قال مسؤول كبير بالإدارة الأمريكية يوم الثلاثاء، 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، إن مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر سيقود وفداً أمريكياً خلال الأيام القليلة المقبلة إلى إسرائيل والمغرب، لإجراء محادثات بشأن اتفاق تطبيع العلاقات بين الرباط وتل أبيب الذي جرى التوصل إليه مؤخراً.
كما أضاف المسؤول الأمريكي أن الوفد الأمريكي سينضم إلى وفد إسرائيلي، وسيستقلان أول رحلة طيران تجارية مباشرة من تل أبيب إلى الرباط، كعلامة على حدوث تقدم بعد الاتفاق بين إسرائيل والمغرب الذي ساعد كوشنر في التوسط فيه.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتباين فيه آراء ومواقف المحللين والنشطاء المغاربة حول قرار المغرب التطبيع مع إسرائيل من جهة، والاعتراف الأمريكي المفاجئ بسيادة المغرب على الصحراء الغربية من جهة أخرى.
الإعلان عن أول رحلة تجارية بين تل أبيب والرباط
هناك من يعترض على استخدام مصطلح تطبيع العلاقات على اعتبار أن المغرب ربطته علاقات مع إسرائيل في السابق، تمثلت في وجود مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، الذي بادر المغرب بإغلاقه عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في العام 2000. وهناك من يعتبر هذا التقارب "انتكاسة وخيانة للقضية الفلسطينية".
إذ يرفض المحلل السياسي المغربي حسن بوقنطار الحديث عن تطبيع العلاقات قائلاً "العلاقات المغربية الإسرائيلية كانت قائمة عبر التاريخ"، بدءاً بالجالية اليهودية التي عاشت على أرض المغرب منذ عدة قرون، وهجرة اليهود المغاربة لإسرائيل.
يقول بوقنطار أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط لرويترز "أتحفظ على مصطلح التطبيع، لأن العلاقات الإسرائيلية المغربية ليست وليدة اليوم، فنحن عدنا إلى مرحلة ما بين 1994-2000 حين كان مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط مفتوحاً"، قبل أن تغلقه الرباط بسبب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
كما أشار بوقنطار إلى العلاقة الروحية الوطيدة التي تربط اليهود المغاربة بالمغرب "على اعتبار أن العاهل المغربي هو أمير المؤمنين، وارتباط إمارة المؤمنين بالديانتين الإسلامية واليهودية على حد سواء".
بالإضافة إلى ذلك فقد أوضح أن "الجنسية المغربية لا تسقط"، وهو ما يبقي نحو مليون يهودي من أصل مغربي يعيشون في إسرائيل محتفظين بجنسيتهم المغربية. وأضاف "المتغير الآن هو مكسب القضية الوطنية"، في إشارة إلى قضية الصحراء الغربية، التي يعتبرها المغرب جزءاً لا يتجزأ من أراضيه، ويتنارع مع جبهة البوليساريو عليها منذ نحو 45 عاماً.
اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قد اعترف يوم الخميس في اتصال هاتفي مع العاهل المغربي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهو ما اعتبره المغرب سابقة تاريخية في النزاع القائم بين المغرب وجبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر.
في المقابل اعتبر بوقنطار أنه "لا يمكن أن نربط بشكل متعسف أو نفصل بين الموقفين"، مشيراً إلى موقف فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي بالمغرب والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء.
وأضاف "الموقفان مختلفان".
أما بخصوص تداعيات التقارب المغربي الإسرائيلي على القضية الفلسطينية، فصرح بوقنطار بأن "بلاغ الديوان الملكي كان واضحاً".
حيث جاء في بيان للقصر الملكي أن العاهل المغربي أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أطلعه فيه على فحوى اتصاله مع الرئيس الأمريكي وأبلغه بأن "موقفه الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير"، كما أكد له أن "المغرب مع حل الدولتين، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع".
كما أشار بوقنطار أيضاً إلى الاستثمارات الأمريكية في منطقة الصحراء الغربية، والتي فاقت مؤخراً 5 مليارات دولار، وكذلك افتتاح قنصلية بمدينة الداخلة بالصحراء.
وقال إن الولايات المتحدة "تثق في مؤهلات المنطقة الاقتصادية والاستثمارية، كما أن مشروع أنبوب الغاز النيجيري سيمر من المنطقة نحو أوروبا، وهذا من شأنه أن يلغي الدور الاستراتيجي للجزائر".
سيادة المغرب الفعلية على إقليم الصحراء
كما علق محمد بودن، المحلل السياسي ورئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، لرويترز على القرارين المغربي- الإسرائيلي، وقرار اعتراف أمريكا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، قائلاً إن المغرب "يمارس سيادته الفعلية على الصحراء منذ حدث المسيرة الخضراء والسيادة ليست وليدة اليوم".
كما استعاد المغرب الصحراء من الاستعمار الإسباني في العام 1975، بعد تنظيمه لمسيرة شعبية سلمية -المسيرة الخضراء- التي شارك فيها 350 ألفاً من المتطوعين المغاربة. لكن جبهة البوليساريو التي تأسست بعد ذلك بعام وحملت السلاح في وجه المغرب تطالب بانفصال الإقليم الغني بالثرواث الطبيعية وعلى رأسها الأسماك والفوسفات.
وأضاف "قرار الولايات المتحدة الأمريكية المتمثل في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، يفتح أفقاً استراتيجياً جديداً في المنطقة"، على اعتبار أن "القرار صادر عن دولة لها هيبة عالمية ودائمة العضوية في مجلس الأمن، وحاملة القلم في صياغة قرارات الأمم المتحدة بشأن ملف الصحراء المغربية، وإحدى أبرز مجموعة أصدقاء الصحراء".
فيما يرى بودن أن "الموقف الأمريكي مدرك لأهمية المغرب ودوره في المنطقة كقوة إقليمية لا تقف في الطابور.. منح للمغرب فرصة لا تقف عند بعض المسلمات في حدود معينة أو أبعاد مختزلة، رغم أن العلاقات المغربية الأمريكية لم تخرج أبداً من دائرة التحالف الاستراتيجي".
وأضاف "لكن كان لزاماً تسجيل هذه النقطة الذهبية بشكل براغماتي يتناسب مع المصالح الوطنية". وتوقع أن "يرفع هذا القرار من تأثير الولايات المتحدة الأمريكية في مجمل العلاقات الدولية المتعلقة بالمغرب، وقضية الصحراء المغربية، وسيكرس رؤية سياسية أمريكية واضحة حول ملف الصحراء المغربية، تتجاوز دعم مبادرة الحكم الذاتي في مجلس الأمن والأكثر من هذا سيدفع عدداً من حلفاء الولايات المتحدة في العالم للسير على خطاها".
حقوق الشعب الفلسطيني
لكن كل هذه التطورات حسب بودن "لن تكون على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ولا يمكن إلا أن تكون قوة دفع لدعم إقامة الدولة الفلسطينية، حيث إن مواقف المغرب ثابتة ومتأصلة بشأن القضية الفلسطينية، والقيادة الفلسطينية تدرك أهمية الدور المغربي وحضوره التاريخي في الملف، ولذلك فإنها ستتفهم وتراعي هذا التطور وهذه الخصوصية التي يتمتع بها المغرب".
من جهة أخرى عبرت منظمات حقوقية، ومنظمات للمجتمع المدني عن صدمتها و"خيبتها" من قرار التطبيع.
فيما أصدرت جماعة العدل والإحسان الإسلامية المغربية بياناً، وصفت فيه قرار التطبيع مع إسرائيل "بالفاجعة".
حيث اعتبرت الجماعة أن "هذه الخطوة غير محسوبة العواقب". كما وصفت "الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة" المقربة من العدل والإحسان الخطوة "بالمدانة لأنها طعن للقضية الفلسطينية، وخذلان للشعب الفلسطيني، وإهانة للشعب المغربي الذي ظل رافضاً للتطبيع ومناصراً للحق الفلسطيني".
أما "الشبكة الوطنية للتضامن مع الشعوب" المقربة من حزب النهج الديمقراطي المنتمي لأقصى اليسار، فقد وصفت اليوم الذي أعلن فيه التطبيع المغربي الإسرائيلي "بالأسود"، ويتنافى مع "موقف الشعب المغربي وقواه الحية، ويشجع على استباحة الدم الفلسطيني".