نشرت مجلة Foreign Policy الأمريكية تقريراً عن محمد دحلان، اليد الفلسطينية الخفية في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي بدا كأنه منبوذٌ عام 2011 عقب مداهمة الشرطة الفلسطينية لمنزله في رام الله واضطراره إلى الهرب عبر نهر الأردن للجوء إلى أبوظبي.
القيادي الأمني السابق لدى فتح، الذي ظهر كمنافس لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، لا يزال حتى الآن مقيماً في دولة الإمارات، حيث وجد أخيراً فرصة للانتقام الجميل. ففي دور جديد بصفته أحد المقربين لقادة الخليج العربي والعقل المدبر الاستراتيجي الإقليمي، يساعد دحلان في تشكيل الاتفاقيات العربية مع إسرائيل والتي تدفع عباس نحو الجنون، حسب الموقع.
على مدى السنوات التسع الماضية، أقام دحلان علاقة وثيقة بشكل غير عادي، مع ولي العهد الأمير محمد بن زايد آل نهيان، حاكم الإمارات غير الملتزم بالتقاليد، والذي منح دحلان الملاذ الآمن عندما فرَّ من عباس. دحلان المولود بمخيم للاجئين في غزة، يعمل حالياً مبعوثاً دولياً لراعيه الثري بلا حدود، حيث يساعد في ترتيب صفقات تجارية وسياسية من شمال إفريقيا إلى أوروبا الشرقية. وعندما تغرب الشمس، يقول دحلان، إنه هو وابن زايد يستقلان سيارة سريعة للتنزه في منتصف الليل، ويغنّيان الألحان العربية المفضلة معاً، أثناء طوافهما على الطرق السريعة الصحراوية في أبوظبي.
صداقتهما الظاهرة جعلت من دحلان يداً مؤثرة- وإن كانت غير مرئية- في صياغة اتفاقات أبراهام، وهي اتفاقيات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة والتي وقَّعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين، الشهر الماضي. وهو يُعد مهندساً من وراء الكواليس للموقف الإماراتي الذي يقدم دعماً محدوداً للدولة الفلسطينية بينما يضغط على عباس البالغ من العمر 84 عاماً، ويضعه في مواقف حرجة، كما هو الحال عندما وجد عباس نفسه مضطراً إلى رفض طائرتين من الإمدادات الطبية لمواجهة جائحة كوفيد-19، لأسباب يمكن توقعها، لحفظ ماء الوجه، وذلك لأن الإمارات أرسلتها عبر مطار بن غوريون في تل أبيب. وأدى رفض عباس للمساعدة في أغسطس/آب، وإدانته الغاضبة لاتفاقات السلام باعتبارها "طعنة في الظهر"، إلى نفور الحلفاء القدامى في جميع أنحاء المنطقة، وضمن ذلك المملكة العربية السعودية، الدولة الأكبر والأكثر ثراءً في الخليج.
بشارة بحبح، الأكاديمي الفلسطيني المعارض لعباس والذي يشارك في كتابة أعمدة الرأي مع جيسون غرينبلات المبعوث السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب للشرق الأوسط، قال إن بن زايد "لن يفعل أي شيء تجاه الفلسطينيين دون التشاور مع دحلان. إنه حاسم". ورفض مسؤول إماراتي مناقشة علاقة دحلان بالأمير.
بعد مسيرة مهنية متقلبة في السياسة الفلسطينية- من التودد إلى واشنطن كخليفة محتمل للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ثم طرده من الضفة الغربية لاحقاً باعتباره مغتصباً فاسداً- تعلَّم دحلان ممارسة الألعاب طويلة الأجل للوصول إلى القمة. وُلد دحلان في مخيم خان يونس للاجئين، وهو بقعة مكتظة بالسكان في قطاع غزة، وقد نشأ كواحد من القادة الشباب للانتفاضة الفلسطينية عام 1987 ضد إسرائيل، وتعلَّم العبرية خلال فترات متعددة في السجون الإسرائيلية.
يد وحشية في غزة: دحلان اكتسب ثقة عرفات كمساعد رئيسي عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس. وعند عودتهم في عام 1993 مع توقيع اتفاقات أوسلو للسلام، قاد دحلان حركة فتح الحاكمة في غزة وتولى العمليات الأمنية هناك، وتحوَّل إلى اليد الوحشية لعرفات ضد المعارضة من حركة حماس الإسلامية.
لكن أثناء صعوده في صفوف السلطة الفلسطينية بعد وفاة عرفات في عام 2004، اشتبك دحلان باستمرار مع عباس، فقد رأى عباس في دحلان منافساً طموحاً كان من الواجب أن يظل مقيداً. حمّل دحلانَ اللوم في عام 2007؛ لفشله في إخماد التمرد العنيف الذي سيطرت فيه حماس على غزة. وكان هو وعباس يتبادلان توجيه تهم الفساد لبعضهما البعض منذ سنوات، وهو ما أجَّج الكراهية المتبادلة بينهما. في النهاية، لم تكن شعبية دحلان في الشارع كافية لحمايته من الشرطة ونظام العدالة الجنائية الذي يسيطر عليه عباس، الأمر الذي لم يمنح دحلان خياراً سوى المنفى. في عام 2014، أدانت محكمة فلسطينية دحلان غيابياً بـ"التشهير بعباس"، وحكمت عليه بالسجن لمدة عامين. وبعد عام، حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات أخرى بتهمة الاختلاس.
دحلان، البالغ من العمر 59 عاماً، هو آخر فلسطيني يتمكن من قلب الطاولة، قد يكون منهزماً في أحيان كثيرة، لكنه أبداً لا يكون خارج اللعبة. فبمجرد أن وصفته إسرائيل بالإرهابي، أصبح لاعباً مركزياً في التفاوض على اتفاقيات أوسلو للسلام.
ويبدو أن إدارة أمريكية تلو الأخرى تقع في حبه، بدءاً من إدارة بيل كلينتون، ثم الرئيس جورج دبليو بوش والآن ترامب. في غزة، يستطيع دحلان أن يلعب مع جميع الأطراف، حيث نشأ في الشوارع نفسها مثل زعيم حماس يحيى السنوار. وبينما كان الإسلاميون يحتقرون دحلان عندما حكم المنطقة وأذلَّ قادتهم غير المتعاونين وحلق لحاهم وحواجبهم، فإنه يحاول التقرب من حماس، ليعمل كجزء من المعارضة السياسية الفلسطينية لعباس.
دحلان، الذي يتواصل بشكل ضئيل عبر تويتر، لم يُشاهَد منذ عام 2011 داخل حدود الضفة الغربية وغزة، لكن زوجته جليلة بَنَتْ له قاعدة الدعم التي يحتاجها، من خلال زيارات خيرية دورية لغزة، وضمن ذلك تنظيم حفلات زفاف جماعية للفقراء الذين لا يستطيعون تحمُّل تكلفة إقامة حفل زفاف. وهو بذلك لا يزال حصاناً أسود، فهو بين حفنة من المرشحين الذين يظهرون باستمرار في استطلاعات الرأي السياسية لخلافة عباس، وهو مدخن شَرِهٌ وله تاريخ مع مشاكل القلب.كاتب تقرير Foreign Policy، جوناثان فيرزيجر، يقول إنه التقى دحلان في الليلة التي سبقت مداهمة الشرطة لمنزله في رام الله، يوم 28 يوليو/تموز 2011، وتعرَّف على سحره الماكر. ففي حين لم يُجرِ مقابلات تقريباً مع الصحفيين الغربيين، فقد دُعي جوناثان كمراسل لدى Bloomberg News لمقابلته مع مراسل فلسطيني.
جوناثان أضاف: "انتظرنا ساعة تقريباً قبل أن يستقبلنا أمير الحرب المتقاعد، في غرفة معيشته، مرتدياً سترة حريرية وخُفاً. وقال دحلان، وهو يبتسم ابتسامة متعبة تحت شعره الرمادي، إنه سيتعيَّن عليه إلغاء المقابلة الرسمية المخطط لها، لأن الوقت لم يكن مناسباً، لكنه سيكون سعيداً بالدردشة غير الرسمية. ثم جلس بجانبه على الأريكة، وأبدى إعجابه بجهاز iPhone الخاص به، وتصفَّح التطبيقات حتى وجد المسجل، ثم أغلقه. كان دحلان قاسياً في استخفافه بعباس وقال إنه يأمل الإطاحة به ذات يوم في الانتخابات".