تتوالى في الآونة الأخيرة أخبار الاعتداءات التي تتعرض لها مساجد في ألمانيا، آخرها اعتداء أعلن عنه الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، قام به مجهولون، وذلك بإلصاقهم أوراقاً تتضمن عبارات عنصرية معادية للإسلام قرب مسجد بولاية بادن فورتمبيرغ الألمانية، من بينها "ألمانيا للألمان" و"ليرحل الأجانب".
وقبل هذا الحادث بأيام تعرَّض جامع "المسجد الأقصى" في العاصمة الألمانية برلين لاعتداء من قِبل مجهولين، إذ لاحظ المسؤول عن المسجد وجود كتابات على الجدران الخلفية، وعلى نوافذ أحد مرافقه، وهو ثاني اعتداء يتعرض له نفس المسجد.
وتبقى هذه الحوادث غير معزولة في سياق تنامي الأفكار اليمينية المتطرفة في أوروبا عامة وفي ألمانيا بشكل خاص، الأمر الذي يؤثر بشكل كبير على الأمن الجسدي والنفسي للمسلمين، وأيضاً يُمثل تحدياً للحكومة الألمانية، التي من واجبها حماية جالية مهمة فوق أراضيها.
إرهاب اليمين
أمام ارتفاع حالات التهديد والاعتداء على المساجد في ألمانيا، سجلت هذه الأخيرة أحداثاً أكثر رعباً متعلقة بأمن المسلمين على أراضيها هذه السنة، من ضمنها تفكيك خلايا يمينية تخطط لهجمات "مرعبة"، عبر استهداف المصلين المسلمين داخل المساجد.
وتلاحظ الدولة الألمانية كباقي الفاعلين في المجتمع الألماني، ارتفاع وتيرة تسجيل حوادث الاعتداء على أماكن العبادة، ففضلاً عن إحصاءات مدنية أظهرت أن المساجد والمراكز الإسلامية تعرضت لهجوم كل يومين خلال العام الماضي، أعلنت الحكومة رسمياً أن جرائم الإسلاموفوبيا تجاوزت 222 جريمة خلال سنة واحدة.
ويحدث هذا في بلد يضم ثاني أكبر عدد من سكان المسلمين في أوروبا الغربية بعد فرنسا، بواقع 4.7 مليون مسلم، ما يصل إلى 6.1% من مجموع سكان ألمانيا، ويعتبر الدين الإسلامي ثاني أكبر الديانات الموجودة في ألمانيا بعد المسيحية.
"العنصرية والتمييز أمران يشعر بهما المسلمون في حياتهم اليومية، وتترجمهما تقارير سابقة حول الإسلاموفوبيا في الدول الأوروبية عموماً وألمانيا بشكل خاص"، يقول الشيخ مبارك كونت، عضو الهيئة العلمية للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.
وكشف المتحدث في تصريح خصّ به "عربي بوست" أن "معدل الاعتداءات على المسلمين في السنتين الأخيرتين صار أسبوعياً، وهو أمر مفزع"، معتبراً أن "المسلمين هنا ليسوا في حاجة لدراسات ليتأكدوا ويفهموا الوضع، لأنهم يتعرضون للعنصرية في حياتهم اليومية".
من جهته، قال عبدالعظيم كمّوس، مدير مؤسسة وقف الإسلام في ألمانيا في تصريحات لـ"عربي بوست"، إن "كل الإحصائيات التي سُجلت في السنوات الأخيرة تُبين أن الاعتداءات في تزايد مستمر، وأن اليمين المتطرف بدأ فعلاً في تشكيل خلايا سرية تسعى لضرب المسلمين في دور عبادتهم والهجوم على منشآتهم".
وأكد المتحدث أن "الكثير من الشخصيات المؤثرة في أوساط المسلمين تهدد بالقتل والاغتيال كما هو الحال مع رئيس مجلس شورى المسلمين أيمن مازيك وأنا شخصياً، إذ تلقينا في ظرف السنتين الماضيتين عدداً من التهديدات، حتى اقترحت علينا الشرطة الألمانية حراسةً شخصيةً، وهو ما رفضته مرتين".
خطر العنصرية واتهامات بالإرهاب
الحوادث المتكررة وتناميها في الآونة الأخيرة لها ارتباط بالأزمة الأوروبية التي يحاول القادة السياسيون فيها توجيه أصابع الاتهام دائماً للمسلمين، ويغضون الطرف عن الإرهاب اليميني المتنامي بشكل لافت، ما جعل المسلمين في وضعية حرجة.
وشهدت ألمانيا في السنوات الأخيرة تصاعداً لظاهرة "الإسلاموفوبيا"، بسبب الآلة الدعائية للحركات والأحزاب اليمينية المتطرفة بالبلاد. إذ كشفت تقارير المخابرات عن قوة تهديد إرهاب اليمين المتطرف في ألمانيا، معلنة أن 12700 يميني متطرف "يميلون إلى العنف".
وفي هذا الصدد، يرى مبارك كونت، عضو الهيئة العلمية للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أن "السبب في هذا المعطى هو الصورة التي تروجها وسائل الإعلام التي تركز على النماذج السلبية وتضخيمها، بينما تهمش النماذج الراقية الناجحة، ما يجعل المجتمع الألماني يعيش خوفاً من الإسلام والمسلمين".
وذكر كونت في حديثه مع "عربي بوست" أن "أحزاباً يمينية متطرفة تحصد أصواتاً، وتحقق شعبيتها تصاعداً صاروخياً، وهو مؤشر على الوضع غير العادي الذي يعيشه المسلمون هنا في ألمانيا".
من جهته، اعتبر عبدالعظيم كمّوس، مدير مؤسسة وقف الإسلام في ألمانيا وإمام وخطيب في مسجد المؤسسة، أن "وتيرة تسجيل الاعتداءات ترتبط بشكل وثيق بالجو العام السائد في البلد، حيث تلعب وسائل الإعلام دوراً مهماً في التأثير على مسار الأحداث، كما أن الأحداث الإرهابية تُؤثر بشكل مباشر على زيادة وتيرة الاعتداءات".
ولفت المتحدث الانتباه إلى أن "أصابع الاتهام موجهة طوال الوقت نحو المسلمين، وحديث الساسة يدور في غالب الأحيان حول ما على المسلمين من واجبات، وليس حول ما لهم من الحقوق". مشيراً إلى أن "هذه المعطيات تغذي التيار اليميني المتطرف، الذي يسعى لإثبات نظريته المعادية للمهاجرين والمسلمين".
تحركات ألمانيا "غير كافية"
منذ شهرين أعلن وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر عن تشكيل مجموعة عمل مكونة من 12 خبيراً، من أجل تحليل المواقف العدائية تجاه المسلمين ومكافحتها.
ونقل التلفزيون الألماني "دويتشه فيله" عن وزير الداخلية الألماني، قوله إن "المواقف المعادية للمسلمين لا تمثل تهديداً لهم فحسب، ولكن للتكاتف المجتمعي بشكل عام".
واتخذت سلطات الأمن الألمانية في السنوات الأخيرة عدة إجراءات، بينها حظر بعض المجموعات اليمينية المتطرفة، إلا أن مفعولها على أرض الواقع لم يُلمس بعد، إذ باتت التطلعات اليمينية المتطرفة خطراً حتى على المؤسسات العسكرية والأمنية الحساسة في ألمانيا، بسبب تنامي حالات المشتبه بهم داخل المؤسستين.
ويعلق الشيخ مبارك كونت على الموضوع بالقول إن "هناك بعض التحركات من جانب الحكومة لمواجهة عنف اليمين وتهديداته للمسلمين، لكنها غير كافية، والدليل على ذلك تنامي عمليات العداء والعنصرية تجاه المسلمين"، مبرزاً أن "هناك ضرورة لإعادة النظر في الهيكلة العامة، لأن الأمر وصل لمنتمين لسلك الشرطة".
واعتبر المتحدث أن "المسؤولية مشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات الإسلامية أيضاً، لخدمة فكرة التعايش وتربية الشباب المسلم والحرص على إبعادهم عن التطرف الذي يتخذه اليمين المتطرف سبباً للعداء والعنصرية".
من جهته، اعتبر عبدالعظيم كمّوس، إمام مسجد "وقف الإسلام"، أن "جهود الدولة في هذا المجال مازالت هزيلة ولا ترقى لمستوى التحدي الموجود".
وتحدث الإمام المغربي المقيم بألمانيا عن أن "الدولة تمول حزمة كبيرة من المشاريع التي تعنى بمحاربة الراديكالية "الإسلاموية"، ومشاريع تُعنى بإدماج المسلمين، لكننا لا نجد مثل هذه الجهود في مجال محاربة التطرف اليميني".
ويرى مبارك كونت، عضو الهيئة العلمية للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أن "الاعتداءات على المسلمين ودور عبادتهم يؤثر على أمنهم الروحي". مشدداً أن "عدداً كبيراً من المساجد بدأت ترتيبات أمنية مثل وضع كاميرات مراقبة وحراسة مشددة، خاصة خلال صلاة الجمعة والأنشطة الكبيرة"، وهو ما يُترجِم انعدام الثقة والإحساس بالأمن.
وفي حديثه عن السبل التي تعتمدها المؤسسات الإسلامية للفت الانتباه للخطر المحدق بالمسلمين ودور عبادتهم، قال المتحدث إن "المؤسسات الإسلامية لا تتوفر على إمكانيات كبيرة، لكن تم تأسيس مؤسسات لرصد الاعتداءات على المسلمين والمؤسسات الدينية الخاصة بهم"، مؤكداً أن "المجلس الأعلى للمسلمين استطاع بجهوده الخاصة أن يجعل الموضوع ضمن أجندة الحكومة الألمانية".
مذكراً بأن "الجهود يجب أن تتضافر من أجل نبذ العنف والحفاظ على الأسس التي بني عليها المجتمع الألماني".
واتفق عبدالعظيم كمّوس، المهندس وإمام مسجد "وقف الإسلام"، أن "سبل اشتغال المؤسسات الإسلامية ضعيفة بسبب نقص التمويل"، مؤكداً أنه "بالرغم من ذلك نجد أن كثيراً من الجمعيات الإسلامية بدأت تخترق من خلال ممثليها موائد الحوار للفت انتباه الرأي العام لهذا الخطر".