يأخذ الحديث عن الاتفاق الإماراتي البحريني،، مع إسرائيل، أبعاداً اقتصادية واسعة، من خلال توقيع اتفاقيات استثمارية بين إسرائيل وهذه الدول الخليجية، ولو كان على حساب استغلال الموارد العربية الطبيعية لاسيما الطاقة بجميع مشتقاتها، ونتائجها الخطيرة المتمثلة في عضوية إسرائيل في حماية المنشآت البحرية الخليجية، مما يعني اقترابها من إيران فضلاً عن التجارة البينية المباشرة الخليجية الإسرائيلية التي تعني تجاوز قناة السويس، وهذا على حساب مصر ودول عربية أخرى..
بالتزامن مع توقيع الاتفاقيات، أكدت صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية أن تل أبيب ستعرض على أبوظبي بناء ممر بري يربط بينهما، ليكون حلقة وصل لنقل نفط وغاز الخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وأنّ السعودية سيكون لها محطة ضمن الممر، ما قد يعني الاستغناء عن قناة السويس، لأنّ نقل النقط والغاز الطبيعي سيتم عبر الأنابيب من دول الخليج إلى إيلات، ثمّ عسقلان، لنقلها لأوروبا وأمريكا الشمالية بما يهدف لتقليل وقت نقل النفط والغاز الطبيعي ونواتج التقطير من السعودية ودول الخليج إلى الغرب، ويوفر سداد رسوم عبور السفن بقناة السويس.
نصر عبدالكريم، أستاذ الاقتصاد بالجامعة العربية الأمريكية، قال لـ"عربي بوست" إن "الاتفاقات الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين، تفسح المجال لاندماج إسرائيل في المنطقة، عبر مختلف المجالات: الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، والدخول لقلب العلاقات التجارية البينية العربية، مما ينجم عنه إضعاف القيمة الاقتصادية لبعض الدول العربية، وتقليل الاعتماد على الموانئ العربية الشهيرة، خاصة بيروت وطرطوس، وقناة السويس التي تمر منها 60% من التجارة العالمية، فضلاً عن الجارة الشمالية تركيا".
وأضاف أن "إسرائيل لديها ميزات اقتصادية تقدمها لدول الخليج، أما الأخيرة فليس لديها سوى التمويل، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي المشرف على الخليج العربي، وهو منفذ بحري يشكل طموحاً إسرائيلياً، ويمكن ربط كل ذلك مع التحالف الإسرائيلي المصري اليوناني القبرصي الخاص بأنابيب الغاز المتجهة لأوروبا".
تأثير على قناة السويس
وقد أعلنت شركتا "موانئ دبي العالمية" الإماراتية و"دوفرتاور" الإسرائيلية، توقيع عدة اتفاقيات للتعاون في أنشطة الشحن والموانئ، مما سيفضي إلى المس بالعوائد التي تحصل عليها مصر من قناة السويس، في حين أن شركة النفط الإسرائيلية الحكومية "كاتشا" تجري اتصالات سرية مع دول خليجية لبحث سبل التعاون في مجال الاتجار بالوقود والمشتقات النفطية، ويتركز البحث في مساهمة دول الخليج بنقل النفط بين ميناء إيلات على البحر الأحمر لمدينة عسقلان على ساحل البحر المتوسط، ويهدف للحيلولة دون الحاجة لمرور الناقلات التي تحمل النفط لإسرائيل في قناة السويس، لأن كلفة المرور في القناة مرتفعة جداً.
محمود محارب، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يرى أن "الاتفاقيات الخليجية الإسرائيلية تعيد للأذهان مشاريع اقتصادية إسرائيلية طرحت قبل خمس سنوات، بتحويل اسرائيل إلى "عقدة مركزية".
مستندة على: الاتصالات والمواصلات والتجارة، والتركيز على ميناء حيفا، والشروع بإقامة خط سكة حديد يربط مدينة بيسان شمال فلسطين مع الأردن، ومنه للسعودية ودول الخليج، ويرجح أن تستثمر الإمارات في خط أنابيب نفطي يربط بين إيلات وعسقلان، تمهيداً لضرب قناة السويس.
مع أن الاتفاقات مع دول الخليج تزامنت مع تعطل الموانئ السورية، وإغلاق الحدود السورية أمام الشاحنات التركية، مروراً بالدعم الإسرائيلي لإثيوبيا في خلافها مع مصر حول سد النهضة، وكل ذلك يضعف موقف الأخيرة تدريجياً في المنطقة.
تتوقع التقديرات الإسرائيلية أنه إن استجابت دول الخليج للعروض الإسرائيلية، فسيستحوذ الأنبوب على 12-17% من حجم الغاز والوقود الذي يمر في قناة السويس، وكأن التاريخ يعيد نفسه اليوم حين كان معظم النفط الذي يمر في "أنبوب إيلات عسقلان" يأتي من إيران زمن الشاه، ذي العلاقات الاستراتيجية مع إسرائيل.
ميناء حيفا ربما يحل محل مرفأ بيروت
جاء لافتاً تزامن الاتفاقيات الخليجية الإسرائيلية مع انفجار مرفأ بيروت، مما يعني بالضرورة أن تصبح مدينة حيفا، وميناؤها البحري، بوابة دول الخليج على البحر المتوسط، وأن يحل مرفأ حيفا محل مرفأ بيروت، من الآن فصاعداً، وإلى أجل غير مسمى، بعد أن كان أهم مرفأ بحري في منطقة شرق البحر المتوسط، وأحد أكبر 10 مرافئ، ونقطة التقاء للقارات الثلاث: أوروبا وآسيا وإفريقيا، وقد يحظى ميناء حيفا بهذه الامتيازات الاقتصادية بفعل الاتفاقيات الإسرائيلية الخليجية.
تشمل الاتفاقيات الثنائية قيام "موانئ دبي العالمية" بتقييم الموانئ الإسرائيلية، وتطوير مناطق حرة، وإمكانية إنشاء خط ملاحي مباشر بين ميناء إيلات وميناء جبل علي، وطالما أن موانئ دبي تتولى إدارة موانئ في مصر، خاصة في العين السخنة، والسعودية وجيبوتي، أكبر ميناءين في الجزائر، مما يمثل إضافة استراتيجية هامة لإسرائيل، وليس فقط كنزاً مالياً لمساعدة اقتصادها المنهك، وأصبحت تمتلك موطئ قدم بتلك الموانئ أيضاً، بما يشكل خطراً أمنياً داهماً على الأمن القومي لتلك الدول.
محمد أبو جياب، رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية، قال لـ"عربي بوست" إن " إسرائيل تستند على فكرة أن تكون دول الخليج بمثابة ارتكازات اقتصادية استراتيجية خادمة لها بما تمتلكه من موارد طبيعية ونفط وغاز.
إضافة للموقع الجغرافي الذي يؤمن اقتحامها المباشر لباقي دول الشرق الأوسط، وربطها براً وبحراً وجواً مع العالم، عبر الخليج العربي وصولاً إلى المحيط، وبالفعل فقد بدأت تتحدث عن توقيع اتفاقيات مع الإمارات لإنشاء خط نقل النفط والغاز من السعودية والخليج إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، باستخدام البنية التحتية لشركة خط أنابيب إيلات-عسقلان.
وهذا حلم إسرائيلي استراتيجي بأن تكون وسيطاً ناقلاً، نظراً لأهميته في نقل موارد العالم من الطاقة، وكأنها تقول إننا هنا، ولا داعي للالتفاف عبر القنوات المائية الطويلة مثل قناة السويس، أو البحر الأحمر، ومنه للمتوسط، وصولاً لأوروبا".
من المتوقع أن تعمل إسرائيل على ربط الخليج العربي بها بتقنيات الزراعة الحديثة، وضخ الاستثمارات الضخمة، بما سيحرم دولاً عربية كبيرة كمصر والسودان من هذا السوق الكبير، وصولاً لتدشين خطوط نقل بري وجوي إلى الخليج انطلاقاً من موانئ إسرائيل البحرية في حيفا وأسدود، بما سيعدم فرص الاستثمار والتشغيل الخليجي في مرفأ بيروت الذي يعاني من آثار الانفجار الأخير.