وسعت الدول الأوروبية القيود الهادفة إلى احتواء تفشي فيروس كورونا متجاوزة الحياة الاجتماعية إلى إغلاق المدارس، وإلغاء عمليات جراحية، واستدعاء جيوش من طلبة الطب للعمل وسط ضغوط هائلة على السلطات التي تواجه أسوأ سيناريو لارتفاع حالات كوفيد-19 مع دخول فصل الشتاء.
هذا التدهور الخطير في تفشي الفيروس جاء بعد أن خففت أغلب الحكومات الأوروبية إجراءات العزل العام في الصيف للبدء في إنعاش اقتصاداتها المتجهة بالفعل نحو تراجع لم يسبق له مثير وفقدان للوظائف بسبب الموجة الأولى من تفشي فيروس كورونا، لكن العودة للأنشطة الطبيعية -من المطاعم المزدحمة إلى بداية العام الجامعي الجديد- تسببت في زيادة حادة بحالات الإصابة في مختلف أرجاء القارة.
خيارات صعبة: كانت الحانات من أول ضحايا إجراءات العزل العام الجديدة، إذ أصدرت السلطات أوامر بإغلاقها أو تقليص مدة عملها. ولكن ارتفاع الحالات حالياً يختبر عزم الحكومات على إبقاء المدارس ومنشآت الرعاية الصحية لغير مرضى كوفيد-19 مفتوحة.
لكن القوى الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا تقاوم حتى الآن الضغوط لإغلاق المدارس، وهي الخطوة التي أوجدت صعوبات أثناء إجراءات العزل العام في الربيع، إذ تناوب أولياء الأمور على العمل من المنزل ورعاية الأطفال.
يذكر أن معدل الإصابة اليومي في أوروبا بلغ 100 ألف حالة -أي نحو ثلث الإصابات العالمية- ما أجبر الحكومات على تشديد القيود مع محاولة وضع معايير لها بحيث تحمي الصحة دون أن تدمر سبل كسب الرزق.
فيما تقول منظمة الصحة العالمية إن بريطانيا وفرنسا وروسيا وإسبانيا مثلت أكثر من نصف حالات الإصابة الجديدة في أوروبا في الأسبوع المنتهي في 11 أكتوبر/تشرين الأول.
قرارات مشددة: في فرنسا، فرضت الحكومة حظر تجول ليلياً، وذلك مع تسجيل الحالات قفزات سريعة، فقد أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون حظر التجول ليلاً لمدة 4 أسابيع اعتباراً من يوم السبت 17 أكتوبر/تشرين الثاني 2020، في باريس ومدن رئيسية أخرى، ما يؤثر على ما يقرب من ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 67 مليون نسمة.
كما أوضح ماكرون في مقابلة مع التلفزيون الفرنسي أن حظر التجول سيوقف مؤقتاً "الحفلات ولحظات الود، حيث يتجمع 50 أو 60 فرداً، والأمسيات الاحتفالية لأنها للأسف عوامل تسرع من انتشار المرض". وأضاف: "سوف نتجاوز هذا إذا تماسكنا.. نحن في وضع مقلق".
أما في ألمانيا فيبحث الساسة ما إذا كانوا سيمدون العطلة المدرسية في عيد الميلاد والعام الجديد للحد من انتقال العدوى، غير أن منتقدي الفكرة يقولون إنه ليس هناك دليل على أن المدارس كانت بؤر انتشار للمرض.
من جانبها قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها اتفقت وزعماء ولايات ألمانيا الستة عشر اليوم الأربعاء على إجراءات أكثر صرامة دون أن تورد تفاصيل. وقالت: "نحن بالفعل في مرحلة النمو المتسارع، فالأرقام اليومية تظهر ذلك".
كما يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دعوات من المعارضة لإعلان إجراءات العزل العام من جديد في البلاد لكنه يقاوم حتى الآن. ومع ذلك، فإن دخول المستشفيات يتصاعد، وأصبحت المنشآت الطبية الميدانية التي شُيدت في الربيع جاهزة مرة أخرى.
وفي إسبانيا، التي تسجل حالياً أحد أعلى معدلات الإصابة في أوروبا، من المقرر أن تعلن السلطات في إقليم كتالونيا إما إغلاق الحانات والمطاعم لمدة أسبوعين أو تخفيض كبير في ساعات العمل فيها، وذلك بعدما اقتربت بأن تكون أول دولة بالقارة العجوز تسجل مليون إصابة.
يذكر أن الحكومة الإسبانية سجلت حتى الأربعاء، ما يقرب من 900 ألف إصابة وأكثر من 33 ألف وفاة.
وفي لشبونة، لم يُفاجأ مشجعو كرة القدم بعد أن ثبتت إصابة قائد منتخب البرتغال كريستيانو رونالدو بالفيروس، قائلين إن الجائحة أظهرت ببساطة أن الجميع معرض لخطر الإصابة وإن الرياضيين المشهورين ليسوا استثناء.
استنفار في القطاع الصحي: أما جمهورية التشيك، أعلى دول أوروبا إصابة بالفيروس بالنسبة لعدد السكان، فقد حولت المدارس إلى نظام التعليم عن بُعد وتخطط لاستدعاء آلاف من طلبة الطب. وتخفض المستشفيات حالات التدخل الطبي غير العاجل لإخلاء أسرّة للمرضى.
وقالت لينكا كيرياكوفا، كبيرة الممرضات في مستشفى سلاني قرب براج، حيث يعكف البناؤون على تحويل العنبر العام إلى وحدة لعلاج كوفيد-19: "أحياناً نكون على وشك البكاء".
كما تكثف أيضاً بولندا تدريب العاملين بالتمريض وتدرس إقامة مستشفيات ميدانية عسكرية وستحول موسكو العديد من الطلبة إلى نظام التعليم عن بُعد في حين تغلق أيرلندا الشمالية المدارس لمدة أسبوعين.
وقال باول جريزسيوسكي، خبير المناعة في بولندا، التي سجلت 6526 حالة إصابة و116 حالة وفاة اليوم الأربعاء: "ليس لديّ أي معلومات طيبة. نحن على شفا كارثة".
من جانبه وصف رئيس الوزراء الأيرلندي ميشيل مارتن ارتفاع عدد الحالات في أيرلندا الشمالية بأنه "مقلق للغاية"، وزادت الحكومة القيود في ثلاث مقاطعات على الحدود.
فيما تواجه الجهود المبذولة لتطوير لقاح عقبات في بعض المناطق، حيث أوقفت شركة جونسون آند جونسون تجاربها مؤقتاً بعد إصابة أحد المشاركين في الدراسة بمرض غامض. ولا تزال تجربة أسترازينيكا في الولايات المتحدة معلقة منذ أكثر من شهر.
في غضون ذلك، منحت روسيا، التي سجلت زيادة يومية قياسية في الحالات، موافقة الجهات التنظيمية على لقاح ثان.