كشفت صحيفة The Times البريطانية، الخميس 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أن أولياء الأمور المسلمين في فرنسا الذين يختارون تعليم أطفالهم منزلياً، قد يعرِّضون أنفسهم للسجن مدةً تصل إلى 6 أشهر بموجب تشريع جديد يهدف إلى مواجهة التطرف الإسلاموي في فرنسا.
الصحيفة أوضحت أن مشروع القانون، الذي أُزيح الستار عنه الأربعاء 18 نوفمبر/تشرين الثاني، يُجرِّم تعليم الأطفال بالمنزل؛ في محاولة لحمايتهم من الوقوع تحت تأثير الراديكالية الدينية. ويزيد عدد الأطفال الذين يتلقون تعليمهم منزلياً في فرنسا على 50 ألف طفل حالياً.
"حملة قمع" واسعة النطاق: تأتي هذه الخطوة ضمن حملة قمع واسعة النطاق مُصمَّمة لضمان هيمنة القيم العلمانية الفرنسية على ما يجادل الرئيس إيمانويل ماكرون بأنها محاولات من الإسلامويين لفرض معتقداتهم المتشددة في أجزاء كبيرة من الدولة.
تشمل الإجراءات الأخرى طرقاً جديدة لضمان قدرة المدارس على مقاومة المطالب المتطرفة بتخفيف لهجة دروس التربية الدينية أو الجنسية، وتمكين المجالس المحلية من رفض السماح بأوقات سباحة منفصلة لكل من الرجال والنساء، وقمع خطاب الكراهية عبر الإنترنت مع التهديد بالملاحقة القضائية، وإجبار المساجد على الالتزام بالشفافية بشأن تمويلها الخارجي.
اتُّخِذ القرار بتجريم تعليم الأطفال في المنازل، بعدما قال وزراء فرنسيون إنَّ العائلات المسلمة ترفض السماح للأطفال بالالتحاق بالمدرسة.
إذ قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، إنَّ الفتيات تحديداً يُبقين في المنازل. وأضاف الوزير: "في بعض المناطق، هناك أولاد بالمدارس أكثر من الفتيات، في حين أننا نعلم إحصائياً أنَّ عدد المواليد الفتيات أكثر. هذه فضيحة".
قيود على المسلمين في فرنسا: بموجب هذا القانون، لن يُسمَح بالتعليم في المنزل إلا إذا كان الذهاب إلى المدرسة "مستحيلاً لأسباب تتعلق بوضع (الطفل) أو وضع الأسرة". وسيواجه الآباء الذين يخالفون القانون عقوبة قصوى بالسجن 6 أشهر وغرامةً قدرها 7500 يورو. ولتطبيق الحظر، سيُمنَح كل طفل في فرنسا رقم تعريف.
فقد قالت الحكومة الفرنسية، إنَّ المدارس الدينية، وضمنها الكاثوليكية والمسلمة، ما زالت مرخصة لكنها ستخضع لرقابةٍ أكثر صرامة. وسيُعرِّض مديرو المؤسسات الدينية التي لا تحترم القيم الفرنسية أنفسهم لعقوبة قصوى، مدتها عام واحد بموجب القانون الجديد.
كما يُعتبَر مشروع القانون هذا محورياً لآمال ماكرون بإعادة انتخابه رئيساً في 2022، لكنه أشعل التوترات مع دولٍ مسلمة، تقول إنَّ المسلمين ضحايا اضطهاد وتمييز في فرنسا، وهو ما ينكره ماكرون غاضباً.
القضاء على "الإسلام السياسي": قال دارمانان، إنَّ الحرب على الإرهاب تعني القضاء على "الإسلام السياسي"، الذي قال إنه أرض خصبة للعنف. وسلَّط الضوء على مقاطع الفيديو التي نشرها على الإنترنت آباء التلاميذ المسلمين في مدرسة المدرس صامويل باتي وندَّدوا فيها بعرضه الرسوم الساخرة. وستُجرَّم مثل هذه الفيديوهات، التي يُعتقَد أنها ألهمت القاتل، من خلال استحداث جريمة تعريض أرواح للخطر ببث معلومات شخصية عنها.
أضاف الوزير أنَّ القانون سيستحدث أيضاً جريمة "ترهيب وكلاء الدولة" لأسباب دينية. وستشمل هذه الجريمة أيضاً الآباء الذين يضغطون على المدرسين لتجنب الإشارة إلى الرسوم المسيئة التي استخدمها المدرس صامويل باتي.
كما أشار الوزير إلى أنَّ رؤساء المناطق الإدارية الفرنسية، وهم ممثلو وزارة الداخلية، سيُمنَحون أيضاً سلطة منع الإعانات المُقدَّمة للجمعيات التي لا تلتزم بالقوانين والقيم الفرنسية، مستشهداً على سبيل المثال بنادٍ للجوجيتسو طلب من أعضائه الصلاة قبل الدورات التدريبية وفصل الرجال والنساء.
منع تخصيص أوقات سباحة خاصة بالنساء: سيكون بإمكان رؤساء المناطق أيضاً منع المجالس البلدية من تخصيص أوقات سباحة للنساء منفصلة عن الرجال أو الانصياع لمطالب الإسلامويين بسحب كتب المؤلفين اليهود أو المثليين من المكتبات. ويجب كذلك الإعلان عن التبرعات التي تزيد على 10000 جنيه إسترليني للمساجد.
يعلَم ماكرون أنَّ فرص انتخابه لولاية أخرى في 2022 تعتمد جزئياً على قدرته على إقناع المصوتين بأنَّ بإمكانه التصدي للإسلامويين.
كما يدرك أنَّ أي قصور في هذه المسألة سيكون محل استغلال من المنافسين، مثل مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف.
مع ذلك، لا تخلو هذه التحركات من المخاطر: أولها أنَّ ماكرون سيقدم الذخيرة لمنتقديه المسلمين، لا سيما الرئيس التركي أردوغان، الذي اتهمه بمعاملة المسلمين كما عومل اليهود في الثلاثينيات. وتردد صدى اتهامات أردوغان في العالم الإسلامي، حيث اندلعت احتجاجات ضد فرنسا.
إذ يتمثل الخطر الثاني في أنَّ ماكرون سيدفع المتطرفين الإسلامويين إلى الاختباء أكثر؛ مما سيجعل من الأصعب تعقُّبهم.