أمرت المحكمة الابتدائية بمدينة القنيطرة المغربية، الأربعاء 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مؤسسة تعليمية تابعة للبعثة الفرنسية بالسماح للتلميذة سندس باستئناف دراستها، التي حُرمت منها منذ أيام، بسبب اعتراض إدارة المؤسسة على ارتدائها الحجاب داخل القسم.
وتضمَّن الحكم غرامة تهديديةً قدرها ألف درهم (100 دولار) عن كل يوم تأخير عن تنفيذ الحكم، الذي يتوجب تنفيذه فوراً من طرف مدرسة "دون بوسكون" الفرنسية.
وكانت قضية التلميذة سندس قد عُرضت أمام أنظار قاضي المستعجلات بالمحكمة الابتدائية بالقنيطرة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إلا أن دفاع المَدرسة تقدَّم بطلب، من أجل تأجيل مناقشة القضية إلى حين اطلاعه على الملف.
محاكمة سندس للمؤسسة
لم تمنع الإجراءات الاحترازية والوقائية ضد فيروس كورونا المستجد عدداً من المحامين للتطوع من أجل الدفاع عن حق الطفلة سندس البالغة من العمر 12عاماً، في التعليم وضرورة إرجاعها لمَدرستها التي لم تعرف غيرها طيلة مسارها الدراسي لمدة 7 سنوات.
وكشف رشيد آيت بلعربي، محامي التلميذة، أن "مناقشة القضية استمرت منذ الثلاثاء، أمام هيئة المحكمة نحو 4 ساعات، دحض خلالها المحامون الدفوعات التي ساقتها المؤسسة التعليمية لتبرير منع سندس من استئناف دراستها إذا لم تقم بخلع حجابها".
وأوضح آيت بلعربي في حديثه لـ"عربي بوست"، أن "مداخلات دفاع التلميذة ركزت على عدم دستورية وعدم قانونية النظام الداخلي الذي استندت إليه المؤسسة لتبرير قرارها، مؤكدين أن الدستور أسمى قانون في البلد ويجب على الجميع الامتثال له".
وأشار بلعربي إلى أن "الدستور المغربي يمنع التمييز على أساس ديني أو جنسي أو عرقي"، معتبراً أن "ما حدث لهذه الطفلة غير قانوني وغير أخلاقي، إذ إن الأطفال يجب أن يبقوا بعيدين عن كل تجاذبات سياسية أو دينية".
واعتبر بلعربي أن "قرار المحكمة انتصر لحق الطفلة في التعليم دون قيد أو شرط، إلا إذا كان هناك تهديد للأمن العام والصحة العامة"، مضيفاً أن "وظيفة المؤسسات التعليمية هي التربية والتكوين وليس فرض لباس أو زي معين".
تعليل المحكمة
اعتبرت المحكمة في قرارها، الذي يتوفر "عربي بوست" على نسخة منه، أن النظام الداخلي للمؤسسة الذي يمنع التلميذات من تغطية الرأس يتعارض مع الدستور والقوانين المغربية، التي لا مجال للانتقاص أو الحد منها.
وأضافت المحكمة: "إذا كانت غاية أي مؤسسة تعليمية هي تربية تلاميذها على السلوك القويم وحسن تعليمهم وتطوير مهاراتهم وتثبيت هويتهم الوطنية، فإن هذه الغايات لن تتأثر بوضع التلميذة سندس لغطاء على رأسها".
وجاء في الحكم، أن "غطاء الرأس الذي ترتديه التلميذة سندس لا يشكل أي إخلال بالسلوك الحميد الذي ينبغي أن يتحلى به أي تلميذ داخل المدرسة، من خلال ارتداء لباس محتشم يليق بوضعيته كتلميذ داخل مؤسسة تربوية، ولا يعيق من جهة ثانيةٍ سير العمل العادي للمَدرسة وأداء مهامها على أكمل وجه".
واعتبرت المحكمة أن "الغطاء الذي ترتديه التلميذة سندس جاء بالشكل المقبول مجتمعياً، ولا يتضمن أي مساس بالنظام العام والأخلاق الحميدة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية"، مبرزةً أن "قرار المؤسسة التعليمية يناقض الفصل الـ31 من الدستور المغربي، الذي يضمن الحق في تعليم عصري ميسَّر الولوج وذي جودة".
انتصار طفلة
لم تخفِ بشرى، أم التلميذة سندس، فرحتها العارمة في اتصال مع "عربي بوست"، معتبرةً أن القضاء أنصف ابنتها.
مشاعر الفرح كانت بادية على صوت الأم بشرى وهي تردد: "الحمد لله، إن تنصروا الله فلا غالب لكم، ما حدث، نصرٌ من الله"، مشيرة إلى أن "قضية ابنتها حظيت بدعم واسع من المحامين، الذين رفضوا تلقي أي تعويض مقابل مرافعاتهم".
وأضافت: "كانت المحاكمة جلسة تعليمية بالنسبة لي، إذ لأول مرة أعرف أن هناك قوانين لها علاقة بحقوق الطفل، وأن المغرب صدَّق على اتفاقيات دولية لحماية حقوق الطفل من التمييز وضمان حقه في التمدرس".
وتابعت: "كنت أريد نقل ابنتي لمدرسة أخرى، بعدما تم منعها من دخول قسمها بسبب ارتداء الحجاب، لكنها رفضت رفضاً مطلقاً تغيير مَدرستها؛ مما دفعني إلى التوجه للقضاء، الذي أنصفني".
سيادة القانون
صدور الحكم القضائي، اليوم، لصالح التلميذة سندس خلَّف ردود فعل إيجابية في صفوف عدد من المتابعين والمهتمين المغاربة، خاصةً أنه يأتي في ظل الهجمة التي تقودها فرنسا ضد الحجاب والمسلمين بفرنسا.
في هذا الصدد، اعتبر فؤاد بوعلي، حقوقي ومناهض لفرنسة التعليم، ورئيس الائتلاف المغربي من أجل اللغة العربية، أن "هذا الحكم القضائي دليل على سيادة الدولة وسيادة الجهاز القضائي، واحترامه لمقتضيات الدستور التي تؤكد أن المدارس التعليمية- كيفما كان نوعها- خاضعة لسيادة الدولة وليست محميات أجنبية داخل الوطن".
وأضاف: "هذا الحكم القضائي، الذي نرجو تنفيذه فوراً، انتصار للهوية الوطنية وللسيادة المغربية وللقضاء المغربي المستقل".
سندس التي أنصفها القضاء، ليست الأولى التي تتعرض للتمييز داخل فضاء عمومي بسبب ارتدائها للحجاب، فمن حين لآخر تشتكي بعض النساء من التضييق عليهن بسبب ارتداء الحجاب في بعض المؤسسات، خاصةً في القطاع الخاص.
وسبق أن منع مسؤولو بعض الفنادق والإقامات السياحية بعض النساء من السباحة بلباس البوركيني، كما سبق أن أصدرت شركة الخطوط الجوية الملكية قراراً يمنع مضيفات الطيران من ارتداء الحجاب؛ وهو ما تسبَّب في جدل واسع داخل البرلمان المغربي حينما كان حزب العدالة والتنمية الإسلامي يقود المعارضة.
وبحسب المحامي رشيد آيت بلعربي، فإن هذه هي المرة الثانية التي يرافع فيها في قضية لها علاقة بالحجاب، إذ سبق أن طردت المؤسسة التعليمية نفسها مُدرسة بسبب ارتدائها الحجاب قبل أن يحكم القضاء لصالحها، وتتخلى المؤسسة بعد ذلك عن منع العاملات فيها من ارتدائه، وهو ما أكدته لنا أم التلميذة سندس في حديثها مع "عربي بوست"، إذ استغربت سماح المؤسسة للعاملات فيها بارتداء الحجاب مقابل منع ابنتها.
من جهته، اعتبر فؤاد بوعلي أن هذا الحكم إشارة إلى فتح الباب أمام كل المتضررين من بعض المؤسسات الأجنبية التي تعتبر نفسها خارج القانون وفوق سلطته سواء من حيث التدابير التنظيمية أو المقررات الدراسية، من أجل اللجوء إلى القضاء لإنصافهم والدفاع عن المكتسبات الوطنية والهوية المغربية ضد كل أشكال محاولات التغريب والفرنسة، مشدداً على أن القضاء المغربي يؤكد مرة أخرى، أنه مستقل ومستعد لإنصاف كل من يتوجه إليه.