“علَّموني الحرية وحرموني منها”.. تلميذة تُقاضي مدرسة فرنسية في المغرب بعد منعها من ارتداء الحجاب

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/17 الساعة 12:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/25 الساعة 16:52 بتوقيت غرينتش
التلميذة سندس (خاص)

تحتضن المحكمة الابتدائية بمدينة القنيطرة في المغرب، صباح اليوم الثلاثاء 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، واحدة من القضايا الأكثر جدلاً في الآونة الأخيرة، طرف النزاع فيها طفلة تُواجه إدارة مؤسسة تعليمية للبعثة الفرنسية في المملكة.

واندلعت القضية في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما رفضت مدرسة  "دون بوسكو" السماح للطفلة سندس، البالغة من العمر 12 سنة، الدخول إلى قسمها بسبب ارتداء الحجاب، الأمر الذي بررته الإدارة بـ"مخالفته للقانون الداخلي للمدرسة".

تُعتبر مدارس البعثات الفرنسية في المغرب مدارس النخبة، تلتجئ لها الأسر لضمان جودة التعليم لأبنائها، هذه المدارس لا تتحكم فيها وزارة التعليم المغربية، لأنها أنشئت باتفاقية ثنائية بين فرنسا والمغرب، لكنها تخضع للقانون المغربي وتنضبط لبنود الدستور.

أصل الحكاية

لم يكن يخطر ببال الأم بُشرى القاطنة بمدينة القنيطرة أن يتسبب ارتداء ابنتها للحجاب في حرمانها من متابعة دراستها بمدرسة تابعة للبعثة الفرنسية بحجة مخالفتها للنظام الداخلي للمؤسسة التي قضت فيها أزيد من ست سنوات.

اختارت بشرى تدريس ابنتها في مؤسسة "دون بوسكو" نسبة إلى القسيس الإيطالي يوحنا بوسكو، التابعة للبعثة، نظراً لما يحظى به أساتذتها وأطرها من سمعة طيبة، فوجدت نفسها في مواجهة قانونية وقضائية مفتوحة مع المؤسسة لا تدري متى ستنتهي، ومتى ستعود ابنتها بحجابها إلى الدراسة.

تقول بشرى، أم التلميذة الموقوفة عن الدراسة، في حديث مع "عربي  بوست": "إن ابنتها قررت منذ أيام ارتداء الحجاب بمحض إرادتها، ولم يلزمها أحد بذلك، بل إن عائلتها نصحتها منذ سنتين بعدم ارتدائه إلى حين بلوغها بسبب صغر سنها، لكنها هذه المرة أصرت على ذلك، ولم نعارضها".

وتضيف المتحدثة: "توجهت ابنتي في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 كعادتها إلى مدرستها، لكن إدارة المؤسسة منعتها من دخول الفصل بحجة ارتدائها الحجاب الذي يُخالف القوانين الداخلية للمؤسسة، وأبقوها في المكتبة لوحدها إلى حين انتهاء وقت الدراسة".

وفي اليوم الموالي، حسب تعبير الأم "توجهت رفقة ابنتي إلى المؤسسة، وقد كانت صدمتي كبيرة حينما علمت لأول مرة أن هناك نظاماً داخلياً للمؤسسة يمنع ارتداء الحجاب، إذ طلب مني مدير المؤسسة إمضاءه وإقناع ابنتي بخلع غطاء الرأس مقابل عودتها للدراسة، إلا أنني رفضت ذلك، إذ لا يمكنني أن أعترض على حرية ابنتي، كما أننا في دولة إسلامية ولسنا في فرنسا، كي يفرضوا عليها إزالة الحجاب".

ورغم محاولات الأم إقناع مسؤولي المؤسسة بالسماح لابنتها بالعودة لمقاعد الدراسة، فإن كل محاولاتها باءت بالفشل، الأمر الذي دفعها إلى الاستعانة بمفوض قضائي، قام بتوثيق عملية منع إدارة المؤسسة للتلميذة من ولوج الفصل، مبررة ذلك بـ"أن النظام الداخلي للمؤسسة يمنع منعاً كلياً ارتداء غطاء الرأس لكل من التلميذ أو التلميذة".

أسرة الطفلة سندس لم تقف مكتوفة الأيدي، بل استعانت بمحامٍ من أجل رفع دعوى قضائية استعجالية أمام المحكمة الابتدائية بمدينة القنيطرة من أجل استصدار حكم بإعادة ابنتها إلى مؤسستها، وهي القضية التي يرتقب أن تصدر بشأنها المحكمة قراراً في ظرف لا يتعدى 15 يوماً، بحسب المحامي رشيد آيت بلعربي الذي ينوب في هذه القضية بطلب من أسرة التلميذة.

تمييز أم تطبيق للقانون؟

تعتبرُ بشرى أن ما لحق ابنتها يعتبر تمييزاً وضرباً لحقها في التعليم، واعتداء على طفولتها، فضلاً عن كونه يمثل تناقضاً مع شعارات الحرية التي يلقنونها للتلاميذ في المدرسة، مؤكدة أن "ابنتها لا علاقة لها بأي جمعية أو حركة إسلامية، بل مجرد تلميذة مجتهدة ومهذبة بشهادة جميع أساتذتها، واختارت أن ترتدي الحجاب عن طيب خاطر".

وخلال حديثها مع "عربي بوست" سألت الأم طفلتها: ما هي المقولة التي كان يرددها الأساتذة على مسامعكم في المؤسسة؟ فكان الجواب: "تمتعوا بحريتكم ما لم تمسوا حرية الآخرين… لكنهم لم يسمحوا لي أن أكون حرة، كما علموني".

كلام الأم، يزكيه المحامي رشيد آيت بلعربي، الذي اعتبر أن قرار المؤسسة التعليمية يُشكل اعتداءً ضد حق هذه الطفلة في التعليم، وأيضاً على حقها في اختيار اللباس، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بحرية شخصية يضمنها الدستور ومجموعة من المواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة المغربية، كاتفاقية حقوق الطفل التي تمنع التمييز ضد الأطفال.

بلعربي اعتبر في حديث مع "عربي بوست" أن "النظام الداخلي للمؤسسة الذي تتحجج به إدارتها مخالف للدستور المغربي والقوانين المغربية، مما يستدعي تعديله بدل حرمان طفلة من إتمام دراستها، مع ما يترتب عن ذلك من آثار سلبية على نفسيتها".

من جهته، كشف عبدالإله الكريبص، مفتش التعليم الثانوي التأهيلي، وأحد الأطر الذين اشتغلوا على موضوع الزي المدرسي في المغرب، أنه لا يوجد أي قانون أو مرسوم تنظيمي في المغرب يحدد نوع اللباس الذي يجب على التلاميذ ارتداؤه داخل المؤسسات التعليمية.

ويشير الكريبص، في حديثه مع "عربي بوست" إلى أن "المذكرة الوزارية التي تستأنس بها المؤسسات التعليمية في موضوع اللباس تعود إلى سنة 1983 وتنص على التقيد بارتداء ملابس لا تتنافى مع الحشمة والوقار، أو تخرج عما هو معتاد من الألبسة فقط دون الإشارة إلى نوعية منع الحجاب أو إيجازه".

ويضيف المتحدث أن "قضية اللباس هي قضية اجتماعية بالأساس، وعلى المدرسة أن تراعي الوسط الذي تتواجد فيه التلميذة، إذ لا يمكن حرمانها من ارتداء الحجاب سواء اختارت ذلك لأسباب اجتماعية أو دينية، فذلك حقها".

هجوم على القيم

تزامن حرمان الطفلة سندس من متابعة دراستها في مدرسة تابعة للبعثة الفرنسية، تزامن مع الحملة التي تشنها فرنسا ضد الإسلام ورموزه فوق أراضيها، ما يثير مخاوف المتتبعين من أن تكون هذه الواقعة مقدمة لفرض قيم مخالفة لتقاليد المجتمع المغربي في المدارس الخاصة والبعثات الأجنبية.

ويرى فؤاد بوعلي، حقوقي، وأحد مناهضي فرنسة التعليم بالمغرب، أن "حادث الطفلة سندس يندرج ضمن مسار تخطه النخبة الفرنسية في عقر دارها وفي مستعمراتها السابقة ألا وهو الإجهاز على منظومة القيم التي شكلت على الدوام سداً منيعاً أمام سيادتها الثقافية والدينية والاجتماعية".

وأضاف الحقوقي في حديثه مع "عربي بوست" أن "القضية أعمق من "غطاء للرأس" أو لباس يُسدل، بل الأمر يتعلق بثقافة إقصائية لفرض أحادية التفكير والمعتقد وإقحام كل الأفراد داخل منظومة نخبوية وصراعية".

ويرى بوعلي أن الأمر "لا يتعلق بمنهج علماني كما تحاول الآلة الدعائية الفرنسية تسويقه، لأن العلمانية في الغرب لها تمثلات متعددة تختلف بين الأنظمة، لكن ما تنتهجه باريس حرب حقيقية على كل المنظومات المختلفة".

واعتبر بوعلي أن "هذا الحادث يُسائل الدولة المغربية التي عليها التدخل لفرض النظام والقانون المغربيين حتى لا تتحول المؤسسات الفرنسية إلى محميات خاصة لا تخضع  لرقابة الحكومة أو المؤسسات الوطنية"، مشدداً على أن "هذا الحادث ليس معزولاً، بل هو مسار طبيعي في سياق الحرب على منظومة القيم الأصلية لشعوب المستعمرات السابقة".

 ويرى بوعلي أن التأثير على الطفلة القاصر يتجاوز الجانب الاجتماعي إلى الجانب النفسي من خلال العنف الممارس على نفسيتها السوية، ويؤثر على مستقبلها الدراسي وقدرتها على الاندماج في المجتمع، مضيفاً أن "أصحاب المؤسسة من خلال ممارستهم يؤكدون أنهم أبعد ما يكونون عن التربية وأصولها بل يرغبون في فرض نموذجهم الفكري على الأطفال ليس بالتكوين والتوعية بل بالعنف والإجبار".

من جهتها، تعتبر حليمة شويكة، عضو المكتب الوطني لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أنه ليس من حق المؤسسات التعليمية التدخل في لباس التلاميذ انطلاقاً من رفض خلفياتهم الدينية، مضيفة أن "المدرسة هي التي يجب أن تغرس وتنمي احترام الاختلاف والتعدد".

سندس ليست الأولى

قصة سندس ليست الأولى التي تتعرض للتمييز داخل فضاء عمومي بسبب ارتدائها للحجاب، ففي المغرب يوجد تضييق كبير على النساء المحجبات وعدم احترام حرية اللباس، الأمر الذي يُرجعه البعض إلى تفشي الثقافة الفرنسية التي مازالت تحتل المغرب رغم إعلان الاستقلال منذ أكثر من 60 سنة. 

وسبق لمسؤولي بعض الفنادق والإقامات السياحية أن منعوا بعض النساء من السباحة بلباس البوركيني، كما سبق لشركة الخطوط الجوية الملكية أن أصدرت قراراً يمنع مضيفات الطيران من ارتداء الحجاب، وهو ما تسبَّب في جدل واسع داخل البرلمان المغربي حينما كان حزب العدالة والتنمية الإسلامي يقود المعارضة.

بحسب المحامي رشيد آيت بلعربي، فإن المؤسسة المعنية لها ماضٍ سيئ في التدخل في حرية اللباس، إذ سبق لها أن طردت أستاذة من العمل بسبب ارتدائها للحجاب، قبل أن يحكم القضاء بالتعويض لصالحها، مؤكداً أن "هذه الممارسات تتنافى مع منظومة الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور المغربي والمواثيق الدولية".

تحميل المزيد