كشفت تسريبات ومقابلات غير مسبوقة مع فاضحي انتهاكات من النظام الصحي الصيني كيف قلل المسؤولون في بكين من خطورة جائحة فيروس كورونا لشعبهم والعالم في مراحلها الأولى الحاسمة، والتي كان لها فيما بعد نتائج سلبية كبيرة.
إخفاء الحقيقة: صحيفة The Times البريطانية ذكرت، الأحد 6 ديسمبر/كانون الأول 2020، أن بيانات أحد أيام فبراير/شباط، 2020، حين كان الوباء يجتاح ووهان، عاصمة مقاطعة خوبي، أظهرت حجم التقليل من الأعداد الفعلية للحالات المصابة.
إذ أعلنت الصين عن 2478 حالة جديدة مؤكدة على مستوى البلاد في 10 فبراير/شباط 2020، في الوقت الذي أصدرت فيه السلطات الصحية في المقاطعة وثيقة، وصفت بأنها "داخلية" و"سرية"، وأشارت إلى 5918 حالة اُكتشفت حديثاً، أي أكثر من ضعف العدد الرسمي الصادر عن بكين.
هذا الفارق الهائل كشفت عنه مجموعة وثائق من النظام الصحي العام في الصين، نقلها أحد المطلعين إلى شبكة CNN، في أهم تسريب منذ ظهور فيروس كورونا.
وقُسمت الأرقام في مقاطعة خوبي إلى حالات "مؤكدة"، و"حالات تم تشخيصها إكلينيكياً" وحالات "مشتبه بها"، ولكن بموجب قواعد الإعلان الصارمة التي تفرضها بكين، يستغرق الأمر ما يصل إلى 23 يوماً حتى يُسجَّل المريض الذي تظهر عليه الأعراض (فئة "الحالات المشتبه بها") تشخيصاً رسمياً.
تقييد الصحافة: وقال فني مختبرات لوكالة Associated Press الأمريكية، إن تأكيد حالات الإصابة بفيروس كورونا الجديد في ووهان، "نقطة انطلاق" الوباء، أصبح في الواقع "مهمة مستحيلة"، بعد المعايير الصارمة التي حددتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الصين.
كذلك سلب المسؤولون على مستوى البلاد الوكالات المحلية سلطتها، وطالبوا بنقل جميع عينات المرضى إلى بكين، وفقاً لتحقيق وكالة Associated Press.
تؤكد هذه الكشوفات الجديدة من داخل النظام الصحي في الصين، الحكايات المروعة التي تداولها في ذلك الوقت الأطباء العاملون في الخطوط الأمامية في مستشفيات ووهان المكتظة، في أحلك أسابيع الوباء.
من بين هؤلاء كان بينغ تشيونغ، رئيس قسم العناية المركزة في مستشفى تشونغنان، وقد دقَّ ناقوس الخطر مع آخرين وطلبوا المساعدة في مواجهة التعنت والعرقلة الرسميين.
كان جناح الطوارئ الذي يرأسه ممتلئاً بالفعل بحلول 10 يناير/كانون الثاني 2020، وكان الموظفين يصابون بالمرض وكان على يقين من أن المرض الجديد شديد العدوى.
لكن السلطات نفت خطر انتقال العدوى من إنسان إلى آخر، ولم يطرأ أي تغيير على معدل الإصابة الرسمي في الصين لمدة 12 يوماً.
لكن حين زار مسؤولو الصحة المستشفى أخيراً، أقرُّوا بأن الأعراض السريرية "تشبه" تفشي فيروس كورونا سارس بين عامي 2002 و2003، لكنهم وضعوا معايير إعلان "صارمة" عن عمد لتسجيل أعداد محدودة رسمياً.
وقال بينغ لموقع Caixin الإخباري في مقابلة قبل إسكات الأطباء: "لن تُشخص سوى أعداد محدودة جداً بناءً على هذه المعايير. ورئيس مستشفانا أخبرهم بهذا عدة مرات خلال هذه الفترة. وأعرف أن المستشفيات الأخرى كانت تفعل الشيء نفسه".
خروج الجائحة عن السيطرة: وتقول الصحيفة البريطانية إنه نظراً لوجود نظام استبدادي هرمي، يكون فيه الخوف من الفشل المحتمل مترسخاً في نظامه البيروقراطي، كان مسؤولو ووهان يخشون بالتأكيد نقل هذه الأخبار السيئة إلى رؤسائهم في بكين، لاسيما أن اجتماعات الحزب المهمة انعقدت في يناير/كانون الثاني، قبل عطلة رأس السنة القمرية الجديدة.
وفي بكين، ربما كانت بعض الكوادر تأمل أو تتصور أن بإمكانها السيطرة على تفشي المرض دون تنبيه الجمهور الصيني أو العالم إلى حجم المشكلة.
يأتي كشف هذه التسريبات في وقت محرج لبكين، حيث يُكثِّف فيه كبار مسؤوليها ووسائل الإعلام الحكومية جهودهم لكتابة صيغة جديدة لقصة الجائحة.
إذ تصور بكين تعاملها مع الجائحة على أنه نجاح كبير في "حرب الشعب" بقيادة الرئيس شي جين بينغ، وفي هذه الكتابة الجديدة للتاريخ، حذفت الدعاية ما يُروى عن التواني في المراحل الأولى من الجائحة والفشل والتستر، وركزت بدلاً من ذلك على نجاح إجراءات الاحتواء اللاحقة بعد الإغلاق في ووهان.
كذلك لتعزيز رسالتهم، استند المسؤولون في وقت سابق إلى نظريات المؤامرة المتداولة على الإنترنت للترويج لمزاعم غريبة بأن فيروس كورونا أحضره إلى ووهان الجنود الأمريكيون الرياضيون الذين شاركوا في الألعاب العسكرية العالمية في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.