيّر سعره حسب السوق السوداء وكأنه سلعة غذائية.
وقال نادر عقوم، عضو في المجلس الطلاّبي: "حصلت على منحتين لأدرس في الجامعة الأمريكية، وبعد هذا القرار فحتى المنحتان ليستا كافيتين"، مضيفاً أن "ما حصل ظلم، وأن الجامعات الخاصة في لبنان استغلّت فترة الامتحانات والطلاّب لا يستطيعون الآن التفكير سوى في الدّراسة".
وتوعد عقوم باسم المجلس الطلاّبي، من خلال تصريحه لـ"عربي بوست"، أنه "إذا لم تتحسّن الأمور فالاعتصامات ستكون مفتوحة، ومن الممكن مقاطعة الصفوف والامتحانات نهائياً".
من جهتهم، نفذ طلاّب الطب في الجامعة الأمريكية اعتصاماً، رافضين فيه أسعار الدراسة التي وصلت إلى حوالي 170 مليون ليرة لبنانية في السنة، مرددين شعارات "دخلنا كلية الطب لإنقاذ الكلية، لا لبيعها، كما أن أزمة جديدة أضيفت إلى أجندة الأزمات اليومية، وأنهم لا يستطيعون التحمّل أكثر من ذلك".
من جهتها تتّجه تجمعات الطلاب المستقلّين والنوادي الطلابية إلى تنفيذ خطوات ميدانية، وتحرّكات لمواجهة إدارات الجامعات الخاصة في لبنان، التي تتهمها المجالس الطلابية بتنفيذ أجندات السلطة، في ظل انتصار النوادي المستقلة في الجامعات الخاصة، وخسارة مدوية لمرشحي الأحزاب السياسية بعد عقود من سيطرة الأحزاب على مفاصل مجالس الطلبة وتحديداً حزب الله وتيار المستقبل.
المعارضة تحتضن الطلاب
من جهتها كشفت مصادر في المعارضة لـ"عربي بوست" أن التحرّكات الطلابية الكبرى ضد قرار الجامعات الخاصة في لبنان ستكون نهاية الأسبوع المقبل في شارع الحمرا في بيروت، على ضفتي هذا الشارع جامعتان أمريكيتان أعلنتا رفع الأقساط الجامعية، بانتظار انسحاب هذا القرار إلى جامعات أخرى لا تزال تتريّث في خطوة الإعلان عن الأمر ولو أنه قد اتّخذ.
وأضاف المتحدث أن التحركات الطلابية ستكون في محطة أولى في شارع الحمرا يوم السبت، وسيشارك فيها طلاب من مختلف الجامعات الخاصة في لبنان والجامعة اللبنانية رفضاً لرفع أقساط الدراسة، على أن تكون تحرّكات أخرى في وقت لاحق، بهدف استكمال الضغط على إدارات الجامعات اللبنانية، ومنعها من التمادي في سحق شريحة شبابية مسحوقة أساساً على مختلف الأصعدة.