يتواصل مسلسل الصراع الذي تقوده السلطة الفلسطينية ضد التيار الذي يترأسه محمد دحلان النائب المفصول عن حركة فتح، داخل الضفة الغربية، وقد بات هذا الصراع يشكل تهديداً على كرسي الرئاسة الفلسطينية، بانتقاله من التجاذب السياسي إلى الضغط الأمني.
ويمثل دحلان خطراً حقيقياً على رئيس السلطة الفلسطينية بعدما ظهرت إشارات عربية وأمريكية تتحدث عن أن دحلان يمثل بديلاً مناسباً لأبومازن، خصوصاً من أجل تمرير صفقة القرن.
اعتقالات كبيرة
مصادر فلسطينية ذكرت أن قوات كبيرة من أجهزة أمن السلطة الفلسطينية نفذت ليلة الأربعاء/الخميس 28/ 29 أكتوبر/تشرين الأول، حملة أمنية واسعة النطاق داخل مخيم الأمعري وسط مدينة رام الله، لاعتقال عدد من كوادر وقيادات تيار دحلان، وإغلاق المؤسسات والجمعيات الرياضية التي يشرف عليها في المخيم.
سارع التيار الإصلاحي الذي يقوده دحلان لإصدار بيان أدان فيه حملة الاعتقالات التي طالت أنصاره داخل المخيم، حربي وأحمد طميله وعلي إدريس ومنذر عباس وأحمد العناني.
وتخلل الحملة اقتحام نادي شباب الأمعري، وجمعية المعاقين، وجمعية الطفل الفلسطيني، وتحطيم محتوياتها، كما اقتحمت الأجهزة الأمنية منزل النائب في المجلس التشريعي الموالي لدحلان جهاد طميله، وصادرت معدات إلكترونية منه.
عماد محسن، المتحدث باسم التيار الإصلاحي، قال لـ"عربي بوست" إن ما جرى في مخيم الأمعري استكمال لما تقوم به الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية منذ سنوات بمحاولة استئصال كل ما يمسّ بالتيار، سواء باعتقال الكوادر والمناصرين، والتضييق عليهم، ومنع انتقالهم بين المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية، وتجفيف مصادر تمويل بعض النشاطات الخيرية التي يقودها التيار داخل مخيمات الضفة الغربية.
تحذير من مواجهة أكبر
وأوضح: "لم نستغرب من وحشية التعامل التي قامت به الأجهزة الأمنية داخل مخيم الأمعري"، على حد تعبيره، مضيفاً أنهم يدينون هذا الفعل ويحذرون من أن السلطة تدفع الأمور لمواجهة لا أحد يتمناها بين الشارع الفلسطيني وأجهزتها الأمنية، إن لم تتوقف الملاحقات بحق كوادر التيار".
تنذر حادثة الأمعري بإمكانية دخول الضفة الغربية في منعطف المواجهة المباشرة بين التيار الإصلاحي والسلطة الفلسطينية؛ لأن المشاهد المسربة من اقتحام المخيم بعشرات العساكر، وعدد كبير من المدرعات التي أمنت تغطية الاقتحام، جاءت بعد تصدي عشرات الفلسطينيين للاقتحام بإغلاق منافذ المخيم، ومحاولة تأمين طريق لهروب المطلوبين.
اجتماعات سرية تحضيراً للانتخابات
شاهد عيان من داخل المخيم، أخفى هويته، قال لـ"عربي بوست" إن اقتحام الأجهزة الأمنية للمخيم جاء بعد تسريب عن عقد قيادة التيار الإصلاحي بمحافظة رام الله والبيرة اجتماعاً سرياً للتحضير لإجراء انتخابات داخلية.
يأتي هذا في إطار التحضير للمرحلة القادمة التي ستشهد نشاطاً مضاعفاً للتيار داخل المخيمات الفلسطينية، لإقرار ميزانيات أنشطة اجتماعية وخيرية كجزء من الدعاية الانتخابية التي يقودها التيار تحضيراً لانتخابات تشريعية فلسطينية، إن أصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً بها.
التطبيع وكرسي الرئاسة
وترى السلطة الفلسطينية أن تطبيع الإمارات لعلاقاتها مع إسرائيل هي مقدمة لإحداث تغييرات على مستوى وضع السلطة الداخلي، بطرح اسم محمد دحلان كأحد الشخصيات البديلة لعباس في حال لم يستطع الاستمرار بأداء مهامه الرئاسية، لأنه تجاوزه 85 عاماً، أو تم تغييبه عن المشهد السياسي بضغوط خارجية عربية أمريكية إسرائيلية.
زادت مخاوف السلطة من هذا السيناريو بعد تصريحات السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، لصحيفة "إسرائيل اليوم" أن "الإدارة الأمريكية ترى في دحلان شخصية يمكن التعويل عليها لقيادة المرحلة القادمة بعد عباس".
عبدالله عبدالله، الرئيس السابق للدائرة السياسية بالمجلس التشريعي عضو المجلس الثوري لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست" إن مشروع دحلان في المنطقة،ئ واستخدامه من بعض الدول كأداة لتنفيذ أجندة سياسية "مشبوهة"، يحتم على السلطة التعامل معه بكافة الوسائل الممكنة لقطع الطريق أمامه؛ لأنه يحاول بعلاقاته مع إسرائيل والبيت الأبيض فرض نفسه في المشهد الفلسطيني، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا يمكن القبول به.
وأضاف أنه في الوقت الذي تقود فيه السلطة معركتين مزدوجتين: الأولى لترتيب البيت الداخلي، ومد جسور التواصل مع حماس، والثانية وقف مخططات الضم الإسرائيلية الأمريكية، "يسعى دحلان لخلق حالة فوضى في الشارع الفلسطيني عبر تمويل من مصادر مشبوهة لتجميل صورته أمام الشارع، لتشكيل رأي عام ضاغط للعودة لأحضان حركة فتح، وهو أمر مكشوف لدينا، ولن نقبل به تحت أي ظرف كان"، على حد تعبيره.
السلطة تستشعر الخطر
خليل شاهين، مدير قسم الأبحاث بمركز مسارات للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال لـ"عربي بوست" إن المعالجة الأمنية التي تقودها السلطة ضد نشاطات التيار الإصلاحي "تعكس مدى الخطر الذي باتت تدركه بما يكتنفها من تهديدات"، على حد تعبيره.
وأوضح أن السلطة باتت رهينة لأي قرار عربي أو أمريكي قد يفرض إملاءات عليها، خاصة لتقديم تنازلات سياسية لتطبيق صفقة القرن، وإن رفضت ذلك سيتم فرض قيادة بديلة كما أشار فريدمان.
وأضاف أن خيار السلطة بالذهاب لمصالحة مبكرة مع حماس، والاتفاق معها على الدخول في قائمة مشتركة لم يكن نابعا من كون السلطة وفتح في موقف قوة، بقدر ما يعكس تخوف السلطة من أن يسعى دحلان لتشكيل تحالفات سياسية تسمح له بوصول كرسي الرئاسة.
وكشف تقرير نشره موقع Al Monitor الأمريكي، الثلاثاء 27 أكتوبر/تشرين الأول 2020، أن خلافاً تفجَّر حول قيادة فرع "فتح" بالقدس في أواخر سبتمبر/أيلول 2020، بعد ما بدا أنه محاولة من جانب القيادة المركزية لفرض قائمة بقادة محليين موالين بالكامل للرئيس محمود عباس، بحسب ما قاله مصدر من "فتح"، طلب عدم الكشف عن هويته.
كذلك، قال المصدر للموقع الأمريكي، إن سبب هذا التدخل هو رغبة قيادة "فتح"- خاصةً عباس- في عدم منح أنصار قيادي "فتح" المنشق محمد دحلان أيَّ موطئ قدم بفلسطين، خاصةً في العاصمة الفلسطينية القدس.
تراجع شعبية دحلان بعد التطبيع
يدرك دحلان وتياره أن حظوظهم الانتخابية قد تراجعت بعد توقيع الإمارات لاتفاق سلام مع إسرائيل، لأنه لم يدين الاتفاق أسوة بباقي القوى الفلسطينية، كما اهتزت صورته أمام الشارع الفلسطيني بعد اتهامه من السلطة بأنه عراب التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، كونه مستشاراً أمنياً لولي العهد محمد بن زايد.
أشارت آخر استطلاعات الرأي التي أجراها المركزي الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في يوليو/تموز 2020 إلى أن دحلان لن يحصل أكثر من 7% من أصوات الناخبين إن ترشح لأي انتخابات رئاسية قادمة.
ينشط دحلان بقوة داخل قطاع غزة ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لكنه يعمل في الضفة الغربية بحذر بسبب الملاحقة الأمنية من السلطة، ويسعى لكسب تأييد شعبي وتنظيمي بتبنيه نشاطات خيرية واجتماعية يقودها بشكل مباشر، أو عبر زوجته جليلة دحلان.
ومن أبرز هذه الأنشطة مشاريع الزواج الجماعي للفقراء، وتأهيل المعاقين، وعلاج العقم، وقيادته للجنة التكافل التي سعت لتعويض عائلات القتلى في أحداث الانقسام الفلسطيني 2007، كما أن تياره بات يخترق كثيراً من المؤسسات النقابية كنقابة المحامين، ونقابات الطلاب في جامعة الأزهر.