أشار الرئيس السوري بشار الأسد إلى أن أساس الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها بلاده سببها الرئيسي احتجاز المصارف اللبنانية لأموال المودعين السوريين التي تقدّر -بحسب قوله- بأكثر من 40 مليار دولار. يأتي هذا التصريح في وقت دقيق جدّاً حيث نتائج الانتخابات الأمريكية أشرفت على نهايتها، والأسد يعوّل عليها بشكل كبير.
استبعد الأسد، في تصريحه، قانون قيصر الذي دخل حيّز التنفيذ في حزيران/يونيو 2020 ووجّه أصابع الاتهام بشكل مباشر إلى المصارف اللبنانية، التي بدأت بحجز أموال المودعين اللبنانيين وغير اللبنانيين مع بداية عام 2020. لكن ثمة خلفيات سياسية واقتصادية لهذا التصريح الذي أثار ضجة في الساحة اللبنانية.
يرى المحلل السياسي رباح علي أن التصريحات التي أدلى بها الأسد جزء من المشهد السياسي اللبناني والضغوط التي يتعرض لها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على خلفية الخلاف بينه وبين حزب الله عقب إغلاق مصرف جمال ترست بنك المحسوب على الحزب صيف عام 2019 بقرار من وزارة الخزانة الأمريكية.
يسعى الحزب للإطاحة به وتعيين بديل له، وهو الوزير السابق دميانوس قطار، لذا يضع بشار سلامة في موقف حرج بعد اتهامه بصرف أموال السوريين التي لاقت نفس مصير أموال المودعين اللبنانيين، والتي تصرَّف فيها المصرف في ظل الأزمة الاقتصادية الحانقة.
لطالما استفاد نظام الأسد من المصارف اللبنانية، حيث استثمار رجال الأعمال السوريين المقربين منه عقب اندلاع الثورة السورية بعد سلسلة العقوبات التي فرضتها واشنطن على المصارف السورية، فوجدوا من لبنان ساحة نقدية يسيطر عليها حلفاؤه (حزب الله والتيار والوطني الحر).
وبحسب رباح، فإن هذا التصريح للأسد هدفه الضغط المباشر على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
الوضع اللبناني مكسب اقتصادي للنظام السوري
كان المصرف المركزي يقوم بدعم الوقود والطحين والأدوية في لبنان، لكنه وحين اتجه بقراره لوقف الدعم أصبح التجّار يهرّبون من لبنان إلى سوريا عبر الحدود غير الشرعية بأمّ العين؛ لأنهم يستفيدون مالياً في سوريا بفارق السوق السوداء اللبنانية أكثر من سوريا.
فتهريب الدولار عبر 149 معبراً غير شرعي كانت وما زالت تشكّل ركيزة لاقتصاد نظام الأسد، إن كان التهريب للعملات الصعبة (دولار ويورو) أو محروقات، وحتى سيارات؛ لذا فإن الاقتصاد السوري استفاد من الأزمة اللبنانية، وليس كما يحاول الأسد الترويج بأنه متأزم بفعل ما حصل في لبنان.
وبحسب مصادر، فإن أموال المودعين السوريين في المصارف اللبنانية لا تتجاوز المليار دولار، وبالتالي فإن كل ما يقوله الأسد هو محاولة لتضليل الحقائق، ولفت الأنظار إلى أن الشعب السوري هو ضحية، كما الشعب اللبناني، والدولتان تتلاعب بهما.
ومن المتوقّع أن تضغط أبواق النظام السوري، مثل جميل السيّد ومقربين من حزب الله على رياض سلامة، الذي هو على علاقة متينة مع الإدارة الأمريكية للاستفادة ممّا تبقّى من الاحتياطي الدولاري قدر المستطاع. لذا، سيكون بشار الأسد، قد قام بضربة استباقية لتطويل عمر الاستفادة من هذه الأموال.
وفي رأي رباح، فإن الملف الحكومي أيضاً متعلّق بخلفيات التصريح والعرقلة التي تمارس على الرئيس المكلف سعد الحريري، ليس سببها المحاصصة بين الوزراء، فالدائرة تتّسع حتى أكبر المناصب في لبنان، فيعوّل أصدقاء الأسد على إقالة رياض سلامة وتعيين حاكم للمصرف يستفيدون منه، وبذلك يستمرّ التهريب إلى سوريا، كما يعوّلون على تعيينات في قوى الأمن الداخلي ومناصب أخرى، وهذا ما تراقبه الإدارة الأمريكية وتشير إليه بشكل مستمر.
الانتخابات الأمريكية عامل أساسي
وفق مراقبين، فإن الأسد يحاول مغازلة الإدارة الأمريكية في ظل تقدم المرشح الديمقراطي بايدن، إذ يحاول رفع الحرج عن الإدارة الأمريكية في الأزمة الاقتصادية التي تضررت بفعل قانون قيصر وتحميلها للبنان.
تعتقد الصحفية والمحللة الاقتصادية محاسن مرسل أنه من الممكن أن يأتي هذا التصريح لمجاملة الرئيس الجديد، أكان بايدن أو ترامب، في محاولة لطرح اعتمادات جديدة مع الإدارة الأمريكية القادمة، وبهذا يكون قد قال بشكل غير مباشر إنه لا علاقة للولايات المتّحدة بضرب اقتصاده، وبالتالي يحمّل المصارف اللبنانية المسؤولية كاملة.
يعلق مكرم رباح على هذا الطرح، إذ قال إن "أي محاولة من بشار الأسد للحوار مع الطرف الأمريكي هي محاولة يائسة وغير مجدية طالما أن السياسة ستبقى كما هي تجاهه". والأسد يعوّل على بايدن اعتقاداً منه أن بايدن سيعيد سياسة أوباما معه، ولكن هذا مجرّد خيال يدور في رأس الأسد وواشنطن جادة بعقوباتها ضد النظام السوري وقد أبلغت موسكو أن لا تراجع في قانون قيصر.
النشرة الشهرية الصادرة عن مصرف لبنان
بعد كلام الأسد واتهامه المصارف اللبنانية أنها السبب الأساسي وراء انهيار اقتصاده، أصدر مصرف لبنان النشرة الشهرية له، وورد فيه أن حجم ودائع الأجانب كافة، أي من ضمنهم السوريون، تبلغ 28 مليار دولار أمريكي.
ويبقى الضغط على حاكم مصرف لبنان والرئيس الجديد الخطة الأساسية التي يعتمدها بشار الأسد كي يحافظ على موقعه الرئاسي، ولكن بحسب المحلّلين، قد يكون ذلك كلّه دون جدوى.