خيارات السلطة الفلسطينية بعد اقتطاع الكابينت 600 مليون شيكل من رواتب عائلات الأسرى والشهداء

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/03 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/03 الساعة 15:39 بتوقيت غرينتش
محمود عباس

خسر الفلسطينيون معركة سياسية وقانونية استمرت لستة أشهر، بعد أن صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي الأمني المصغر (الكابينت) على اقتطاع مبلغ 600 مليون شيكل من عائدات الضرائب الفلسطينية المعروفة بـ(المقاصة)، وهي إجمالي المبالغ التي تدفعها السلطة الفلسطينية كرواتب لعائلات الأسرى والشهداء عن العام 2019. 

القرار الإسرائيلي شكَّل صدمة للسلطة الفلسطينية، التي سعت في الأشهر الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات من شأنها قطع مخصصات الآلاف من ذوي الأسرى والشهداء، لتجاوز قانون كان قد أقره الكنيست، في يوليو/تموز 2018، يُجيز للدولة اقتطاع ما تدفعه السلطة على هيئة رواتب لذوي الأسرى والشهداء، والمقدرة قيمتها بـ600 مليون شيكل سنوياً.

وتبقى خيارات السلطة الفلسطينية المطروحة إما القبول بالطرح الإسرائيلي واقتطاع رواتب ذوي الشهداء، أو التمسك بشروطها والتصعيد. 

يقول عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، عباس زكي، لـ"عربي بوست"، "إن السلطة رفضت أن تتسلم الأموال منذ قطع العلاقات مع إسرائيل في مارس (آذار)، ورغم اقتطاع إسرائيل ما قيمته 600 مليون شيكل فإن شروطنا لم تتغير، وسنبقى نُصر بكافة أشكال الضغط عبر المفاوضات ومن خلال الضغط على أصدقائنا لثني الاحتلال عن قراره ووقف العمل بقانون احتجاز أموال الأسرى".

وأضاف: "في حال أصرت إسرائيل على موقفها ولم تتراجع عن قانون استقطاع الأموال، فإن البديل سيكون بتحمل السلطة لكافة المسؤولية وصرف المخصصات الشهرية للأسرى عبر طرق مختلفة، سواء من خلال لجان المخيمات أو البنك الحكومي الذي قد يبدأ العمل به في الفترة القادمة، لإعفاء البنوك التي قد تتضرر من أي قرار بملاحقة قضائية من قبل إسرائيل".

ووفقاً لمصادر حقوقية فإن الأشهر الأخيرة زادت السلطة من إجراءات الضغط على أهالي الأسرى والشهداء، بتجميد مخصصاتهم الشهرية، رغم تأكيدها في وقت سابق أنها ترفض المساس بأي من هذه الحقوق باعتبارها معركة وطنية.

ماهر بدوي الأمين العام للجنة الوطنية لأهالي الشهداء والجرحي، قال لـ"عربي بوست" إنه "منذ شهر مارس (آذار) الماضي، أوقفت السلطة صرف رواتب عشرة آلاف أسرة شهيد وجريح في قطاع غزة، تلاه اتخاذها قراراً باقتطاع 50% من رواتب نحو 3 آلاف كادر من ذوي أسر الشهداء والجرحى".

وأضاف: "أجرينا اتصالات مع قيادات في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، لاعتماد أسر شهداء وجرحى الحرب الإسرائيلية على غزة صيف 2014، والمقدر عددهم بنحو 2000 شهيد، و7 آلاف جريح، ولكن بعد مرور 6 سنوات على انتهاء تلك الحرب العدوانية، ما زالت السلطة الفلسطينية ترفض اعتماد هؤلاء الشهداء ضمن مخصصاتها المالية، خشية أن تتعرض لعقوبات إسرائيلية".

وأشار بدوي أن "بعض الأسر في غزة تعتمد على مخصصات أبنائها كمصدر وحيد للإعالة، وقرار السلطة بوقف مخصصاتهم تَسبَّب بأضرار اقتصادية ومعيشية لعشرات آلاف من الأسر، كما أن بعض الجرحى يعتمدون على هذه الرواتب بسبب فقدانهم القدرة على العمل في مصدر رزق آخر، بسبب الإعاقة التي يعانون منها نتيجة الإصابات الإسرائيلية، مثل بتر الأطراف، أو اضطرابات عقلية، أو سمعية وبصرية".

تأتي خطوات السلطة الفلسطينية تماشياً مع قرار اتخذه وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويقضي القرار بملاحقة البنوك العاملة في فلسطين، وثبت أنها فتحت حسابات بنكية للأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء. 

وفقاً لبيانات رسمية حكومية فلسطينية، يقدر عدد حسابات الأسرى وذوي الشهداء المصرفية بقرابة 25 ألف حساب بنكي، يتلقون مخصصاتهم من وزارة المالية في رام الله، وتقدر قيمة مخصصاتهم بنحو 50 مليون شيكل شهرياً (15 مليون دولار).

اللواء قدري أبوبكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين نفى لـ"عربي بوست" الأنباء التي تتحدث عن قطع السلطة الفلسطينية مخصصات الأسرى، لأن الأزمة المالية التي مرت بها السلطة في الأشهر الأخيرة نتيجة أزمة المقاصة أحدثت إرباكا لدى الكثير من المستفيدين، وأن حقوق الأسرى محفوظة لا يمكن التنازل عنها بقرار سيادي من رئيس السلطة محمود عباس".

وأضاف أن "السلطة حاولت البحث عن صيغة قانونية بديلة لتجاوز القانون الإسرائيلي بمحاربة البنوك التي تدفع رواتب الأسرى وذويهم، لمنع ملاحقتها قضائياً من إسرائيل، لذلك جرى الاتفاق على إنشاء بنك حكومي سيتم العمل به خلال الأسابيع القادمة برأس مال قدره 100 مليون دولار، على أن يكون بمثابة بريد حكومي يتم صرف مخصصات الأسرى من خلاله دون تمييز".

بالتوازي مع ذلك، كشف عضو مكتب إعلام الأسرى أيمن الشراونة، في حديث لـ"عربي بوست"، أن "السلطة الفلسطينية أوقفت منذ نحو عامين رواتب الأسرى المحررين من صفقة تبادل الأسرى التي أبرمتها حماس مع إسرائيل في 2011، حيث شمل قرار السلطة حرمان قرابة 250 أسيراً ممن ينتمون لحركة حماس، جلهم من قطاع غزة، من مستحقاتهم المالية الشهرية، أما في الضفة الغربية فقد أوقفت السلطة رواتب نحو 1250 أسيراً فلسطينياً على خلفية انتمائهم السياسي".

وأضاف أن "السلطة تتعامل بمنهجين في قضية قطع المخصصات، ففي قطاع غزة تمارس نهجاً إقصائياً يقوم على حرمان أهالي القطاع من حقوقهم المالية، كإحدى أدوات الحصار التي تمارسها السلطة على حركة حماس، منذ بدء الانقسام الذي بدأ في العام 2007". 

وختم بالقول إن "السلطة الفلسطينية في الضفة تتعامل بوتيرة أقل في قطع المخصصات عن الأسرى مما هو الحال مع أسرى قطاع غزة، خشية أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات سياسية تؤثر على مكانتها أمام الشارع الفلسطيني، ولكن في كلتا الحالتين فإن سياسة السلطة تنسجم مع الضغوط الإسرائيلية والأمريكية، باستثناء الكادر النضالي من حقوقه، تمهيداً لتجريم العمل المقاوم في المستقبل".

اللافت أن السلطة الفلسطينية ترتكب هذه المخالفة مع أن القانون الأساسي الفلسطيني ينص على أن رعاية أسر الشهداء والأسرى الجرحى والمتضررين والمعاقين واجب ينظم القانون أحكامه، وتكفل لهم خدمات التعليم والتأمين الصحي والاجتماعي.

علاء الريماوي، الصحفي الفلسطيني من رام الله، أحد المتضررين من قرار السلطة بقطع راتبه، كونه أسيراً محرراً قال لـ"عربي بوست" إن "السلطة الفلسطينية أدخلت نفسها في مواجهة مع الشارع الفلسطيني، بسبب عجزها عن مواجهة قرار إسرائيل باقتطاع رواتب الأسرى والشهداء، لذلك هي تحاول أن تخرج القضية من إطار المواجهة السياسية مع إسرائيل، إلى مواجهة الشارع كونها أقل كلفة، لأن صوت الشارع لن يتعدى إطار الإدانة والرفض بسبب قلة عدد المستفيدين من الأسرى، مقارنة بعدد السكان الفلسطينيين".

وأضاف أنه "رغم محاولات السلطة تجاوز القانون الإسرائيلي بحرمان آلاف الأسر من رواتبهم، فإن خسارة هذه المعركة ستؤسس لعلاقة مشوهة مع إسرائيل، التي ستتمادى في قرارات مماثلة لتصل إلى إغلاق كل المؤسسات الوطنية التي تتبنى قضايا كالأسرى والشهداء والجرحى، تمهيداً لتجريم أفعالهم، بالتوازي مع خسارة السلطة لموقف وتأييد الشارع الذي لم يعد يثق بقراراتها".

تحميل المزيد