خمسة أيام بعد انتهاء الانتخابات النيابية، وجد الأردن نفسه أمام مجلس نيابي وصفه المراقبون للوضع السياسي في المملكة بـ"الضعيف". ففي الانتخابات سُجلت أقل نسبة مشاركة لم تتجاوز 30% وهي الأدنى في تاريخ المملكة، كما أنها عرفت إلغاء أسماء برلمانية عتيقة وتعويضها بوجوه جديدة.
ومن بين الأسباب التي أُرجعت لها نتيجة الانتخابات الأردنية الأخيرة، عزوف الناس عن التصويت، وخيبة التوقعات بفوز دونالد ترامب بولاية رئاسية جديدة وصعود إدارة أمريكية جديدة برئاسة الديمقراطي جو بايدن، الأمر الذي سيغير الخريطة السياسية بالشرق الأوسط.
توقع الأردن فوز ترامب، فأصر على انتخابات نيابية في وقتها، وراهن على مجلس يضم أعضاء من "شرق الأردن" يتماشى مع التحديات المقبلة منها تمرير صفقة القرن، الأمر الذي أدى إلى صعود ما يقارب 100 شخصية جديدة إلى المجلس الجديد.
مجلس نواب ضعيف
تعمدت المملكة الأردنية إخراج مجلس نواب "ضعيف" يتماشى مع طبيعة المرحلة القادمة التي تتزامن مع تنفيذ صفقة القرن، ويتماهى أيضاً مع متطلبات الظروف الاقتصادية والسياسية والصحية التي يعيشها الأردن، وهذا ما أكد عليه المستشار السابق في وزارة التنمية الدكتور حسام العبدلات، الذي قال إن "النظام السياسي لا يريد مجلس نواب قوياً، وهذا الأمر الذي تكرر في المجالس السابقة من خلال وجود قوانين انتخابات لا يمكن أن تُفزر نخبة سياسية ووطنية مميزة".
وأضاف المتحدث في تصريح خصّ به "عربي بوست" أن "النظام الأردني تعمد إخراج مجلس النواب بهذا الشكل لطبيعة المرحلة السياسية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة، ولأن الأردن مقبل على تحولات خطيرة جداً تتعلق بهويته الوطنية وعلاقته مع القضية الفلسطينية".
واعتبر المتحدث أن "النظام السياسي في الأردن يحرص على أن يكون رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وكافة السلطات والمؤسسات السيادية من "شرق الأردنيين" ومن أسماء العشائر المعروفة، وذلك حتى تتوزّع مسؤولية القضية الفلسطينية ومذبحة الهوية الأردنية القادمة على عشائر وقبائل الأردن".
وخلص المتحدث إلى أن "وجود مجلس بهذا الشكل هو مؤامرة على إرادة الشعب الأردني وعلى القضية الفلسطينية، وعلى الهوية العربية والإسلامية؛ لأنّ هكذا مجلس فاقد للشرعية والخبرة، وسيمرر أخطر القرارات التي مرت في المنطقة على مدار تاريخها".
صعود بايدن
اعتبر عدد من المحللين السياسيين في الأردن أن المجلس النيابي الجديد سيوقع الملك عبدالله الثاني في ورطة، بسبب صعود إدارة أمريكية جديدة، والتي لن تتناسب مع النواب المنتخبين، الأمر الذي يُهدد استكمال المجلس النيابي الحالي لدورته لأنّ الحكومة والدولة لن تكون قادرة على معالجة الكثير من الملفات الخارجية ومنها القدرة على التعامل مع أمريكا، على الرغم أن الديمقراطيين هم الأقوى علاقة مع النظام الأردني.
وأوضح أمين السر العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقاً، رامي عياصرة، في حديث مع "عربي بوست" أنه كان هنا احتمال كبير لعودة ترامب لولاية ثانية لذلك تمسكت الدولة بإجراء انتخابات نيابية بالتزامن مع نظيرتها الأمريكية، لأن ما جاء به ترامب للمنطقة في قضية صفقة القرن، ودفع الدول العربية باتجاه التطبيع المجاني مع إسرائيل كان له أثر على مكانة الأردن ودوره في القضية الفلسطينية التي تعتبره ملفاً داخلياً أكثر مما هو خارجي".
من جهته يرى المحلل والكاتب السياسي الأردني شلاش الخريشة، في حديثه مع "عربي بوست" أن "انتخاب المجلس النيابي الحالي تزامن مع الانتخابات الأمريكية، والأردن كان يتوقع فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لكن صعود بايدن قلب المشهد السياسي، لذلك كان هناك إصرار كبير من النظام السياسي على عقد الانتخابات في موعدها وعدم الموافقة على تأجيلها، والنتيجة هي انتخاب مجلس نيابي بأعضاء تفتقد إلى الخبرة البرلمانية والسياسية".
ويكشف الخريشة أن نسبة التصويت الحقيقية لم تصل إلى ما هو معلن عليه رسمياً 29.90%، وأن النسبة الحقيقية لم تتجاوز 16%، والنسبتين تُشكلان حرجاً كبيراً للدولة أمام العالم، متوقعاً أن "لا يُكمل المجلس النيابي الجديد مدته الدستورية لأنه يفتقد إلى أعضاء يمتلكون الخبرة السياسية".
ويشير الخريشة إلى أنّ الإنتخابات النيابية الحالية ونتائجها ونسبة المشاركة الضعيفة "ستحسب على الدولة الأردنية وعلى وجه الخصوص مؤسسة القصر التي أصرت بشكل واضح على عقد الانتخابات في موعدها، لكنّها فوجئت فيما بعد بنسبة التصويت".
وعن جدل نسبة التصويت أكد الخريشة أنّ "مشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات النيابية رفعت بشكل كبير النسبة، والنظام السياسي في الأردن أصرّ على إشراكهم في المعركة الانتخابية تجنباً للمقاطعة، ولولاهم لما تجاوزت النسبة 10%، لذلك اضطرت الدولة إلى عقد مفاوضات مع الإسلاميين وقدمت لهم وعد الحصول على نتيجة مرضية في المجلس".
نجاح المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، غير النظرة السياسية في الأردن، إذ إنّ الإدارة الأمريكية الجديدة لن تتعامل مع المنطقة بالطريقة التي كانت تتعامل به سالفتها، وهذا يعني أنّ "صفقة القرن" لن تستمر بحسب رؤية المحلل السياسي الملكاوي ولن يكتب لها النجاح.
واعتبر المستشار السياسي والأمني المقرّب من دوائر القرار الأردنية محمد الملكاوي في تصريحه لـ"عربي بوست" أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة ستأتي بخطط أخرى لكن لن تكون بطريقة ترامب، يعني أن التحديات التي ستواجه المؤسسات السيادية ستكون في المرحلة المقبلة أخفّ، وبالتالي يبقى التحدي الرئيسي أمام الأردن في المرحلة الحالية هي الحكومة الإسرائيلية وقضية ضمّ الأغوار من الطرف الفلسطيني.
ويرى الملكاوي أنّ "التحديات التي ستواجه الأردن وإن وُجدت على أجندة مجلس النواب الأردني إلا أنّها ستكون متابعة من خلال مجلس السياسات الذي يضمّ المؤسسات السيادية الأردنية، والذي سيكون له الدور الأكبر في معالجتها وطرحها، أما دور مجلس النواب سيكون له دور معنوي فقط".
ويختصر الملكاوي دور مجلس النواب المنتخب "في كل ما هو تشريعي ومراقبة أداء الحكومة، لكنّ القضايا الوطنية الكبرى والمفصلية لن يكون له دور فيها، مقابل ذلك يمكن أن يكون هناك دور قوي لمجلس الأعيان في تقديم المشورة وليس صناعة القرارات باعتباره يضمّ نخباً سياسية واجتماعية واقتصادية".
تراجع حزبي
عدم ثقة المواطن الأردني بالاستحقاقات الانتخابية والأسماء السياسية ترجمتها الأرقام الرسمية التي أعلنت عنها الدولة، والتي لم تتجاوز 30%، والأمر الذي أدى إلى صعود "نخبة" اعتبرها المحللون غير قادرة على قيادة المرحلة المقبلة.
وقال المستشار السياسي محمد الملكاوي في حديث خاص لـ"عربي بوست"، إن "هناك تراجعاً للدور الحزبي في مجلس النواب وكذلك لدور المرأة، كما أن تراجع أعضاء مجلس النواب الذين يتمتعون بالثقل والوزن السياسي وصعود وجوه جديدة، يعود لعدم ثقة المواطنين بالأحزاب وغياب الثقافة الحزبية باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي باعتباره حزباً منظّماً مؤسسياً".
واعتبر المتحدث أن الأحزاب السياسية في الأردن "ليست منظمة ولهذه الأسباب كانت نسبة المرشحين الفائزين في انتخابات مجلس النواب المنتمين للأحزاب لا تتعدى 16% من الأعضاء، كما أن 50 حزباً لم تصل إلى المستوى الوطني إذا ما قورنت بحزب جبهة العمل الإسلامي".
وحول مدى قدرة مجلس النواب على مجابهة التحديات والاستحقاقات التي سيواجهها الأردن في المرحلة المقبلة، يرى الملكاوي أنّ "مجلس النواب الأردني من الدورات السابقة لم يعد مؤسسة وطنية تشارك في صناعة القرار الوطني على المستوى المؤسسي، فهنالك مجلس للسياسات في الأردن هو الذي يضع سياسات الأردن الحالية والمستقبلية وكيفية مواجهة الأخطار والتحديات".
ويضيف الملكاوي في حديثه أنه "في مجلس النواب يوجد الكثير من القامات الوطنية الأردنية التي تُحترم على المستوى الفردي ولكن عندما نتحدث عن أداء مجلس النواب الأردني، فالثقة فيه بشكل عام غير قوي سواء كان من خلال الناخبين أو المواطنين أو حتى من خلال المؤسسات السيادية والأجهزة العميقة".
تدخل الدولة
"فشل" الأردن في خلق مجلس نواب جديد بكفاءات تستجيب للمتغيرات الحالية، أرجعه بعض المراقبين إلى تدخل الأجهزة الأمنية وأجهزة الدولة في هندسة قوائم المرشحين، وهندسة نتائج الناجحين، الأمر الذي فاقم الصعوبة أمام قوى سياسية يمكن أن تخوض تجربة الانتخابات النيابية.
واعتبر أمين السر العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقاً، رامي عياصرة، أن "الانتخابات الأردنية جرت بأجواء استثنائية وغير مسبوقة، في غياب أي تواصل مع المجتمع، بالإضافة إلى عدة عوامل أدت إلى العزوف عن التصويت، منها فقدان الثقة بمجلس النواب كمؤسسة دستورية والأداء المحبط الذي قدمته المجالس النيابية السابقة، كما أن المجتمع الأردني بات يتشكك بأنّ يُحدث مجلس النواب، ودون تغافل أي تأثير الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا".
وفيما يتعلق باختيار شخصيات ووجوه جديدة في مجلس النواب الجديد والتي بلغ عددهم 100 نائب، وتأثيراتها على الساحة السياسية في الأردن، يؤكد عياصرة أنّ "الخبرة النيابية السابقة لها دور في أداءات النواب مثلها مثل أي مجال عمل عام، فالمجالس السابقة كان فيها خبرات وشخصيات، وخير مثال المجلس السابق، الذي على رغم من وجود بعض رموز العمل البرلماني استطاعت الحكومة أن تمرر قانون ضريبة الدخل، والموازنات السنوية رغم الجدل، مقابل ذلك عجز المجلس النواب توقيف اتفاقية الغاز مع إسرائيل".
وكشف المتحدث أن "بعض الأسماء البرلمانية الشهيرة تمّ منعها من الترشح ومنهم من لم يحصل على مقعد برلماني، رغم أنها كانت تشكل إضافة نوعية، الأمر الذي سيقلل من قدرة البرلمان الحالي على إقناع الجمهور واسترداد الثقة الضائعة بالمجلس، بالإضافة إلى استمرار غياب أحزاب سياسية أخرى وعلى رأسها التيار اليساري بسبب أنهم طرحوا مجموعة من القوائم لكن لم ينجح منها أحد، ومعنى ذلك أننا أمام مجلس نواب يصفه البعض بأنه "غير تمثيلي".
وأشار المحلل والكاتب السياسي الأردني شلاش الخريشة إلى أن "أجهزة الدولة السيادية والأمنية في تقديراتها للمرحلة المقبلة كانت تظن أنها قادرة على إدارة المشهد السياسي القادم بأقل الخسائر، وهذا ما تُرجم عبر تدخلاتها في نتائج الانتخابات النيابية وإسقاطها للعديد من الرموز المهمة في البرلمان، والسعي إلى استقطاب 100 شخصية جديدة وشابة تفتقد إلى الخبرة والحنكة السياسية".
واعتبر المتحدث أن مجلس النواب الحالي لن يكون قادراً على تحقيق ما يتطلبه حضور بايدن إلى البيت الأبيض، فالديمقراطيون دائماً ما يطرحون على الأنظمة السياسية العربية أهمية إحداث إصلاحات ديمقراطية محددة وبدرجات متفاوتة تعمل على تحسين صورة أمريكا باعتبارها هي التي تحمل الحرية وتنشر الديمقراطية في العالم وهذا ما يتبناه الديموقراطيين.
ويؤكد عياصرة أن الطرح الأمريكي القادم على الأردن بصعود الديمقراطيين سيذهب في اتجاه مطالب الديمقراطية والإصلاح وحقوق الإنسان، وبالتالي سينعكس ذلك على البرلمان الأردني الجديد، مشيراً إلى "أنّ هناك عوامل كثيرة يمكن من خلالها أن تؤثر استكمال البرلماني مدته الكاملة منها ما يتعلق بأداء مجلس النواب".