كشفت صحيفة The Times البريطانية الجمعة 4 ديسمبر/كانون الأول 2020، عبر روايات موثقة، تفاصيل جديدة عما يتعرض له المنفيون من أقلية الإيغور المسلمة في تركيا من محاولات ضغط وابتزاز، بهدف التجسس على مواطنيهم في الغربة، مقابل معلومات عن عائلاتهم المحتجزة في السجون الصينية.
بحسب الصحيفة، تُظهِرَ مراسلات في تطبيق "واتساب"، وتسجيلات صوتية لمحادثات مع مسؤولين في القنصلية الصينية بإسطنبول، المسؤولين وهم يعرضون على المنفيين المال أو فرصة التواصل مع أفراد عائلاتهم المحتجزين داخل معسكرات الاعتقال في الصين مقابل معلومات عن أشقائهم من الإيغور في تركيا.
بينما تكشف الوثائق والشهادات حجم حملة بكين العالمية لإسكات الإيغور، إذ تم سجن أكثر من مليون شخص منذ عام 2017 فيما تُسميه الحكومة الصينية بـ"مراكز التعليم"، لكنّها في الواقع أكثر من مجرد معسكرات اعتقال.
تشير الصحيفة إلى أن نحو 30 ألف شخص من الإيغور يعيشون اليوم داخل تركيا، فرّ الكثير منهم من الصين بعد بدء حملة بكين القمعية، وبدأت أعدادٌ متزايدة منهم الآن في الحديث عن العقوبات التي تنزل بعائلاتهم في أرض الوطن.
أنت ابن الصين: نقلت الصحيفة كيف تواصل مسؤولو الحزب للمرة الأولى مع جيفلان شيرميمت (29 عاماً)، الذي انتقل إلى تركيا بصفته طالباً جامعياً عام 2011، خلال زيارته الأخيرة لسنجان عام 2016.
قال شيرميمت: "جاءني عميلان، وجلسنا في أحد المقاهي بأورومتشي لمدة ساعتين، وكانا يتحدثان معي بلطفٍ شديد، حيث قالا إن الحكومة معجبةٌ بك، أنت ابن الصين، لقد دخلت الجامعة وسافرت إلى تركيا بفضل الحزب الشيوعي الصيني، وعليك أن تفعل شيئاً لرد الجميل".
وحين عاد إلى إسطنبول، واصل العملاء مراسلته، وطلبوا منه أن يخبرهم حين يشتري تذكرته التالية إلى الصين حتى يتمكّنوا من لقائه في المطار.
لكن بحلول ذلك الوقت، كانت أنباء الاعتقالات الجماعية للإيغور قد بدأت تتسرّب، واختفى العديد من أصدقاء شيرميمت في إسطنبول بعد أن عادوا إلى سنجان لقضاء العطلات، لذا قرّر هو البقاء في تركيا.
في يناير/كانون الثاني عام 2018، انقطعت كل الاتصالات مع عائلته فجأة، وبدأ زملاؤه وأقاربه في حذفه من حساباتهم على تطبيق WeChat الصيني. وفي ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، علم أنّ والديه وشقيقه قد أُرسِلوا إلى المعسكرات، مع الحكم بسجن والدته لخمس سنوات بسبب رحلةٍ قامت بها إلى تركيا عام 2013.
وفي محادثةٍ هاتفية بتاريخ 12 فبراير/شباط، اقترح مسؤولٌ في القنصلية أنّ أنشطة شيرميمت في تركيا ربما أسهمت في اعتقال والدته، واتّهمه بلقاء معارضين من مصر، التي لم يزُرها من قبل في حياته.
اتصالات من الصين: فيما قال آخرون من الإيغور، أصروا على إخفاء هويتهم، إنّهم قد طُلِبَ منهم توفير معلومات عن معارفهم في تركيا. إذ قال واحدٌ مُنهم، يُدير ورشة إصلاح في إسطنبول: "في البداية، تلقّيت اتصالاً من الصين. كانوا يعرفون اسمي. ويعرفون اسم شريكي في العمل أيضاً".
أشار الإيغوري إلى أنّه سافر إلى تركيا عبر طرق التهريب في عام 2013، بعد تعرّضه للاعتقال والتحقيقات في سنجان بشكلٍ متكرر، وأُجبِرَ على ترك عائلته في الصين: "طلبت منهم منح زوجتي وطفلي جوازي سفر، وإرسالهما إلى هنا. فقالوا لي أنّ علي فعل شيءٍ قيّم في المقابل. وفكّرت في الأمر لمدة أسبوعٍ على الأقل. فمن ناحية كانت هناك عائلتي. ومن الناحية الأخرى هناك أشخاص أبرياء. ولو منحتهم معلومات عن أصدقائي من أجل صالح أمي وأبي، فما الذي سيُصيب والدي هؤلاء الأصدقاء؟".
وفي إبريل/نيسان عام 2018، بعد أن قرّر عدم التجسس لصالح الحكومة الصينية، بدأ في تلقي رسائل من رقمٍ تركي على واتساب. وقال معاون الحكومة إنّه يعلم جيداً أين اختفى وما الذي يفعله في إسطنبول. ووجّه له تهديدات مُبطّنة حول عائلته في الصين.
تهديدات للنساء: بينما قالت سيدةٌ من الإيغور، فرّت إلى تركيا أثناء حملها عام 2016 وجلبت معها طفلين تاركةً ابنتها وزوجها في سنجان، إنّها تلقّت اتّصالاً من السلطات الصينية في يونيو/حزيران عام 2017. وأضافت: "سألوني إن كنت أعرف أياً من الإيغور الذين يعيشون هنا. وحين أجبت بالنفي، لم يُصدّقوني. واستمروا في مراسلتي يومياً قائلين: أنتِ تكذبين، لدينا ابنتك وزوجك".
كان شتات الإيغور هو أول ما لفت انتباه العالم إلى ما يحدث في سنجان، حيث أثار دعوات للضغط على الحكومات من أجل مقاطعة المنتجات الصينية، التي يُعتقد أنّ بعضها يجري إنتاجه بواسطة العمالة القسرية داخل المعسكرات.
وتزعم بكين أنّها تُرسِل الإيغور إلى مرافق لتعليمهم لغة الماندرين والتصدّي للراديكالية الإسلامية. في حين تُظهر لقطات الأقمار الصناعية حجم وعدد تلك المعسكرات شديدة الحراسة، التي قالت الأمم المتحدة إنّها تحتجز مليون شخص. وأظهر مقطع فيديو التقطته طائرةٌ بدون طيار في يوليو/تموز رجالاً مصطفين من الإيغور وهم مقيّدون ومعصوبو الأعين على رصيف إحدى محطات القطارات.