“سحبتُ الشرطي من وسط الرصاص لإنقاذه”.. الشاب الفلسطيني بطل حادث النمسا يروي تفاصيل يوم الهجوم

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/11 الساعة 15:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/12 الساعة 08:03 بتوقيت غرينتش
تكريم الشاب أسامة من طرف بلدية فيينا

في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 سطع نجم الشاب الفلسطيني أسامة خالد أبوالحسني، الذي أقدم على عملية إنقاذ شرطي نمساوي خلال الهجوم الإرهابي الذي هزَّ العاصمة فيينا، فكرَّمته الشرطة النمساوية بنيشان ذهبي اعترافاً بالعمل البطولي الذي قام به.

العمل الذي قام به الشاب الفلسطيني القادم من مدينة غزة المحاصرة، جعله يتلقى أيضاً اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هذا الأخير الذي وعده بوسام خاص، كما أن بلدية فيينا كرمته مقابل شجاعته التي أظهرها خلال الهجوم الدامي الذي شهدته العاصمة فيينا.

عربي ديني السلام

بملامح عربية ولهجة غزاوية فلسطينية تحدَّث أسامة في لقاء خاص مع "عربي بوست" عن التجربة التي عاشها في يوم لم يكن عادياً في حياة الشاب ال

ذي كان يَهم بمغادرة مقر عمله، فوجد نفسه محاطاً بإرهابي وجَّه الرصاص في كل الاتجاهات، فأسقط قتلى وجرحى بالمكان.

لم يبالِ أسامة بخطر الرصاص المدوي الذي صوب نحوه 10 مرات من قِبَل الإرهابي منفذ الهجوم الأخير بفيينا، وسارع بالتدخل لإسعاف الشرطي المصاب بطلق ناري كاد أن يودي بحياته. 

يبلغ أسامة أبوالحسني من العمر 23 سنة، ووصل إلى النمسا قبل 8 سنوات قادماً من غزة المحاصرة مع أفراد أسرته للالتحاق بوالده أستاذ اللغة الإنجليزية. يقول أسامة: "هاجرت الأسرة بسبب أوضاع الحرب والاعتداءات التي لا تنتهي بفلسطين، لضمان مستقبل أفضل لكل أفرادها، لكن غرس تعاليم الدين الإسلامي وتذكيرهم بالجذور الفلسطينية كان أسلوب تربيةٍ انتهجه الوالدان تجاه كل أبنائهما".

الطريق لم تكن معبَّدة أمام أسامة ولا حتى أمام أسرته، إذ واجهته الكثير من العراقيل في بداية وصوله إلى النمسا، لكن سرعان ما تجاوزها بإتقانه اللغة الألمانية أولاً، وهي اللغة الرسمية في البلاد، ثم الانخراط التام في المجتمع النمساوي، لكن فرص حصوله على عمل كانت تقل بسبب انتمائه العربي.

يقول أسامة، في حديثه مع الموقع: "بعد إنهاء دراستي، تلقيت تكويناً في مجال الكهرباء، وقوبلت أولى محاولات وُلوجي سوق الشغل بالرفض بسبب اسمي العربي وانتمائي العرقي والديني، لكن لم أستسلم واخترت البحث مرة أخرى".

بعدها عمل أسامة في مطعم للوجبات السريعة بمنطقة "شفيدينبلاتس" وسط فيينا، حيث ساهمت جديته وإتقانه لعمله في ترقيته في وقت وجيز ليصبح مساعد مدير المطعم، الذي شاءت الصدف أن يكون بجوار مكان تنفيذ الهجمة الإرهابية التي تدخل فيها أسامة لإنقاذ الشرطي النمساوي.

أسرة أسامة أيضاً سبق أن تعرضت لموقف عنصري تحول إلى قضية رأي عام إعلامياً وسياسياً وحقوقياً في النمسا، إذ مُنعت الأسرة قبل سنة من شراء بيت خاص بقرية مجاورة لفيينا، بسبب رفض عمدة المنطقة السماح للأسر العربية والمسلمة من امتلاك بيت، الأمر الذي دفع رب الأسرة إلى الالتجاء للقضاء وانتزاع حق التملك قانونياً.

وكان النائب النمساوي من أصول عربية، عمر الراوي، قد ذكّر بقصة الأسرة على فيسبوك بعد إعلان مساهمة أسامة في إنقاذ حياة الشرطي خلال الهجوم الإرهابي، مشدداً على أنه نموذج يحتذى به. 

يوم الحادث 

يروي أسامة لـ"عربي بوست" تفاصيل يوم الحادث الذي أودى بحياة 5 أفراد، فالشاب الذي كان يهم بمغادرة مقر عمله فوجئ بصوت الرصاص يُدوّي، وإرهابي يصوب نحوه قبل أن يُقرر الاحتماء بشجرة وسط الساحة.

يقول أسامة إنه لزم مكانه وراء الشجرة قبل وصول الشرطة التي صوب نحوها الإرهابي طلقاً نارياً، فأصيب شرطي في أطرافه السفلى، وظلَّ ينزف، حينها "قررت بدون تردد الخروج من وراء الشجرة لإبعاد الشرطي المصاب عن مكان الحادث وتقديم الإسعافات الأولية".

حاول أسامة وقف النزيف الدموي في رِجل الشرطي، وبعد وصول الإسعاف حمله إلى السيارة، لأن عناصر الإسعاف لم تكن قادرة على دخول مكان الحادث بسبب استمرار إطلاق النار الذي أودى بحياة 4 مدنيين ومنفِّذ الهجوم الذي لقي مصرعه بنيران الشرطة، حسب بيان لوزارة الداخلية النمساوية.

يقول الشاب الفلسطيني أسامة في حديثه لـ"عربي بوست"، إن "المشهد أعاد عليه تذكُّر ما عاشه خلال فترة تواجده في فلسطين، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في تدخله بتلك السرعة، مستحضراً مشاهد الحرب التي راح ضحيتها أُناس أبرياء، وهو نفس سيناريو الاعتداء الإرهابي الذي كان ليودي بحياة الشرطي الذي أوصاني قبل إصابته بالتزام مكان آمن للحفاظ على حياتي".

وعلى الرغم من تعليمات الشرطي التي وجهها لأسامة بالتزام مكانه قبل إصابته بالطلق الناري، تحرّك أسامة من مكانه، وقدم يد العون للشرطي المصاب، يقول أسامة: "منعتني إنسانيتي وضميري من الالتزام بالتعليمات والقيام بمحاولة جريئة لإنقاذ روح بريئة".

العمل البطولي الذي قام به الشاب أسامة دفع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، إلى الاتصال به، وذلك في لقاء خاص خصصته السفارة الفلسطينية بالنمسا على شرف أسامة وأسرته، تقديراً لما قام به من تدخّل لإنقاذ روح الشرطي.

وقال الرئيس الفلسطيني في حديثه مع أسامة: "إنت بترفع الرأس، وتجعلنا نقول للعالم هذا هو الشعب الفلسطيني الذي يقاتل ضد الإرهاب ويحمي الناس، لذلك قررنا منحك وساماً تقديراً لشجاعتك".

كما تلقى الشاب الفلسطيني أسامة أبوالحسني تكريماً من قِبَل الشرطة النمساوية بالعاصمة فيينا، حيث منح النيشان الذهبي تعبيراً له عن الامتنان لعمله البطولي، وقامت بلدية المدينة أيضاً بتكريمه يوم الإثنين 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

يتمنى أسامة في لقائه مع "عربي بوست" أن تغير قصته من نظرة المجتمع الأوروبي تجاه العرب والمسلمين، إذ قال إن "المسلمين القادميين نحو أوروبا ليسوا إرهابيين، نحن نعتبر هذه الدول أوطاناً ثانية لنا، ونتعامل مع أفراد مجتمعها بمنطق السلام والمحبة التي يحثنا عليها ديننا الحنيف، بعيداً عن التفكير في الاختلافات العرقية والدينية، فلنا ديننا ولهم دينهم، وليس بيننا سوى الاحترام المتبادل".

وأضاف المتحدث أن "الإرهاب بعيد كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي السمحة والمسلمين هنا يريدون فقط العيش بسلام"، معتبراً أن "الاستهداف الحاصل للمسلمين ودينهم في أوروبا شيء مؤسف يحز في النفس، وأن القضاء على الأفكار العنصرية يمكن أن يتم بمزيد من العطاء والحب، والابتعاد عن الخطابات التحريضية التي تستهدف حرية الأشخاص في اختيار دينهم".

تحميل المزيد