قالت مصادر أمنية، إن قوات الأمن اللبنانية قتلت متشددَين اثنين على الأقل، في تبادل كثيف لإطلاق النار، السبت 26 سبتمبر/أيلول 2020، مع جماعة مسلحة في شمال شرقي البلاد قرب الحدود مع سوريا.
أضافت المصادر أن 3 من أفراد الأمن اللبناني أصيبوا أيضاً في الاشتباك الذي بدأ بعد مداهمة القوات لمنزل بمنطقة وادي خالد، كانت تختبئ فيه المجموعة المشتبه بتخطيطها لهجمات.
المصادر أوضحت أن المجموعة تضم سوريين ولبنانيين، وأن ضراوة الاشتباك، الذي شهد إطلاق المسلحين قذائف صاروخية، دفعت الجيش اللبناني إلى تطويق المنطقة.
كما أضافت أن بعض أعضاء المجموعة يرتبطون بالمتشدد خالد التلاوي الذي قُتل في وقت سابق من الشهر الجاري، في تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن. وقُتل أربعة جنود لبنانيين في ذلك الاشتباك.
وُصف التلاوي بأنه عضو سابق بتنظيم "الدولة الإسلامية" وزعيم خلية مسؤولة عن قتل ثلاثة أفراد بشمال لبنان في أغسطس/آب.
سياسياً كان هناك حدث آخر: بالتزامن مع هذا الحادث الأمني كان هناك حدث سياسي مهم شهده لبنان، تمثَّل بإعلان مصطفى أديب اعتذاره عن إكمال مهامه في تشكيل الحكومة اللبنانية التي كلفه إياها رئيس الجمهورية في 31 أغسطس/آب الماضي.
الرئاسة الفرنسية، التي كانت تشرف وتتابع بشكل كبيرٍ عملية تشكيل الحكومة، قالت السبت، إن الرئيس إيمانويل ماكرون سيعقد، الأحد، مؤتمراً صحفياً يتحدث فيه عن الوضع السياسي في لبنان، وذلك بعد ساعات من إعلان مصطفى أديب اعتذاره عن إكمال مهمة تشكيل الحكومة اللبنانية، التي كلفه إياها رئيس الجمهورية في 31 أغسطس/آب الماضي.
بموجب خارطة الطريق الفرنسية، كانت الحكومة الجديدة ستتخذ خطوات سريعة لمكافحة الفساد وتطبيق إصلاحات مطلوبة تضمن الحصول على مساعدات دولية بمليارات الدولارات؛ لإنقاذ اقتصاد يرزح تحت جبل من الدين العام.
أديب قال في تصريح بثه التلفزيون الرسمي، إنه فور شروعه في الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة "أعلنت كتل سياسية عدة أنها لن تُسمي أحداً، وأبلغتُ الجميع أني لست بصدد اقتراح أسماء قد تشكل استفزازاً لأي طرف".
الثنائي الشيعي عرقل كل شيء: لكن كانت أبرز عقبة واجهت تشكيل أديب للحكومة تمسك الثنائي الشيعي: "حركة أمل"، برئاسة نبيه بري، وجماعة "حزب الله" حليفة النظام السوري وإيران، بحقيبة المالية. وكان السياسيون في لبنان قد وعدوا باريس بتشكيل حكومة بحلول منتصف سبتمبر/أيلول. لكن جهود أديب ذهبت سدىً.
تزامن التكليف مع زيارة تفقدية لبيروت، أجراها ماكرون، الذي تتهمه أطراف لبنانية بالتدخل في شؤون بلادهم الداخلية، ومنها عملية تشكيل الحكومة؛ في محاولة للحفاظ على نفوذ لباريس بلبنان.
تعثرت هذا العام محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن حزمة إنقاذ ضرورية. وستكون أول مهمة للحكومة الجديدة بعد تشكيلها، استئناف تلك المفاوضات.
اصطدم تشكيل الحكومة بحجر عثرة عند مطالبة الجماعتين الشيعيتين الرئيسيتين، حركة أمل وحزب الله، بتسمية عدد من المناصب في الحكومة، منها حقيبة المالية، وهو منصب كان يشغله شيعي.
أديب عقد عدة اجتماعات مع سياسيين شيعة بارزين، لكنه أخفق في التوصل إلى توافق حول كيفية اختيار وزير المالية.
سياسيون قالوا إن القيادات الشيعية خشيت التهميش مع سعي أديب لإحداث تغيير في التعيينات الوزارية، التي ظل بعضها حكراً على الطائفة نفسها لسنوات.
مهند حاج علي، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، قال إن الفصائل والطوائف التي تدعمها إيران ربما أرادت تعطيل عملية تشكيل حكومة جديدة؛ لانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجرى في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني.
"ستعضُّون أصابعكم ندماً!": رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، سعد الحريري، قال إن المبتهجين بسقوط مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول لبنان "سيعضُّون أصابعهم ندماً"، معرباً عن غضبه من فشل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بعدما اعتذر مصطفى أديب عن تشكيلها، فيما قال الرئيس ميشال عون، إنه لا يزال مهتماً بمبادرة ماكرون.
تحذير من القادم: جاء ذلك في بيان نشره الحريري بعد دقائق من إعلان أديب استقالته من منصبه، ومثَّل ذلك ضربةً لجهود باريس طوال الأسابيع الماضية، والتي دفعت باتجاه تشكيل حكومةٍ هدفها انتشال البلاد من أشد أزمة تمر بها منذ عقود، ما يضع البلاد أمام مرحلة مجهولة المعالم.
الحريري قال في بيانه، إن "أهل السياسة في لبنان يقدّمون لأصدقائنا في العالم نموذجاً صارخاً للفشل في إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية، فاللبنانيون يضعون اعتذار أديب عن مواصلة تشكيل الحكومة اليوم بخانة المعرقلين، الذين لم تعد هناك حاجة لتسميتهم، وقد كشفوا عن أنفسهم في الداخل والخارج ولكل مَن هبَّ مِن الأشقاء والأصدقاء لنجدة لبنان بعد الكارثة التي حلت ببيروت".
الحريري حذَّر أولئك "المعرقلين" -دون أن يحدد أحداً بالاسم- وقال: "لأؤلئك الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنكم ستعضُّون أصابعكم ندماً؛ لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء، ولهدر فرصة استثنائية -سيكون من الصعب أن تتكرر- لوقف الانهيار الاقتصادي ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب".
كذلك اعتبر الحريري، أن مبادرة ماكرون لم تسقط، "لأن الذي سقط هو النهج الذي يقود لبنان واللبنانيين إلى الخراب، ولن تنفع بعد ذلك أساليب تقاذف الاتهامات ورمي المسؤولية على الآخرين، ووضع مكون رئيسي لبناني في مواجهة كل المكونات الأخرى".
أشار الحريري أيضاً إلى أن هناك إصراراً "على إبقاء لبنان رهين أجندات خارجية"، مضيفاً أن ذلك "بات أمراً يفوق طاقتنا على تدوير الزوايا وتقديم التضحيات"، لافتاً إلى أن تياره قدَّم تنازلات من أجل لبنان ولاستثمار المبادرة الفرنسية.
ختم الحريري بيانه بشكر ماكرون وأديب، وقال عن الأخير إنه "تحمَّل مسؤولياته بكل جدارة، والتزم حدود الدستور والمصلحة الوطنية حتى اللحظة الأخيرة"، بحسب تعبيره.