أقدم أفراد عائلات سعودية ثرية أفلتوا من واقعة الاعتقالات الكبيرة التي لحقت شخصيات تم وضعهم في فندق ريتز كارلتون بالرياض، على شراء جنسيات دول أخرى لتأمين أنفسهم، وللاستعانة بها لحظة استشعارهم للخطر.
خوف من السلطات: المحامي الكندي ديفيد ليسبيرانس، الذي قدَّم استشاراته لعشرات العائلات الخليجية منذ التسعينيات، قال في تصريح لموقع Al-Monitor الأمريكي الإثنين 28 سبتمبر/أيلول 2020: "لدي عملاء أفلتوا من واقعة فندق ريتز كارلتون؛ لأنهم كانوا حذرين بما يكفي لتأمين جنسية ثانية لأنفسهم مسبقاً، اللحظة التي قرروا فيها الاستعانة بخدماتي تعني أنهم استشعروا الخطر".
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، احتُجِز 381 فرداً من العائلة الملكية ومسؤولاً ورجل أعمال بارز من السعودية في حملة قمع "مناهضة للفساد" قادها ولي العهد محمد بن سلمان.
أُفِيد حينها بأنَّ السلطات السعودية ضغطت على ربع المحتجزين في فندق ريتز كارلتون بالرياض، بما في ذلك من خلال الإساءات الجسدية، لتسليم الدولة أصولاً بإجمالي قيمة 106 مليارات دولار.
في تصريح لموقع Al-Monitor، قال ريان بوهل، محلل في شؤون الشرق الأوسط في شركة Stratfor الأمريكية لتقييم المخاطر الجيوسياسية، إنَّ حملات مكافحة الفساد في دول خليجية تُستغَل الآن لمصادرة أصول من تراهم الدولة غير موالين لها.
في هذا السياق، يرى بعض المواطنين الخليجيين أنَّ تجارة الجنسية الثانية العالمية -المرتبطة عادةً بالتهرب الضريبي وغسيل الأموال والفساد- وسيلة استراتيجية للهروب من الخطر الذي يواجههم نتيجة الاضطهاد السياسي.
الجنسيات المرغوبة: والوجهات المفضلة لأخذ الجنسية معروفة عامةً، وهي: قبرص، وأيرلندا، وتركيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وكندا، وجزر الكاريبي، وغيرها. لكن الشركات العاملة في هذه الصناعة السرية لا تكشف عن عدد مواطني الخليج الذين اشتروا جنسية الثانية.
بيد أنَّ وثائق داخلية مُسرَّبة إلى قناة الجزيرة في وقت سابق من العام الجاري، كشفت أنَّ نحو 2500 شخص من 74 دولة حصلوا على جواز السفر القبرصي بين عامي 2017 و2019.
كشف تحقيق قناة الجزيرة أيضاً أنَّ طلبات الحصول على الجنسية من السعودية "ارتفعت منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة".
من جانبها، كانت صحيفة The Independent، قد ذكرت أن بعض الأثرياء السعوديين نقلوا الأصول "خارج المنطقة" في الأيام التي أعقبت اعتقالات فندق ريتز كارلتون، وأشار جيسون توفي، كبير الاقتصاديين في الأسواق الناشئة في Capital Economics، إلى "قفزة في معدل إيداع المقيمين السعوديين أموالاً في الخارج".
ويعتقد بوهل أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي إما تحظر الجنسية المزدوجة أو تشترط موافقة الحكومة عليها، لكنها لا تتخذ إجراءات صارمة ضد الجنسيات الثانية، مضيفاً: "لكنها (الحكومة السعودية) مع ذلك، تحاول إيجاد طرق لضمان عدم تحول جوازات السفر الثانوية هذه إلى دروع يمكن للمعارضين من خلالها مهاجمة سياساتهم من دون عقاب".
من جهته، قال زياد كركجي، الشريك الإداري لشركة مقرها بيروت متخصصة في برامج الإقامة والجنسية: "الأمر يتجاوز الحصول على جنسية ثانية". وفي إشارة لرجل الأعمال السعودي البارز الوليد بن طلال، الذي يحمل جواز سفر لبنانياً، قال كركجي لموقع Al-Monitor: "مع كل قوّته واتصالاته، ظل محتجزاً في فندق ريتز كارلتون".
وبحسب Al-Monitor زادت طلبات الحصول على جوازات سفر ثانية من مواطني دول خليجية منذ نحو عقد، وتحديداً خلال ثورات الربيع العربي، إذ يخشى بعض كبار المسؤولين وأفراد العائلات الملكية أن يؤدي السخط الاجتماعي إلى تحولات في السلطة وتجميد أصولهم.
كما أنه ومع توقع تحول الاقتصاد العالمي تدريجياً بعيداً عن المحروقات كثيفة الكربون، تواجه الأسر الحاكمة في دول خليجية تحديات اقتصادية واجتماعية-سياسية غير مسبوقة لإعادة هيكلة نموذج الحكم المُعتمد بقوة على النفط، ويُحذر الخبراء من أنَّ التغيير قد يُزعزِع الاستقرار السياسي، ويزيد في النهاية الطلب على الجنسية الثانية.