تعيش تونس منذ أيام احتجاجات اجتماعية جديدة والتي بدأت تأخذ أشكالاً غير مسبوقة مقارنة بالسنوات التي تلت ثورة الربيع العربي، وذلك بعد انتفاضة شباب ولاية تطاوين المعروفة بأكبر حقول النفط، مطالبين بالتشغيل والمساواة مع باقي شباب البلاد.
وتمدّدت احتجاجات تونس إلى عدد من المناطق وسط تهديد تنسيقيات أُنشئت في عدد من الجهات بالانطلاق في اعتصامات مماثلة، بالإضافة إلى ظهور صفحات فيسبوكية تدعم هذه التنسيقيات وفي هي نفسها التي كانت في وقت سابق تشتغل لصالح الحملة الانتخابية للرئيس التونسي قيس سعيد.
وأمام هذا الوضع وجّه عدد من قيادات الأحزاب الاتهام إلى عناصر مقربة من الرئيس التونسي قيس سعيّد بالعمل على تأسيس هذه التنسيقيات، والتي تتنزل في إطار التمهيد لتنفيذ رؤية رئيس الجمهورية في تغيير النظام السياسي في تونس.
اتهامات مباشرة
كانت أبرز الاتهامات التي وُجهت للرئيس قيس سعيد تلك التي توجه بها رئيس كتلة ائتلاف الكرامة في مجلس نواب الشعب، سيف الدين مخلوف خلال الجلسة العامة بالبرلمان التونسي لمناقشة ميزانية الدولة للعام 2021 في جزئها المخصص لميزانية رئاسة الجمهورية.
وانتقد مخلوف ما وصفه بـ"قلة احترام من رئاسة الجمهورية لبقية السلطة وترذيل قيس سعيد لها في كل مناسبة وعدم القيام بمشاورات معها طبقاً لأحكام الدستور"، مشيراً إلى أن الرئيس "لا يتصرف كعنصر توحيد بين التونسيين بل كعنصر معارض يؤسس تنسيقيات غير قانونية"، في إشارة إلى التنسيقيات التي يتم إنشاؤها في الجهات.
واعتبر سيف الدين مخلوف في حديثه لـ"عربي بوست" أن "الرئيس يلعب دور حزب معارض وليس دور رئيس للجمهورية جامع للتونسيين وضامن لوحدة الدولة"، قائلاً إن "قيس سعيّد يأكل مع الذئب ويبكي مع الراعي".
وأكّد مخلوف أن "هذه التنسيقية في أكثر من منطقة في الجمهورية تنسب نفسها لرئيس الدولة، في المقابل لم يصدر أي تصريح عن رئيس الجمهورية قيس سعيّد لنفي ذلك ولم يعلن تبرءه منها من أجل رفع الغطاء عنها، وهو ما طالبناه به في أكثر من مناسبة لكن دون جدوى".
من جهة أخرى، اعتبر أحد الشباب المعتصمين في منطقة المحرس جنوب شرقي تونس، أنّ "عدداً من المشاركين في الاعتصام الذي قام بغلق مستودعات توزيع المحروقات، مما قد يتسبب في تعطّل تشغيل المصانع الكبرى والمؤسسات التحويلية في المنطقة، شاركوا فيما يعرف بـ"الحملة التفسيرية" للرئيس قيس سعيّد قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية".
وأضاف المصدر ذاته في تصريح لـ"عربي بوست"، أنّ "هؤلاء الشباب يعملون بشكل منظم فيما بينهم وتتجاوز أهدافهم المطالبة بالتشغيل والتنمية في المنطقة إلى مطالب سياسية، وهم يعبّرون عن أنفسهم من خلال صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "تنسيقية الشعب يريد" وهو الشعار الذي اتخذه رئيس الجمهورية شعاراً لحملته الانتخابية الرئاسية".
وبالتدقيق في هذه الصفحات الفيسبوكية فإن أغلبها صفحات كانت موجودة منذ سنة 2019 تحديداً في فترة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وكانت أغلبها صفحات تساند رئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد، وتحمل أسماء على غرار "أنصار قيس سعيد" و"الشعب يريد قيس رئيساً"، ومع انطلاق الاحتجاجات وقع تحيينها وتغيير أسمائها لتحمل عناوين التنسيقيات في الجهات.
رفض للنظام السياسي
تعتمد الجهات التي تتهم رئيس الجمهورية قيس سعيّد بالوقوف وراء هذه التنسيقيات والقبول بتأسيسها، على تصريحات سابقة لسعيّد في أكثر من مناسبة، كان أكثرها إثارة للجدل، تلك التي صرّح بها في مدينة بن قردان الحدودية مع ليبيا، يوم 7 مارس/آذار 2020، حين دعا الأهالي إلى عدم انتظار المنة من الحكام قائلاً: "أنتم الحكام عن طريق الانتخاب عبر الاقتراع على الأفراد.. اليوم أنتم غير مطالبين بتقديم المطالب، أنتم مطالبون بوضع المشاريع لا انتظارها من المركز، يجب أن تعبروا عن إرادتكم أنتم لا إرادة المركز، لذلك رفعت شعار الشعب يريد".
وقوبل تصريح سعيد بردود فعل طيف واسع من الطبقة السياسية التي اعتبرته تهديداً لوحدة الدولة وهيبتها، وتلته تصريحات هاجم فيها قيس سعيد بشكل علني مؤسسة البرلمان ونواب الأحزاب خلال تواجده بإحدى الثكنات العسكرية في العاصمة تونس، وهو ما اعتبره مراقبون دليلاً آخر على موقفه الرافض للنظام السياسي شبه البرلماني الحالي الذي نصّ عليه دستور العام 2014، ومواصلة سعيه لتغيير نظام الحكم.
وتمكنت الحكومة من توقيع اتفاق مع تنسيقية اعتصام الكامور بولاية تطاوين أقصى الجنوب التونسي، يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والذي أدى إلى إعادة فتح مضخة البترول التي تعرضت للإغلاق لأكثر من مرة متسببة في خسائر مادية كبيرة للدولة التونسية.
اتهامات باطلة
في المقابل لم تكن التنسيقيات في الجهات مسألة جديدة، إذ إن تنسيقية اعتصام "الكامور" تأسست منذ العام 2017، حين قرر شباب ولاية تطاوين أقصى جنوب البلاد، الاعتصام في المنطقة وإغلاق مضخة النفط إلى حين تحقيق مطالبهم في الشغل والتنمية.
التنسيقية حظيت في يناير/كانون الثاني 2020 بلقاء مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد بقصر قرطاج، أياماً قليلة بعد توليه رسمياً منصب رئيس الجمهورية، ووعدهم حينها بحل جميع الإشكالات العالقة مباشرة بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما لم يتم بالفعل، مما دفع التنسيقية إلى رفض دعوة ثانية من رئاسة الجمهورية للقاء سعيّد.
ونفى نورالدين درزة، عضو تنسيقية اعتصام "الكامور" لأي علاقة بين التنسيقية التي ينتمي لها والحملة الانتخابية لقيس سعيّد لا في الماضي ولا الآن، حيث لم يتم التواصل معه سوى في مناسبة واحدة.
وأضاف درزة في تصريح لـ"عربي بوست" أن "جميع أعضاء التنسيقية من المستقلين عن جميع الأحزاب والأطراف السياسية في البلاد، وإن كنا نتفق في شعار الشعب يريد، لذلك عبّر الشعب في تطاوين عما يريد، ونحن نساند أي تحركات ومطالب مشروعة إلا أنه ليس لنا أي علاقة أو تواصل مع أي من التنسيقيات التي ظهرت أخيراً في عدد من الجهات".
ونفى المنسق الجهوي لحزب "الشعب يريد" ماهر الحامدي في تصريح لـ"عربي بوست" أي علاقة بين احتجاجات تونس الموجودة حالياً وتنسيقيات الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيّد، معتبراً أن "بعض الصفحات التي تتحدث باسم هذه التنسيقيات هي صفحات تباع وتشترى وتوظّف لخدمة أجندات مختلفة، وتقوم جهات غير معلومة بتمويلها والترويج لها".
وأكّد المتحدث أن "احتجاجات تونسخلال هذه الفترة من السنة أصبحت أمراً مألوفاً منذ سنوات، والظروف الاقتصادية والاجتماعية تدفع المواطنين للاحتجاج في عدد من المناطق ولا علاقة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد بها وهذه الاتهامات الموجهة له هي محض افتراء ولا علاقة لها بالواقع بتاتاً".
وحزب الشعب يريد الذي تأسس حديثاً، يضم عدداً كبيراً من الشباب الذي قام بالحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد والتي يصفها بـ"الحملة التفسيرية"، وكذلك تضم أشخاصاً آخرين يتبنون رؤية التأسيس الجديد التي دعا لها رئيس الجمهورية من أجل تغيير النظام السياسي في تونس.