كشفت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، الثلاثاء 8 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن بورصة وول ستريت بدأت في تداول المياه إلى جانب الذهب والنفط والسلع الأخرى المتداولة، وهو ما يسلط الضوء على المخاوف من أن الموارد الطبيعية التي تحافظ على الحياة قد تصبح نادرة في معظم أنحاء العالم.
بدء تداول المياه في البورصة الأمريكية يأتي بعد التنبيهات التي أصدرتها الأمم المتحدة في وقت سابق، من كون الحروب المستقبلية التي قد يشهدها العالم ستكون بسبب ندرة المياه، في ظل التغيرات المناخية وتوالي سنوات الجفاف في أكثر من منطقة حول العالم.
الرهان على المياه في البورصة الأمريكية
الوكالة أوضحت أن المزارعين وصناديق التحوط والبلديات على حد سواء الآن أصبحوا قادرين على التحوط، أو الرهان على توافر المياه في المستقبل في كاليفورنيا، أكبر سوق زراعي أمريكي وخامس أكبر اقتصاد في العالم.
فقد تم تداول عقد CME Group Inc لشهر يناير/كانون الثاني 2021، المرتبط بسوق المياه الفورية في كاليفورنيا بقيمة 1.1 مليار دولار ، في آخر مرة يوم الإثنين، عند 496 نقطة مؤشر، أي ما يعادل 496 دولاراً لكل فدان للقدم.
تم الإعلان عن العقود، وهي الأولى من نوعها في الولايات المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، حيث اجتاحت الحرارة وحرائق الغابات الساحل الغربي للولايات المتحدة، ومع خروج كاليفورنيا من جفاف دام 8 سنوات.
لضمان حقوق المستهلكين الكبار
كما أنه من المفترض أن تكون بمثابة تحوط لكبار مستهلكي الماء، مثل مُزارعي اللوز والمرافق الكهربائية، ضد تقلبات أسعار المياه، وكذلك مقياس ندرة للمستثمرين في جميع أنحاء العالم.
إذ قال المدير الإداري لشركة RBC Capital Markets والمحلل دين دراي: "من المرجح أن يؤدي تغير المناخ والجفاف والنمو السكاني والتلوث إلى جعل قضايا ندرة الماء والتسعير موضوعاً ساخناً لسنوات قادمة". "سنراقب بالتأكيد كيفية تطور هذا العقد المستقبلي للمياه".
كما حذرت الأمم المتحدة منذ فترة طويلة من أن تغير المناخ الذي يتسبب فيه الإنسان يؤدي إلى موجات جفاف شديدة ومزيد من الفيضانات، ما يجعل توافر الماء أقل قابلية للتنبؤ به. في ولاية كاليفورنيا امتدت أحدث موجة جفاف حادة من ديسمبر/كانون الأول 2011، حتى مارس/آذار من العام الماضي ، وفقاً لمراقب الجفاف الأمريكي.
واستقرت أكثر الآثار خطورة في يوليو/تموز 2014، حيث عانى 58% من أراضي الولاية من "جفاف استثنائي"، ما أدى إلى خسائر في المحاصيل والمراعي وحالات طوارئ أخرى في مجال الماء.
كيف يتم تداول المياه في سوق الأسهم؟
ترتبط العقود الآجلة بمؤشر ناسداك فيليس كاليفورنيا للمياه، الذي بدأ قبل عامين، ويقيس متوسط سعر المياه المرجح بحجمه.
إذ قال كلاي لاندري، العضو المنتدب في شركة ويست ووتر ريسيرتش الاستشارية، التي توفر البيانات المستخدمة لحساب مؤشر الماء: "يسعدني أن تكون لدينا تداولات، في السوق الفعلي من الصعب جداً إتمام صفقة".
يحدد المؤشر سعراً قياسياً أسبوعياً لحقوق الماء في ولاية كاليفورنيا، مدعوماً بمتوسط الحجم المرجح لأسعار المعاملات في أكبر 5 أسواق في الولاية وأكثرها نشاطاً وتداولاً.
فيما تتم تسوية العقود الآجلة مالياً، بدلاً من طلب التسليم المادي الفعلي. تشمل العقود عقوداً ربع سنوية حتى عام 2022، يمثل كل منها 10 أفدنة من المياه، أي ما يعادل 3.26 مليون جالون تقريباً.
وفقاً لـCME ومقرها شيكاغو، ستساعد العقود الآجلة مستخدمي الماء على إدارة المخاطر ومواءمة العرض والطلب بشكل أفضل.
في ظل ارتفاع مخاطر شح المياه
قال تيم ماكورت، الرئيس العالمي لمؤشر الأسهم ومنتجات الاستثمار البديلة في بورصة شيكاغو التجارية، في مقابلة، إن ملياري شخص يعيشون الآن في دول تعاني من مشاكل الماء، وما يقرب من ثلثي العالم قد يواجه نقصاً في المياه في غضون أربع سنوات فقط، "من المؤكد أن فكرة إدارة المخاطر المرتبطة بالمياه تزداد أهمية".
في الوقت الحالي إذا أراد مزارع أن يعرف تكلفة الماء في كاليفورنيا بعد ستة أشهر من الآن، فهذا نوع من "أفضل تخمين"، كما قال باتريك وولف، كبير المديرين ورئيس تطوير المنتجات في ناسداك، في مقابلة.
كما قال إن العقود الآجلة ستسمح للمشاركين في السوق برؤية "ما هو أفضل تخمين لدى الجميع".
بينما قال بارتون "باز" طومسون، أستاذ قانون الموارد الطبيعية بجامعة ستانفورد، إنه في حين أنه ليس لديه "فكرة" عما إذا كان المستقبل سيكون ناجحاً، فإنه لا يرى ذلك على أنه تحول في سوق المياه.
طومسون أضاف: "لا أعتقد أن العقود الآجلة بحد ذاتها تغير أسواق الماء، كما أنه لا يغير المخاطر الموجودة هناك من أن المياه في المستقبل في مرحلة ما ستكون أقل من العرض، إنها ببساطة تستجيب لتلك الأشياء".
وسط حديث عن حروب عالمية بسبب المياه
كما صرَّح هانز فان جينكل، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، في وقت سابق، بأن "الحروب على الماء سواءٌ كانت دوليةً أو أهلية تهدد بأن تصبح مكوناً رئيسياً لمشهد القرن الـ21". وإذا لم يوضع حدٌّ لاحتمالية الصراع التي تلوح في الأفق، فسوف تُجَرُّ الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حربٍ أخرى في الشرق الأوسط، حسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
تتعاظم ندرة الموارد وتنتشر في المناطق المعرضة لخطر نشوب الصراعات، مثل المنطقة الممتدة بطول نهر النيل والعراق واليمن في الشرق الأوسط، لكنَّ بلاداً أخرى مثل الصومال والسودان واجهت مؤخراً مجاعاتٍ أو جفافاً ارتبط بِقَطْع الطرق والصراع داخل الدولة.
غير أنَّ المنطقة التي تواجه احتماليةً أكثر إثارة للقلق لنشوب صراع بين الدول بسبب ندرة الموارد، وندرة الماء تحديداً، قد تكون منطقة حوض نهر الأردن في الشرق الأوسط .
لا تقتصر المسألة على كون الحوض أحد أكثر الأماكن التي تعاني نقص الماء على مستوى نصيب الفرد؛ بل إنَّها تضم أيضاً بلاداً لها تاريخ سابق من الصراعات: سوريا وإسرائيل وفلسطين ولبنان والأردن.
حتى منتصف القرن الـ20، كانت المياه مورداً وفيراً في حوض نهر الأردن. فقد ضمنت أنظمة القنوات والري استدامة توافر المياه حتى مع زيادة التعداد السكاني حول النهر، ومنعت الاتفاقيات الثنائية قدراً كبيراً من أحداث العنف.
لكنَّ المزيج الثنائي الحالي من انعدام استقرار المنطقة وتناقص إمدادات المياه يمكن أن يزعزع هذا السلام.
صراعات سابقة وتنبُّؤ حرب على المياه في الشرق الأوسط
وقع عنفٌ من قبلُ حول المياه في حوض نهر الأردن؛ إذ ذكر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أرييل شارون، أنَّه "في الواقع (حرب الأيام الستة) بدأت في اليوم الذي قررت فيه إسرائيل تحويل مجرى (نهر) الأردن". (كانت جامعة الدول العربية تساعد في إمداد سوريا والأردن ولبنان بالمعرفة والموارد لتحويل مجرى نهر الأردن بعيداً عن إسرائيل).
ارتكبت كذلك جهاتٌ غير حكومية في منطقة الشرق الأوسط من قبلُ عنفاً متعلقاً بالمياه: ففي عام 1965، نفذت حركة التحرير الوطني الفلسطيني، التي عُرفت بعد ذلك بحركة فتح، هجماتٍ على نمط حرب العصابات، على مشروع الماء في إسرائيل، وهو مشروع لتأسيس بنية تحتية تجلب الماء من بحيرة طبريا إلى وسط وجنوب إسرائيل.
منذ الستينيات، وقع عددٌ من الصراعات والنزاعات الأقل شهرة بسبب المياه؛ إذ يشير معهد الأطلسي، الذي جمع قاعدة بيانات حول الصراعات المتعلقة بالمياه حول العالم، إلى وقوع 92 حادثاً متعلقاً بالمياه في الشرق الأوسط.
كانت أغلب هذه الحوادث منسوبة إلى الخلافات الإنمائية، أو الإرهاب، أو حوادث استُخدمت فيها المياه باعتبارها أداةً عسكرية أو هدفاً عسكرياً.
غير أنَّ الحرب على الماء لا تزال أقل من الصراعات حول الموارد الطبيعية الأخرى مثل النفط، رغم تنبؤ بطرس بطرس غالي، الدبلوماسي المصري والأمين العام السابق للأمم المتحدة، بأنَّ "الحرب القادمة في الشرق الأوسط سوف تُخاض حول الماء، وليس السياسة".