يستعد فوج أول من نساء الفراولة المغربيات إلى التوجه إلى إقليم هويلفا بجنوب إسبانيا خلال الأيام المقبلة لانطلاق موسم جني الفواكه الحمراء، ومن المنتظر أن يلحق الفوج الثاني في أواخر فبراير/شباط، ثم الفوج الثالث في مارس/آذار 2021.
انطلاق هذا الموسم يأتي في ظل ظروف غير اعتيادية يعيشها العالم بسبب تفشي فيروس كورونا، وهو ما يسبب حالة من الخوف في صفوف العاملات المغربيات في حقول الفواكه الحمراء المتجهات نحو إسبانيا لكسب مال أوفر من الذي يكسبنه في بلدهن.
ويعول قطاع الفواكه الحمراء في إسبانيا هذه السنة على اليد العاملة المغربية بنسبة 16%، في حين يشكل الإسبان أكثر من 50%، وقد حُدد عدد نساء الفراولة لهذه السنة في 14 ألف امرأة، في حين تم تسجيل 2800 أخرى في لائحة الاحتياط.
مغامرة نساء الفراولة
"لابد من العودة، فهناك أكسب مالاً أكثر لتغطية مصاريف أسرتي"، هكذا ردت لطيفة على سؤال "عربي بوست" حول الأسباب التي دفعتها لاختيار العودة مجدداً للعمل في حقول الفراولة بالجارة الشمالية للمغرب في ظل موجة ثانية قوية لفيروس كورونا.
ودافعت المتحدثة عن اختيارها بالقول إنه "لم تسجل إصابات في صفوفنا ونحن عائدات منتصف هذه السنة من هناك، أجرينا الاختبار قبل العودة إلى المغرب ولم يكشف عن إصابات نهائياً، هذا ما يشجعني إلى العودة مرة أخرى".
لطيفة واحدة من آلاف نساء الفراولة في المغرب، سيدة أربعينية، وأم لطفلين تتركهما في عهدة الأب والجيران وقت تواجدها لأشهر في الحقول الإسبانية، وتصر كل موسم على انتهاز الفرصة التي تراها مخرجاً من قلة الحيلة والأزمة المادية التي تعيشها أسرتها في نواحي مدينة أكادير جنوب المغرب، بسبب الركود الاقتصادي الذي سببته كورونا.
كانت لطيفة من بين مئات نساء الفراولة اللواتي علقن لفترة طويلة بعد انتهاء عقودهن وعملهن بإسبانيا، بسبب إغلاق المغرب لحدوده البحرية والبرية والجوية بسبب حدة انتشار فيروس كورونا، ورغم الظروف الصعبة التي عايشتها فإنها قررت العودة.
وحسب الاتفاق الذي جمع المغرب وإسبانيا في هذه السنة ستخصص رحلات استثنائية تنقل العاملات في الحقول الإسبانية ذهاباً وإياباً، وفق إجراءات احترازية مهمة، وسيصلن إلى الحقول للعمل بكد من أجل الظفر بمقابل لا يتجاوز 40 يورو يومياً.
ظروف عمل قاسية
يعلن الإسبان كل سنة عن حاجتهم الماسة إلى نساء الفراولة كأيدٍ عاملة مهاجرة لرفع حجم الإنتاج كل سنة من الفواكه الحمراء، لكن حقوق الكثير من العاملات ظلت لسنوات في مرمى الانتهاكات، وشابت سمعة الحقول الإسبانية عدة مشاكل، منها ما يتعلق بظروف عيش العمال وحقوقهم المادية، ومنها ما ارتبط باعتداءات جنسية فجرتها مقالات صحفية لوسائل إعلام إسبانية سنة 2018.
وبالإضافة إلى لطيفة تمكن "عربي بوست" من التواصل مع نساء أخريات، اخترن جميعهن إعادة التسجيل لأجل العمل في حقول الفراولة الإسبانية، ويجمعن على أن السبب الأول الذي يدفعهن للتهافت على العمل خارج المغرب هو العوز المادي، الذي يضطرهن لقبول ظروف يتفقن على أنها يشوبها الكثير من المشاكل، من بينها السكن غير اللائق والتعامل القاسي وساعات العمل الطويلة وحمل أثقال صناديق الفاكهة طيلة اليوم.
من بين هذه النساء، تحدثت لنا صباح عن تجربتها، وأوضحت أنها تضطر كلما تم استدعاؤها للعمل في إسبانيا إلى ترك زوجها المعاق إثر حادث شغل في رعاية أفراد من العائلة، وتسافر إلى الضيعات الإسبانية للعمل وتوفير مال يساعدها على تأمين الأدوية لزوجها، وإعالة أطفالها وتمكينهم من مواصلة دراستهم.
تقول صباح في تصريحات لـ"عربي بوست"، إن "عملها في المغرب بحمام شعبي بنواحي مدينة فاس، لا يوفر لها من المال ما يكفيها لإعالة أسرة لوحدها، خاصة أن الزوج الذي ابتلى بإعاقة لم تكن بالحسبان خلال عمله، لا يتوفر اليوم على عائد مادي لأن عمله لم يكن مقنناً، ما يلزمها بالذهاب للعمل في حقول الفراولة".
وعن الظروف المتعلقة بفيروس كورونا علقت المتحدثة: "كورونا قد تصيبني وأنا أعمل داخل الحمام أو خلال التسوق هنا في بلدي، أؤمن أنه لن يصيبني إلا ما قدره الله لي، والأولى بالنسبة لي هو البحث عن مصدر رزق لأسرتي مهما كانت المخاطر".
قلق من بؤر كورونا
التخوف من انتشار الفيروس القاتل بين نساء الفراولة المتوجهات نحو الجارة الشمالية، خلفته أرقام الإصابات السابقة المعلن عنها في ضيعات الفراولة بالمغرب، إذ كانت الضيعات والمعامل بدائرة للا ميمونة، التابعة لإقليم القنيطرة شمال غرب المغرب، بؤراً وطنية سجلت فيها حصيلة ثقيلة في عدد الإصابات بفيروس كورونا، بلغت الأعداد فيها نسبة 50% من مجموع الإصابات في المغرب لعدة أيام.
وكان السبب في ذلك غياب التدابير المعلن عنها رسمياً، في أحد معامل الفراولة التابعة لضيعة للا ميمونة، إضافة الى طريقة نقل العاملات التي لا تحترم فيها شروط الوقاية والتباعد اللازمة، وهو ما ينطبق تماماً على ظروف عمل هذه الفئة من المغربيات في الحقول الإسبانية.
وحول هذه الظروف تعلق ديليا مكغريت، عضو اللجنة الدولية ضمن نقابة العمال الأندلسيين "SAT" في ألميريا، في تصريح خصت به "عربي بوست" بأن "نساء الفراولة وعددهن 7000 اللواتي علقن خلال منتصف العام الماضي في إسبانيا بسبب إغلاق الحدود الذي فرضته موجة فيروس كورونا الشديدة بعد إنتهاء عقود عملهن.
وأضافت المتحدثة أن "نساء الفراولة المغربيات كن يشتغلن في عز الأزمة الصحية دون أدنى شروط الوقاية الصحية، ودون احترام للتباعد الاجتماعي أو مطهرات أو كمامات وقائية، وهو أمر لا ينتظر تغييره خلال قدوم الدفعة الجديدة المنتظر وصولها خلال الشهر الجاري"، مؤكدة أن "الجهود المبذولة في هذا الصدد ضئيلة جداً لا تكاد تظهر على أرض الواقع لتبقى هذه النساء عرضة لكل أنواع المخاطر وعلى رأسها الإصابة بالفيروس القاتل".
واستحضرت الحقوقية الإسبانية زيارات النقابة المتكررة والمفاجئة للأماكن التي تخصص لإقامة العاملات بالضيعات حيث يشتغلن، مؤكدة أنها "توضح لنا كل مرة أنهن يتحملن ظروفاً قاسية وغير إنسانية، يضطررن خلالها لحمل الأثقال ومعاملة قاسية، بالإضافة إلى حرمان الكثيرات من حقوقهن المادية حين أداء عمل إضافي واستغلال جهلهن بالقوانين واللغة".
وأكدت المتحدثة أن "العاملات الفلاحيات يعشن قهراً مضاعفاً عندما تنتشر حولهن الأخبار المتعلقة بالاعتداءات الجنسية، إذ يضطررن إلى الدفاع عن أنفسهن هنا، ومحاربة استغلالهن من قبل رؤسائهن في العمل"، مشيرة إلى أن الأمر "يكلفهن في العديد من الحالات فقدان عقود العمل ووضعهن على قائمة سوداء ليمنعن من العودة مرة أخرى، وفي الوقت ذاته يضطررن لتوضيح الأمر لأزواجهن وعائلاتهن في بلدهن ومنهن من تسببت أخبار التحرش والاستغلال الجنسي في طلاقها".
في مقابل المؤازرة الكبيرة من مختلف جمعيات المجتمع المدني والحقوقيين المغاربة والإسبان لهذه الفئة من العاملات، خاض اليمين الإسباني المتطرف حملة ضد تشغيل العاملات المغربيات في الحقول الإسبانية، إذ أطلق حزب "فوكس" اليميني حملة كبيرة في وقت سابق لمواجهة استقدام العمال الأجانب وعلى رأسهم المغربيات.
واعتبر الحزب أن إقدام حكومة الأندلس على تشغيل آلاف الأجانب جلهم من المغاربة، بينما يعاني 55 ألفاً من أبناء المنطقة البطالة، أمر مرفوض.