نشهد في هذا الأسبوع الذكرى العشرين لوصول أول سكان إلى محطة الفضاء الدولية ISS، المسكن الدوار الذي أصبح عامراً بالسكان منذ ذلك الحين.
عشرون عاماً من الحياة في الفضاء جعلت من محطة الفضاء الدولية "المعمل الطبيعي" المثالي لفهم إمكانية وكيفية وجود حياة خارج الأرض.
محطة الفضاء الدولية التي تعاونت 25 وكالة فضاء ومنظمة لإنشائها استقبلت 241 فرداً من الطواقم، والقليل من السياح من 19 دولة، وهذا يشكل 43% من مجموع من سافروا إلى الفضاء من قبل.
بينما تخطط وكالات الفضاء الدولية لبعثات مستقبلية إلى القمر والمريخ، من المهم أن نعرف ما يحتاجه البشر ليحظى الإنسان بتجربة جيدة في البيئات البعيدة الخطيرة المغلقة، حيث يصعب العودة للوطن.
التاريخ المختصر لإطلاق محطة الفضاء الدولية
أول محطة فضاء تخيلية كانت من إبداع الكاتب الأمريكي إدوارد إيفريت هال، في عام 1869، وسمّاها The Brick Moon، أي القمر المبني من الطوب، وكان بداخله 13 غرفة معيشة دائرية.
في عام 1929، وضع مهندس الصواريخ النمساوي هيرمان نوردنغ الأساس النظري لمحطة فضاء على شكل عجلة تدور لتخلق جاذبية "صناعية". ناصر العجلة الدوارة عالِم الصواريخ فيرنر فون براون في خمسينيات القرن العشرين، وعرض هذا في فيلم 2001: A Space Odyssey الكلاسيكي الذي أُنتج في عام 1968.
لكن بدلاً من الدوائر والعجلات كانت محطات الفضاء الحقيقية أسطوانية الشكل.
بعد هذه الأحلام الهندسية الكبيرة، ظهرت أول محطة فضاء في عام 1971، وحملت اسم USSR's Salyut، وبعدها جاءت 6 محطات في برنامج ساليوت الفضائي على مدار العقد التالي.
إذ أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية أولى محطاتها في عام 1973، وسمّتها سكاي لاب، حيث كانت كل هذه الهياكل أسطوانية الشكل.
بينما كانت محطة الاتحاد السوفييتي مير، التي أطلقت في عام 1986، هي المحطة الأولى التي تُبنى بالتصميم الأساسي الذي أضيفت له الوحدات الأخرى التي صنعت في وقت لاحق. استمر وجود مير حول الأرض في الفترة التي أُطلقت فيها النماذج الأولى من محطة الفضاء الدولية في عام 1998.
هبطت مير إلى الأرض في عام 2001، وتفكّكت في أثناء سقوطها في الغلاف الجوي للأرض، وما نجا منها انتهى به الأمر على الأغلب على عمق 5000 متر من مياه المحيط الهادي.
أما محطة الفضاء الدولية الحالية فتتكون من 16 وحدة، 4 وحدات روسية، و9 وحدات أمريكية، ووحدتان يابانيتان، ووحدة أوروبية. وحجمها من الداخل يقارب حجم منزل من 5 غرف نوم، ويعيش به طاقم من 6 أفراد يعملون لمدة 6 أشهر متواصلة.
كيف يعيش الإنسان طافياً دون جاذبية؟
أثبتت رحلة رائد الفضاء السوفييتي يوري غاغارين حول الأرض في عام 1961، أن البشر يمكن ألا يموتوا في الفضاء، في الواقع مسألة العيش في الفضاء هي مسألة أخرى.
محطات الفضاء الحالية لا تدور لخلق الجاذبية، ولا يوجد سطح علوي وسفلي، فإذا تركت شيئاً سيطفو في الهواء، كما تتطلب النشاطات اليومية المعتادة مثل الشرب أو الاستحمام الكثير من التخطيط.
توجد نقاط "جاذبية" في مختلف الأماكن في محطة الفضاء، على هيئة مقابض، أو مواضع قدم، أو أشرطة، أو مشابك، أو مربعات لاصقة لضمان سلامة الأشياء والأشخاص، وفق تقرير شارح لصحيفة The Guardian البريطانية يشرح شكل الحياة في محطة الفضاء الدولية.
للألوان أهمية كبيرة في محطة الفضاء الدولية، ففي الوحدات الروسية مثلاً، الأسطح المواجهة للأرض، أي الأسطح "السفلى" ملونة بالأخضر الزيتوني، بينما الأسطح المعاكسة، أي الأسطح "العليا" ملونة بالبيج، وهذا ليساعد الطاقم على معرفة وضعهم وسط المحيط.
اللون مهم في أشياء أخرى أيضاً، فعلى سبيل المثال كانت سكاي لاب تفتقر بشدة للألوان، لدرجة أن رواد الفضاء كانوا يكسرون أحادية اللون بالتحديق في البطاقات الملونة المستخدمة في إعدادات كاميرات الفيديو الخاصة بهم.
في الأفلام عادة ما نرى محطات الفضاء مرتبة ونظيفة، لكن الحقيقة مختلفة كل الاختلاف.
محطة الفضاء الدولية كريهة الرائحة، وتعج بالضوضاء، وتغرق في خلايا البشر الميتة والفتات، إنها أشبه بمنزل مع شريك سكن مريع، فيما عدا أنه لا يمكنك الرحيل، بل عليك العمل طوال الوقت، حيث لا يحظى أي شخص بنوم جيد في الليل.
لكن هناك بعض المميزات، إذ تقدم لك وحدة القبة مشهداً ربما هو الأفضل للعين البشرية، وهو مشهد بانوراما لكوكب الأرض وهو يمر أسفل منك.
مجتمعات متنوعة في عالم صغير يدور في الفضاء
يستخدم الطاقم كل أنواع الأشياء للتعبير عن هويتهم في هذا العالم الصغير، وهو الوصف الذي ورد عن سكان فضاء في تقرير يعود لعام 1972. وتصبح الحوائط الفضائية غير المستخدمة مثل باب الثلاجة، مغطاة بأشياء لها دلالات شخصية وثقافية.
في وحدة زيفزدا الروسية تجد الرموز الأورثوذوكسية، وصوراً لرجال الفضاء مثل عالم الصواريخ السوفييتي قسطنطين تسيولكوفسكي، وغاغارين، وهو ما يخلق حالة من الشعور بالاتصال بالوطن.
كما يؤدي الطعام دوراً ضخماً في الترابط، طقوس مشاركة الطعام، والاحتفال بالمناسبات وأعياد الميلاد تساعد في تكوين صداقة بين أفراد الطاقم، الذين جاؤوا من خلفيات قومية وثقافية مختلفة.
أما بالنسبة للسباحة في الفضاء فهي ليست سهلة كما تبدو، ففي عام 2009 أصبحت دورات المياه باختصار محل نزاع دولي، عندما نصت القواعد على الأرض على منع الطاقم الروسي من استخدام دورات المياه الأمريكية وكذلك معدات التمرين.
في هذا المجتمع الضئيل لا تقتصر التكنولوجيا على الأداء الوظيفي لاستكشاف الكواكب الأخرى والفضاء الواسع فقط، بل لها دور في الترابط المجتمعي.
مستقبل الحياة في الفضاء
تستهلك محطة الفضاء الدولية الكثير من الأموال للعمل. تكاليف وكالة ناسا الأمريكية للفضاء وحدها تتراوح بين 3 إلى 4 مليارات دولار سنوياً، وهناك الكثيرون ممن يقولون إنها لا تستحق كل هذا الاستثمار. دون المزيد من الاستثمارات التجارية يتوقع أن تخرج محطة الفضاء الدولية من مدارها في عام 2028، وترقد في قاع المحيط لتشارك محطة مير في مثواها.
ورغم ذلك، تشير توقعات أخرى إلى أن المرحلة التالية في حياة محطة الفضاء ستكون الدوران حول القمر على الأغلب، فهناك مشروع تخططه مجموعة من وكالات الفضاء على رأسها ناسا، تحت عنوان بوابة القمر Lunar Gateway، وسيكون أصغر من محطة الفضاء الدولية، ومن المقرر أن تعيش الطواقم على متن المحطة شهراً واحداً في كل مرة.
ومن المخطط أن تُطلق وحداتها التي تستند إلى تصميم محطة الفضاء الدولية، إلى مدار القمر في العقد القادم.
أحد تصميمات المسكن الأولية للمحطة الجديدة يحتوي أربع غرف للطاقم قابلة للتوسعة، ليمنحوا للناس المزيد من المساحة، لكن النوم والتمرين، والمراحيض، ومساحات الطعام، كلها أقرب كثيراً لبعضها البعض.
ولأن طواقم محطة الفضاء الدولية تحب خلق مستعرضات مرئية ارتجالية، فربما نقترح وجود مساحات مخصصة لهذه المستعرضات الخاصة بسكان الجيل الثاني لمحطة الفضاء الدولية.
في الثقافة الشعبية، أصبحت محطة الفضاء الدولية هي مزلاق سانتا كلوز. في السنوات الأخيرة اصطحب الكثير من الآباء أبناءهم في ليلة رأس السنة للخارج لمشاهدة محطة الفضاء الدولية وهي تسبح فوق رؤوسهم.
شكلت محطة الفضاء الثقافة الفضائية للقرن العشرين والقرن الحادي والعشرين، وأصبحت رمزاً للتعاون الدولي بعد الحرب الباردة. وما زال هناك المزيد من العلم التي تقدمه لنا عن كيفية العيش في الفضاء.