بعدما أعلن مراراً أكثر من مسؤول أمريكي آخرهم مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر عن العقوبات الأمريكية على مسؤولين لبنانيين سادت حالة من الترقب، من ستطال العقوبات؟
ورغم ذلك جاء الإعلان عن عقوبات طاولت الوزيرين السابقين، علي حسن خليل -المعاون السياسي لرئيس البرلمان نبيه بري- ويوسف فنيانوس -القيادي في تيار المردة، صادمة للوسط السياسي اللبناني، ربما لأنّ التوقعات كانت تذهب في اتجاه أسماء أخرى لوحت بها واشنطن على رأسهم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والذي تتهمه واشنطن بتسهيل الدور السياسي لحزب الله ومنحه غطاءً شرعياً للتوغل في الدولة اللبنانية والسكوت عن مشاركته في حروب المنطقة.
حسب مصدر مطلع لـ عربي بوست فإنّ الرسالة السياسية الأمريكية من خلال العقوبات الأخيرة، تتركّز في شكل أساسي على محاصرة حزب الله داخلياً ومع حلفائه الأقرب.
من ستطال العقوبات؟
بحسب مصدر دبلوماسي مطلع لـ عربي بوست فإن لائحة العقوبات والتي تحتوي على عشرات الأسماء ستمرر تباعاً وستشمل على مراحل وجوهاً سياسية وإدارية ومشاركة في الحكم وتحالفت مع حزب الله وثبتت وجوده السياسي في اللعبة الداخلية والخارجية، وبحسب المصدر فإن تسريبات الأسماء ستكون مفاجأة حيث ستشمل وزراء ونواباً سابقين وحاليين بالإضافة لأشخاص يلعبون في الظل.
يؤكد المصدر أن لائحة العقوبات حسمت مجموعة من الأسماء أبرزهم الوزيران جبران باسيل وسليم جريصاتي، باسيل وبحسب المصدر مرر لحزب الله العديد من الأهداف في الحكم ومكنه من فرض سياساته وكان غطاء شرعياً للحزب في المعادلة المحلية وبرر له خارجياً في المحافل الدولية والعربية، كما يتهم باسيل بحسب المصدر بالمساهمة عقد صفقات سياسية مع حزب الله في مراحل دقيقة وسبب في قوة نفوذ الحزب في إدارات الدولة.
كما يتهم جريصاتي بأنه محامي الدفاع عن حزب الله في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بالإضافة لتعيين قضاة محسوبين على حزب الله في السلك القضائي خلال توليه مهام وزارة العدل اللبنانية، كما يشدد المصدر أن العقوبات قد تشمل وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق بكونه كان يطلع حزب الله على مجريات عمل الوزارة وساهم بتعزيز صلاحيات المحسوبين على الحزب في المؤسسات الإدارية التابعة للداخلية، كما يؤكد المصدر أن أبرز الأسباب على عقوبات المشنوق هي غض النظر على عملية التزوير التي شابت الانتخابات النيابية في العام 2018، وخاصة في مناطق نفوذ حزب الله وحلفائه.
الفساد بند من بنود العقوبات
يشدد مصدر سياسي متابع لملف العقوبات أن العقوبات الأمريكية على المسؤولين اللبنانيين ستشمل شخصيات من مختلف المكونات والطوائف، بسبب علاقاتهم بالحزب أو لارتباطهم بملفات فساد. وهذا نوع جديد في النهج السياسي الأميركي مع لبنان منذ سنوات. ويؤكد أن هناك أسماء كثيرة أُدرجت على لوائح الإرهاب الأميركية، وتضم سياسيين، ورجال أعمال، مقاولين، ضباطاً سابقين في الجيش اللبناني، وربما في الأجهزة الأمنية الأخرى.
ويفترض بالعقوبات أن تؤسس مساراً أمريكياً جديداً، ومتعدد الأهداف في لبنان: وهو تحذير المستهدفين من مغبة التواصل مع حزب الله، باعتباره قوة أمر واقع لا يمكن تجاوزها. فيما تريد السياسة الأميركية تكريس الانسلاخ السياسي والشعبي اللبنانيين عن الحزب ومشروعه المناهض لواشنطن.
ويرى أن هذا المسار من العقوبات بدأ ولن ينتهي قريباً، ولم يعد متعلقاً بعملية تشكيل حكومة مصطفى أديب وبكيفية تشكيلها أو نوعها. فلقد أصبحت شخصيات من القوى السياسية اللبنانية كلها إذاً، مشمولة بالعقوبات التي ستطاول نصف مكونات لبنان وقواه، التي تتشكل منها الحكومة والمجلس النيابي، ويؤكد المصدر أن ملفات الفساد لا تختلف عند واشنطن عن التعامل مع حزب الله، الأمر الذي سيبرر وجود عقوبات على شخصيات مقربة من تيارات حليفة تاريخياً لواشنطن كمدير مكتب رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، نادر الحريري والذي بحسب المصدر يتهم بالعديد من ملفات الفساد بالشراكة مع شخصيات سياسية ورجال أعمال واستغلال موقع لتحصيل مكاسب في قطاعات الكهرباء والاتصالات والنفايات والمشاريع لدى وزارات يشرف عليها تيار المستقبل أو التيار الوطني الحر.
وآخرها مشروع إنشاء سد في منطقة بسري -في جبل لبنان- والذي أوقفته الاحتجاجات واضطر البنك الدولي لوقف تمويله لحصول اعتراضات شعبية وتقنية عليه، ويضيف المصدر أن وضع نادر الحريري على لائحة العقوبات هو رسالة أميركية لسعد الحريري أن واشنطن ممتعضة من انسياق الحريري وراء التسوية الرئاسية التي أجراها والذي يتهم ابن عمته نادر الحريري بصوغ بنودها مع الوزير السابق جبران باسيل ورجل الأعمال المصري علاء الخواجة، وفق محاصصة واضحة في المشاريع والقطاعات العامة.
أحلام رئاسية في مهب الريح
لا ينفي قيادي في تيار مسيحي معارض أن العقوبات الأمريكية ستتطوّر وستصيب نيرانها شخصيات جديدة، لذلك فإن فرضها على وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس هو رسالة إلى الوزير سليمان فرنجية أيضاً بأن الاستمرار في دعم سياسة حزب الله وإبقاء العلاقات مع النظام السوري على ما هي عليه وسط سريان مفعول قانون "قيصر، هما من العناصر التي ستمنعه من الوصول إلى قصر الرئاسة في بعبدا.
لأن الإدارة الأمريكية بحسب القيادي المسيحي لن تسمح بوصول رئيس داعم لحزب الله ونظام الأسد إلى موقع الرئاسة الأولى في لبنان بعد اليوم ويرى الأمريكي بحسب الرجل أنه إذا ساعد الوزير فنيانوس الحزب بهذا الشكل من منصبه كوزير للأشغال عبر تمرير شحنات الأسلحة من المنافذ والمطارات والمرافئ وسهل عملية إلغاء الضرائب الجمركية عن بضائع خاصة بالحزب فماذا سيفعل فرنجية إذا وصل إلى رئاسة الجمهورية وما ينطبق على فرنجية، ينطبق على باسيل، لكن الأخير أكثر مرونة وليس مبدئياً. لكن لا بوادر حالياً الى إمكان فض تحالفه مع حزب الله، وبالتالي فإن الأمريكي سيبقى رافضاً لأي رئيس يشبه ميشال عون، كما أن باسيل يواجه رفضاً داخلياً شرساً خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين، وتعرضه للعقوبات سيؤدي إلى القضاء على أحلامه الرئاسية.
المسارات والرسائل
يرى الصحفي اللبناني جوني منير أن مسار العقوبات على أشخاص معينين يحتاج إلى مسار طويل داخل المؤسسات الأمريكية فهنالك إلزامية الحصول على موافقة عدد من الوكالات الرسمية الأمريكية، والتي لديها اختصاصات مختلفة للجمع ما بين الإمساك بأدلة، ودراسة الجوانب المالية من كل نواحيها وطريقة التعامل معها مستقبلاً.
فصدور العقوبات لا يرتبط بالضرورة بتوقيت سياسي للبلدان التي تنتمي إليها الشخصيات المستهدفة، وبالتالي ليس من الضرورة أن تكون وزارة الخارجية الأمريكية على اطلاع وافٍ بجوانبها، لكن العقوبات التي طالت خليل وفنيانوس، كانت هذه المرة منسّقة جيداً وبشكل وثيق مع وزارة الخارجية الأمريكية، بدليل التصريحات المسبقة لوزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو ومساعده لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر.
وبالتالي فإنّ لهذا القرار جانباً سياسياً واضحاً، ورسالة أمريكية سياسية لا لبس فيها، تولّى شينكر نقلها بصراحة: يجب أن يكون للبنان من الآن وصاعداً سياسات مختلفة تناهض توجهات واشنطن.