منذ أن تولى العرش قبل أربع سنوات، قبض الملك ماها فاجيرالونجكورن، ملك تايلاند، على أطراف السلطة بين يده بثبات، وفرض سيطرته على ممتلكات التاج وجميع الأموال الملكية، وأعلن تولي القيادة المباشرة للقوات، وتدخل في عملية تشكيل الحكومة التي يفترض أنها ديمقراطية، حتى إنه عدَّل دستور البلاد للسماح له بالحكم من الخارج.
حسب تقرير صحيفة Daily Mail البريطانية، نشر الأربعاء 21 أكتوبر/تشرين الأول 2020، هناك كثير من الأسباب التي تجعل الملك ماها فاجيرالونجكورن، ملك تايلاند، لا يثير في شعبه، البالغ عدده 70 مليون نسمة، احتراماً غير قابل للارتياب.
تصرفات غريبة من ملك تايلاند: أقل هذه الأسباب ميله الغريب لارتداء قمصان قصيرة ضيقة، وبناطيل جينز ساقطة أكثر من اللازم، إضافة إلى الوشوم المزيفة الضخمة التي يغطي بها جسده.
ثم هناك حياته العاطفية الفوضوية، فالرجل البالغ من العمر 68 عاماً يعيش مع الزوجة الرابعة، التي يتشاركها مع خليلته الرسمية، وقد أعادها مؤخراً إلى دائرة تفضيله بعد انقطاع قصير ومعاملة قاسية.
كما أن هناك هوسه الغريب بكلبه الراحل "فو فو"، الذي كان يحبه أن يرتدي طقم الملابس الكاملة للقوات الملكية الجوية التايلاندية، ويشمل ذلك "قفازات مخالب" للكلب، علاوةً على أنه كان يمنحه كرسياً خاصاً به إلى موائد العشاء الرسمية.
إضافة إلى كل ذلك، يصر الملك ماها بانتظام على أن يزحف رجال البلاط على ركبهم في حضوره، ويأمر أي شخص يغيب عليه بحلق رأسه، حتى إنه جعل إحدى زوجاته تأكل من وعاء الطعام الخاص بكلبه "فو فو" وهي شبه عارية.
لا يجب أن ننسى أنه قد تبرأ من أربعة من أبنائه على الأقل، ورفض دفع رسومهم المدرسية، رغم ثروته البالغة 30 مليار جنيه إسترليني (نحو 40 مليار دولار أمريكي).
الملكية لها مكانة إلهية: كل هذا جعله أضحوكة دولية، الأمير "بلينغ بلينغ"، الفتى المستهتر. لكن الوضع لم يكن كذلك قط في بلاده.
ذلك لأن قوانين lèse-majesté (التعرض للذات الملكية) في تايلاند تضمن بقاء العائلة المالكة فوق أي ملمح نقد، ناهيك بالسخرية.
ففي تايلاند، الملكية لها مكانة إلهية. والشعب يعبد الأسرة الملكية وتماثيل أخرى يتخذها آلهة له: أي أن قول كلمة واحدة بحق الملك أو الوريث المعين أو الوصي -أو حتى حيواناتهم الأليفة- سبق أن أدى ببعض الأشخاص إلى السجن لمدة 15 عاماً.
هل يتغير الوضع مع الاحتجاجات؟ أما الآن، وبسبب تصاعد الاضطرابات في تايلاند، على إثر الأضرار التي لحقت بصناعة السياحة الحيوية في البلاد بفعل جائحة كورونا، فإن التايلانديين يتفاقم حنقهم وضجرهم وشعورهم بالحرج والضيق من الملك ماها وسلوكياته الغريبة.
في الأسبوع الماضي، وصلت الأمور إلى ذروتها. فالملك ماها، الذي أمضى معظم هذا العام مختبئاً مع حاشية كبيرة (تضم 20 محظية من ذوات "السمت العسكري" لحمايته) في أحد الفنادق الفخمة بولاية بافاريا الألمانية، وجد الترحيب الأوروبي به يتناقص مع الوقت، بعدما قررت الحكومة الأوروبية أنها لم تعد قادرة على الاستمرار في استضافته بوصفها دولة ديمقراطية، رغم سلوكه مع شعبه.
لذا غادر الملك ماها إلى وطنه، وهو الآن مختبئ في أحد القصور العديدة للعائلة الملكية التايلاندية، في الوقت الذي تضطرم به شوارع البلاد بمظاهرات صريحة وعنيفة ضد حكمه.
في السنوات الأخيرة، دعت الأمم المتحدة تايلاند إلى تعديل قوانينها الصارمة المتعلقة بإهانة الذات الملكية، لكن لا حياة لمن تنادي. والآن يواجه المعارضون خطر "الإخفاء القسري" دون أثر.
عندما عاد الملك ماها أخيراً إلى وطنه الأسبوع الماضي، استقبله أكثر من 10 آلاف متظاهر معارض، ساروا في شوارع بانكوك مطالبين بدستور جديد للبلاد.
قد يخاطر بعرشه: رغم أن تايلاند، من الناحية الفنية، (مثل بريطانيا، على سبيل المثال) ملكية دستورية، فإن الممارسة العملية تشهد بأن الهياكل القديمة لا تزال هي الواقع القائم.
في ظل حكم والد الملك ماها الراحل، الملك بوميبول، الذي حكم من عام 1946 حتى وفاته في عام 2016، كان من الممكن ابتلاع ذلك؛ لأن الشعب اعتقد أنه، رغم نمط حياته الباذخ، كان رجلاً صالحاً، وقد احترموه أكثر من ذي قبل، عندما قال في عام 2005، إنه لم يكن حاكماً مثالياً، وإنه "يجب أن يتعرض للنقد" لتلافي أخطائه.
لكن هذا لم يكن شعور ابنه الوحيد في أي وقت من الأوقات. الآن، مع تهافت الحشود إلى الشوارع، قد يكون من الأفضل للملك ماها أن يتراجع خطوة للوراء ويعيد النظر في بذخ أثاثه الذهبي وحاشيته وحريمه، أو قد يخاطر بفقدان عرشه تماماً.