ساهم فوز الرئيس الأمريكي المنتخب الديمقراطي، جو بايدن، في إعادة خلط الأوراق السياسية في إيران، وإعادة طرح احتمال عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي لـ2015، والذي انسحب منه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في مايو/أيار 2018.
ويُعد الاتفاق النووي الذي أطلق عليه رسمياً "خطة العمل الشاملة المشتركة" اتفاقاً تم بين إيران والدول الست (الصين، روسيا، أمريكا، فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا) وذلك في مدينة لوزان السويسرية لتسوية البرنامج النووي الإيراني وإلغاء جميع العقوبات على إيران بشكل كلي.
اليوم، وبعد فوز المرشح الديمقراطي بالانتخابات الرئاسية، وجدت إيران نفسها أمام مقترح شفوي أمريكي يشترط عليها "الامتثال الصارم" لبنود الاتفاق المبرم سابقاً مقابل عودة انضمام أمريكا إلى الاتفاق النووي، وإلغاء العقوبات المفروضة، فهل تستجيب إيران؟
لقاءات ماراثونية
وضع القادة السياسيون في إيران، بمختلف توجهاتهم احتمالات حالة فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والذي كان احتمالاً أصبح واقعاً اليوم بعد فوز بايدن، الأمر الذي دفع السياسيين في إيران إلى عقد اجتماعات ماراثونية وعاجلة لبحث سبل التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وفي الأيام القليلة الماضية، عقد قادة الحرس الثوري الإيراني عدة اجتماعات، خاصة مع مرشحي الحرس المحتملين للانتخابات الرئاسية لعام 2021، لوضع خطة للتعامل مع الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الذي أبدى استعداده لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الإيراني.
ومن ضمن أبرز القادة العسكريين، المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، الجنرال حسين دهقان، القائد السابق فى الحرس الثوري، ووزير الدفاع الحالي فى إدارة حسن روحاني، العميد أمير حاتمي.
وكشف مصدر مقرب من الجنرال دهقان، لـ"عربي بوست" أن "الجنرال دهقان حضر عشرات الاجتماعات في الآونة الأخيرة، الرسمي منها وغير الرسمي، لمناقشة كيفية التعامل مع الرئيس الجديد للولايات المتحدة، فهناك العديد من الخطط التي تخص الاتفاق النووي، يجب مناقشتها مع المرشحين المحتملين للرئاسة".
وبحسب المصدر ذاته فإن "قادة الحرس الثوري الإيراني، كانوا ينتظرون إعادة انتخاب الرئيس الجمهوري دونالد ترامب، أكثر من استعدادهم لفوز بايدن"، قائلاً: "أربع سنوات كانت كفيلة لمعرفة ترامب جيداً، ومعرفة مدى حماقاته، وكنا نتوقع عند فوزه إبرام صفقة جديدة بشروط جيدة، لأن الرجل لا يريد التورط أكثر في المنطقة".
فوز بايدن قلب التوقعات، وأصبح أمام قادة إيران سيناريو جديد للتعامل مع المرشح الديمقراطي الراغب فى المحافظة على إرث زميله في الحزب، الرئيس السابق باراك أوباما، والمنفتح على إحياء الدبلوماسية مع طهران.
يقول علي بهشتي، أستاذ العلاقات الدولية المقيم بطهران في تصريح لـ"عربي بوست" إن "المتشددين كانوا يفضلون فوز ترامب، لأنه سيعزز موقفهم في الانتخابات الرئاسية القادمة، كما أن وجود رئيس يميني في الولايات المتحدة، يضمن لهم الفوز الكبير في الانتخابات داخل إيران".
شروط جديدة
وأمام تباين المواقف في إيران، خرج الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، قبل أسابيع من توليه قيادة الولايات المتحدة بشكل رسمي، ليُعلن عن موقفه من الملف النووي الإيراني وشروطه للعودة إلى الاتفاق الموقع في لوزان السويسرية.
ونشر جو بايدن مقالاً له على شبكة "سى إن إن"، أعلن من خلاله أنه "إذا أعلنت إيران عودتها للامتثال الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، ستعود الولايات المتحدة بدورها إلى الصفقة النووية، كنقطة لانطلاق مفاوضات المتابعة".
من جهتها رحبت إدارة الرئيس حسن روحاني، بشكل غير مباشر، بتصريحات بايدن، والتي وصفها وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف بأنها "تصريحات واعدة".
لكن الامتثال الكامل من جهة إيران، يتطلب التراجع عن الخطوات الخمس التي كانت قد اتخذتها للرد على حملة الضغط الأقصى التي انتهجتها إدارة ترامب ضدها، والتي نتج عنها زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم بما يتجاوز الحد الأقصى المسموح به فى بنود خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى جانب تركيب وتطوير أجهزة طرد مركزي متطورة في منشأة "نطنز" النووية الايرانية.
وفي آخر اجتماع لقادة الحرس الثوري الإيراني، توصل القادة إلى اتفاق بشأن هذا الأمر، يقول مصدر أمني مطلع على تفاصيل الاجتماع لـ"عربي بوست"، إن "العودة إلى الصفقة الأصلية أمر ليس بالسهل القيام به، وذلك بعد أربع سنوات من محاولات تدميرها من جانب ترامب، لأننا أنفقنا الكثير من الجهد والمال من أجل تطوير أجهزة الطرد المركزي، ولن نتنازل عن هذا الحق".
وبحسب المصدر الأمني، فإن "القادة العسكريين وكبار السياسيين من التيار الأصولي، رافضون لفكرة امتثال إيران الكامل لبنود خطة العمل الشاملة المشتركة، كشرط لعودة الولايات المتحدة إلى الصفقة النووية".
من جهته يقول مصدر مقرب من مكتب الجنرال علي شمخاني، القائد السابق في الحرس الثوري، والسكرتير الحالي للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني "هناك حل وسط، ألا وهو التجميد مقابل التجميد".
وأضاف المصدر ذاته، والذي طرح اسمه كثير فى الاونة الأخيرة كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2021 في حديثه لـ"عربي بوست" "على إيران أن تلجأ إلى تجميد أنشطتها النووية التي اتخذتها بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، لكن دون الاستغناء عن أجهزة الطرد المركزي، مقابل رفع بايدن لجميع العقوبات النووية والعودة إلى الصفقة".
لا مزيد للمساومة
وأمام مقترحات الإدارة الأمريكية الجديدة، تعرض الرئيس الإيراني حسن روحاني، في الآونة الأخيرة، إلى النقد من قبل معارضيه من التيار المحافظ المتشدد، بسبب رغبته العلانية في العودة إلى الامتثال الكامل لبنود الصفقة النووية، وبدء المفاوضات مع الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.
وكشفت مصادر إيرانية حكومية لـ"عربي بوست"، أن فكرة مقترح "التجميد مقابل التجميد جاءت بعلم من الرئيس حسن روحاني، الذي يريد أن ينهي فترة ولايته الثانية، بقليل من الإنجاز في ملف الاتفاق النووي".
محمود رائفي بور، عضو البرلمان الإيراني، والسياسي الأصولي، يقول لـ"عربي بوست" إنه "لا يجب أن نثق مرة أخرى في أمريكا، في الماضي لم نثق في الرئيس باراك أوباما، ولكن روحاني ووزير خارجيته، أوهمانا بالعكس، فجاء ترامب ودمر كل شيء، لذلك لن نضع ثقتنا في بايدن، ونعود إلى الخلف عشرات الخطوات فيما يخص البرنامج النووي للبلاد".
وأضاف المتحدث أن "المساومة الأمريكية على البرنامج النووي لإيران، يجب أن تتوقف الآن، ويجب أن تكون تلك المسألة واضحة وثابتة لدى الرئيس الإيراني الجديد".
"بايدن مثل أوباما، والتفاوض مع الديمقراطيين أصعب من الجمهوريين، وفى كلتا الحالتين، لا مكان للثقة في الحزبيين"، هكذا استهل سياسي أصولي بارز ومقرب من الزعيم الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، حديثه مع "عربي بوست".
واعتبر المتحدث أن التفاوض مع ترامب كان أسهل من التفاوض مع بايدن، قائلاً: "الجمهوريون كل ما يشغل تفكيرهم هو الخروج من المنطقة وعدم الانجرار إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط، أما الديمقراطيون أمثال بايدن وأوباما، فيفضلون التدخل في السياسات الداخلية للبلدان، وهذا أمر مرفوض بالنسبة للقيادة الإيرانية".
وأضاف المتحدث أن "هذا لا يعني نهاية الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فالقائد الأعلى آية الله علي خامنئي أعطى الإشارة لاستكمال المفاوضات بشروط محددة مسبقاً، وقد سهل روحاني المهمة أمام الرئيس القادم لإيران".
وكان قد أشار آية الله علي خامنئي، في خطاب في عام 2019، والآخر قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية بأسابيع، إلى أن "سياسة إيران واضحة تجاه الولايات المتحدة، وإذا عادت واشنطن إلى الاتفاق النووي لعام 2015، تعود إيران إلى الصفقة بعد التشاور مع الأطراف الأوروبية الأخرى الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة".
استمرار مسيرة روحاني
وبالتزامن مع تطور الأوضاع السياسية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، سيترك الرئيس الإيراني حسن روحاني، منصبه في أغسطس/آب 2021، بعد أن تنتهي ولايته الثانية، وفي يونيو/حزيران 2021، ستنتخب البلاد رئيساً جديداً، تذهب أغلب التكهنات بأنه سيأتي من قلب الحرس الثوري الايراني، أو التيار الأصولي المتشدد.
وأمام الجدل القائم حول مصير الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران في عهد الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، يرى عدد من المحللين أن الرئيس الإيراني المقبل، لن يقوم بأي تغيير، وسيُكمل مسيرة سلفه حسن روحاني في المفاوضات مع أمريكا.
وفي المقابل فإنقيادات التيار المحافظ المتشدد في إيران ما زالت تُعارض الاتفاق النووي، منذ اليوم الأول للمفاوضات الدبلوماسية بين إدارة حسن روحاني ونظيره الأمريكي باراك أوباما فى عام 2013.
يقول السياسي الإصلاحي الإيراني، عبدالله رمضان زاده، لـ"عربي بوست"، "دفع روحاني ثمناً سياسياً باهظاً من أجل هذا الاتفاق، وكسر المحرمات بالتفاوض مع الولايات المتحدة، وأي رئيس جديد حتى وإن كان متشدداً أو عسكرياً، سيحافظ على هذا النجاح، وسيكمل طريق روحاني، ويحظى بالشعبية التي كان يخشى الأصوليون أن يحصل عليها المعتدل حسن روحاني".