من المنتظر أن يقوم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، أول أسبوع في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بزيارة إلى كل من تونس والجزائر ليناقش مع مسؤولي البلدين إمكانية مواجهة الإرهاب في فرنسا، بالإضافة إلى التعاون لطرد "المتطرفين" من الأراضي الفرنسية وإعادتهم إلى بلدانهم.
وتأتي زيارة وزير الداخلية الفرنسي بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون، وذلك بعد حادث قطع رأس أستاذ فرنسي قبل أسابيع، والهجوم الإرهابي الذي استهدف زوار كنيسة وسط مدينة نيس، وأسقط 3 قتلى، وتبناه مواطن تونسي مقيم بصفة غير شرعية، حسب ما أعلنت عنه الحكومة الفرنسية.
وبالتزامن مع كل هذا، أعلنت الحكومة الفرنسية توقفها عن منح الحماية لمواطني دول معينة، كما أنها أحصت رسمياً 253 قتيلاً ومئات الجرحى، لضحايا العمليات الإرهابية في البلاد منذ بداية عام 2015.
طلب المساعدة
أعلن جيرالد دارمانان، وزير الداخلية الفرنسي، في حديث مع قناة "بي إف إم تي في" الفرنسية عن "زيارته المرتقبة إلى الجزائر وتونس من أجل التحدّث مع نظرائه من البلدين، وأيضاً، مع أجهزة الاستخبارات، لتبادل وجهات النظر والحصول على مزيد من المعلومات بخصوص الجماعات المتطرفة المقيمة في فرنسا".
الوزير الفرنسي كشف، في حديثه مع القناة، أن بلاده طردت 16 شخصاً يشتبه في حملهم لأفكار متطرفة، كما أنهم طلبوا من السلطات وضع جميع الأجانب غير النظاميين تحت الحراسة النظرية، حتى التأكد من وضعيتهم القانونية، ومنهم من وُضع في السجن.
تصريحات وزير الداخلية الفرنسية، والاستعداد لزيارته لتونس والجزائر، التي جاءت بعد زيارته الأخيرة للمغرب، والتي طالب من خلالها بتفعيل اتفاقية "الترتيبات الإدارية لتعزيز التعاون في الاشتغال الأمني"، وذلك لاستعادة 9 مواطنين يشتبه في حملهم لأفكار متطرفة.
خالد سالم، عضو في جمعية "كرثة" الخيرية في فرنسا، قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن العوامل الداخلية ساهمت في انتشار أعمال التطرف في البلاد، التي تحصد ما زرعت، باعتبار أن أغلب الأسماء التي تم تصنيفها كـ"متطرفة" عاشت الانعزال التام وسط جاليات مسلمة تتمركز في الأحياء الهامشية التي ترتفع فيها نسبة البطالة والانقطاع عن الدراسة بالإضافة إلى الابتعاد عن الثقافة الفرنسية.
المتحدث قال إن أغلب الأسماء المدرجة في لائحة المتطرفين، وحتى الذين قاموا بالأعمال الإرهابية فوق الأراضي الفرنسية لا علاقة لهم لا بالمساجد ولا بالجمعيات الخيرية، ولم يترددوا على أي مجالس من قبل، لكن سلوكياتهم تبقى مرتبطة في الأصل بكل ما هو شخصي، أو له علاقة بطريقة التربية والتنشئة في الضواحي الفرنسية.
واعتبر سالم أن فرنسا لن تُعالج المشكلة من أساسها، وعوضَ أنْ تقوم بطرد بعض الأشخاص المحددين بالمئات، عليها إعادة تهيئة الأحياء الهامشية وإدماجها في المجتمع الفرنسي، وعدم التعامل مع الجالية المسلمة هناك كأنها منبوذة، لأن هذه السلوكيات تولد الحقد لدى هذه الفئة، فتتحول من بعد ذلك إلى أعمال إجرامية، اختارت الدولة أن تربطها بالدين الإسلامي.
هل يعود المتطرفون إلى بلادهم؟
تُحاول فرنسا بكل الطرق تطويق دائرة "المتطرفين" فوق أراضيها، فبدأت بإحصاء الأسماء التي تقيم في البلد بشكل غير قانوني، وبعدها أعلن وزير داخليتها أن البلاد ستُجمد طلبات اللجوء المعروضة عليها، بسبب تفاقم الوضع الأمني في البلاد، والتهديدات الإرهابية التي تقيس المجتمع الفرنسي في هذه الآونة.
فرنسا لجأت إلى دول المغرب العربي، خصوصاً تونس والمغرب والجزائر، لطلب المساعدة الأمنية بغرض تطويق المشتبه في حمله للفكر المتطرف، خصوصاً أن أغلب العمليات الإرهابية، حسب قولها، ينفذها مواطنون من أصول مغاربية.
استجاب المغرب للطلب الفرنسي خلال الزيارة التي قام بها وزير الداخلية في الأسبوع الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2020 للمملكة، حينها قدم طلباً رسمياً للبلاد بالمساعدة في إعادة المغاربة المقيمين بشكل غير قانوني فوق الأراضي الفرنسية، والمعتقلين حالياً سواء في الدوائر الأمنية أو في سجون الجمهورية.
الرباط وجدت نفسها أمام خيار اتخاذ قرار حازم في الفترة المقبلة أمام طلب الدبلوماسية الفرنسية، خصوصاً أن أغلب الجالية المسلمة في فرنسا هي من أصول مغربية، كما أن أغلب أئمة المساجد في البلاد من أصول مغربية.
لكن هل تنجح فرنسا في إعادة الأسماء التي وضعتها إلى بلدانها؟ سؤال يجيب عنه محمد الساسي، دكتور بجامعة القاضي عياض في المغرب، والذي قال في تصريح لـ"عربي بوست" إن المغرب وجد نفسه أمام خيار وحيد وهو المساعدة في حصار هذه الأسماء التي تقول فرنسا إنها تُشكل عنها خطراً حقيقياً.
الساسي قال في تصريحه إن المغرب كالجزائر وتونس، دول لها اتفاقيات أمنية مع فرنسا، وعليها احترامها، بل وتنفيذها من الطرفين، وإذا ما أثبتت فرنسا على أي شخص تورطه في أعمال إرهابية، أو اشتباه صلته بجماعات متطرفة، شرط ألا تُستعمل هذه الاتفاقيات في تصفية الحسابات مع الجالية المسلمة في فرنسا.
ليست المرة الأولى التي تطلب فيها فرنسا إعادة المتطرفين إلى بلدانهم، بل سبق لها أن أعادت لدول المغرب العربي متطرفين منهم من تمت متابعته في بلاده قانونياً، ومنهم من ثبتت براءته في الارتباط في الجماعات الإسلامية وهاجر من بلاده إلى دولة أخرى غير فرنسا.
تونس تستجيب
وقبل وصول موعد الزيارة المرتقبة لوزير الداخلية الفرنسي إلى تونس، طالب هشام المشيشي، رئيس الوزراء التونسي، كلاً من وزيري الداخلية والعدل في حكومته بالتعاون مع السلطات الفرنسية في التحقيق الذي فتحته بعد تأكد تورط مواطن تونسي في الهجوم الذي استهدف كنيسة السيدة العذراء وسط نيس.
التجاوب التونسي لم يكن الأول من نوعه، بل سبقته مكالمة في نفس اليوم بين رئيس البلاد قيس سعيّد ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي أعرب فيها عن "تضامنه مع فرنسا بعد الأعمال الإرهابية"، حسب بلاغ للإليزيه.
وأضاف البلاغ أن الرئيسين "اتفقا على تعزيز التعاون على صعيد مكافحة الإرهاب… وبحثا المسألة الحساسة المتعلقة بعودة التونسيين الملزمين بمغادرة الأراضي الفرنسية، وفي طليعتهم المدرجون على القائمة الأمنية لأجهزة الاستخبارات".
بلاغ الإليزيه أكدته الرئاسة التونسية، التي أعربت في منشور لها عن أنها مستعدة للتعاون مع فرنسا في الفترة المقبلة لإعادة جميع المواطنين المدرجين في لائحة الإرهاب إلى وطنهم، والتعامل معهم بشكل قانوني لكي لا يشكلوا خطراً على الأمن التونسي.
الدكتور الساسي فسَّر استجابة دول المغرب العربي، في حديثه مع "عربي بوست"، بكونها ملزمة في هذه الفترة بالتعاون مع فرنسا، بحكم العلاقة الدبلوماسية بينهم، كما أن الجاليات الجزائرية والمغربية والتونسية من أكبر الجاليات المسلمة في فرنسا.
الجزائر كما تونس والمغرب هي اليوم أمام مقترح فرنسي يهدف إلى إعادة تنظيم عبادة المسلمين، وتقنين عملية استقطاب الأئمة، بالإضافة إلى التعاون لإعادة القاصرين إلى بلدانهم فضلاً عن الأسماء التي تحمل فكراً متطرفاً، وذلك للبدء في تطبيق بعض مضامين مشروع قانون تقدم به الرئيس الفرنسي والذي يهدف إلى "الانفصالية الإسلامية".