لم تعد الأزمة السياسية في ليبيا أزمة داخلية بين حكومة الوفاق -معترف بها دولياً- وبين خليفة حفتر فبعد توصل طرفي النزاع في ليبيا في ختام المحادثات البرلمانية التي جرت في مدينة بوزنيقة الساحلية المغربية إلى "اتفاق شامل حول معايير تولي المناصب السيادية بهدف توحيدها"، فهل يمكن حل الأزمة الليبية دون حفتر.
يقول المحلل السياسي محمد فؤاد لعربي بوست: "إن هزيمة حفتر العسكرية التي لحقت به بطرابلس في يناير الماضي أضعفت موقفه السياسي وجعلته يعود يرجع خطوة للوراء، موضحاً أن حفتر لا يستطيع الحصول على مبتغاه إلا عن طريق الحروب".
فالدول الداعمة لحفتر غير متشجعة لإرجاعه للمشهد الليبي في الوقت الراهن، كما أن المجتمع الدولي توصل لقناعة استمرار الوضع لما هو عليه في ليبيا بعد تباعد المواقف بين أعضاء مجلس الدولة وأعضاء مجلس نواب طبرق في جنيف والمغرب.
تابع فؤاد أن العبث السياسي الذي تقوم به الأطراف السياسية بطرابلس قد يعجل بإرجاع حفتر للمشهد من جديد، مشيراً إلى أن الوفد المشارك في حوار المغرب يسعى لمناقشة المناصب السياسية دون اكتراث للمشكلة الحقيقية التي يجب مناقشتها والمتمثلة في إيقاف الحرب وسحب المرتزقة وبدء تصدير النفط وتقديم المطلوبين للعدالة وانهاء التمرد.
نوه فؤاد أن خليفة حفتر لن يستطيع المشاركة في أي عملية سياسية جديدة بعد الفرصة التي ضيعها في اتفاق أبوظبي 2 عام 2018.
ويرى المحلل السياسي عبدالسلام الراجحي أن دور خليفة حفتر في الأزمة الليبية أصبح ثانوياً، وأن المستحوذ الفعلي في الوقت الراهن على الأزمة الليبية هي روسيا وحفتر ما هو إلا واجهة.
قدمت روسيا عقيلة صالح كواجهة للعملية السياسية في الوقت الراهن وأعطت الأوامر لحفتر بالرجوع خطوة للخلف، مشيراً إلى أن الإمارات تحاول عن طريق ميليشيات حفتر المحلية انتهاك عملية وقف إطلاق النار بإطلاق القذائف العشوائية بهدف التشويش.
أكد الراجحي أن خليفة حفتر لن يسمح لأي حل سلمي للازمة الليبية بأوامر من حليفه الروسي وسيستمر في التصعيد العسكري لان العملية السياسية التي يريدها حفتر وحليفه الروسي معقدة ولا تلبي المصلحة العامة الليبية.
شروط عقيلة من الصعب تلبيتها
يرى الراجحي أن الاجتماعات التي تدور في المغرب وجنيف ومصر لن تحقق أي نجاح، حيث تشير النتائج إلى أن اجتماع جنيف منقسم على ثلاث وجهات نظر مختلفة تماماً ومن الصعب التوافق بينها، حيث يريد أنصار النظام السابق الذين يتزعمهم نجل معمر القذافي سيف الإسلام إعادة العملية السياسية منذ البداية بهدف إعادته للسلطة.
ومجموعة أخرى تريد استمرار المجلس الرئاسي مع بعض التعديلات الوزارية، ومجموعة أخرى تريد تعديل الاتفاق السياسي ومن ثم تعديل المجلس الرئاسي وما يتبعه من إجراءات كتكليف حكومة مستقلة عن المجلس.
أما في الزنيقة بالمغرب فشروط عقيلة صالح من الصعب تلبيتها والموافقة عليها من قبل المجلس الأعلى للدولة، لأن المبادرة الامريكية تشترط انسحاب ميليشيات حفتر من سرت والجفرة والهلال النفطي وإعادة ضخ النفط وهذا لم تلبه ميليشيات حفتر، وروسيا ترفضه حيث تحدث وزير الخارجية الروسي عن وقف إطلاق النار غير المشروط، وهو ما يدل على نيتهم الاستمرار في التواجد والعمل العسكري عبر مرتزقة شركة فاغنر في ليبيا.
وأضاف الراجحي "تصعب عملية التقارب بين تيار عقيلة صالح وحكومة الوفاق بسبب الاشتراطات المجحفة وعدم الثقة التي يطلبها عقيلة صالح برغبته السيطرة على المجلس الرئاسي والمصرف المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط وشركة الاستثمار الخارجي الأمر الذي يجعل تلبيتها صعبة والموافقة عليها مستحيلة.
ونوه الراجحي أنه في حال نجحت تلك المفاوضات سيقوم حفتر بعملية عسكرية ولو كانت مغامرة محدودة ليفشل أي محاولة تقارب بين الأطراف وهو ما فعله في 2014 بقصف مطار معيتيقة عندما كان وفد الحوار التابع للمؤتمر الوطني العام يستعد للمشاركة في الحوار الذي ترعاه الأمم المتحدة بالمغرب لإرباك المشهد وإفشال أي عملية سياسية.
يهدد حفتر المنطقة بإشعال حرب، ويستخدم أبواقاً إعلامية عن طريق قناة الحدث التي يملكها لمهاجمة كل الحوارات المنعقدة في جنيف والزنيقة ومصر، والتي من شأنها تحقيق توافق بين الأطراف الليبية المتصارعة
اتفاق شامل بين مجلسي النواب والدولة
من جانب آخر أعلن أعضاء المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب المشاركون في اجتماعات بوزنيقة بالمملكة المغربية، مساء الخميس 10 أغسطس/آب 2020، اتفاقاً شاملاً حول المعايير والآليات الشفافة والموضوعية، لتولي المناصب السيادية.
وأضاف أعضاء الوفدين في بيان مشترك أنهما اتفقا أيضاً على استرسال هذا الحوار واستئناف هذه اللقاءات في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري، من أجل استكمال الإجراءات اللازمة، التي تضمن تنفيذ وتفعيل هذا الاتفاق.
وأكد أعضاء الوفدين في البيان أن ذلك يأتي تطبيقاً للمادة رقم (15) من الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات، وتأكيداً على مخرجات مؤتمر برلين، التي تدعم الحل السياسي، وبناء على قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
وأكد البيان أن لقاءات الوفدين في منتجع الباهية بضواحي العاصمة المغربية الرباط جاءت من أجل توافق بين المجلسين حول المناصب السيادية بهدف توحيدها، وفي أجواء ودية أخوية يسودها التفاهم والتوافق.
زيارة القاهرة تدعم مسارات جنيف والمغرب
قال عضو المجلس الأعلى للدولة، أبو القاسم اقزيط في تصريح صحفي، إن زيارة وفد من المنطقة الغربية القاهرة، جاءت لدعم المسارات التي انطلقت في جنيف والمغرب لا عرقلتها، خصوصاً في ضوء الإعلان عن وقف إطلاق النار في 21 أغسطس/آب الماضي.
وأوضح اقزيط أن الوفد مكون من أعضاء بمجلس النواب المنعقد في طرابلس، وأعضاء بالمجلس الأعلى للدولة، وبعض قيادات بركان الغضب، مشيراً إلى أنه ممثل للمنطقة الغربية في ليبيا وليس حكومة الوفاق.
وأشار إلى أن زيارة الوفد هدفت إلى الاستماع إلى وجهة النظر المصرية والتقريب بينها وبين وجهة نظر المنطقة الغربية والدفع بجهود السلام، مؤكداً أنه لا نية لزيارة الإمارات في الوقت الراهن، فيما كشف عن الترتيب لزيارة تركيا قريباص.
وتوقع أن يلتقي الوفد مسؤولين كباراً بالدولة المصرية، لافتاً إلى أن المباحثات ستركز على دعم جهود السلام، وتوحيد السلطة التنفيذية في ليبيا.
وفي ذات السياق، أكد عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، أن الهدف من زيارة القاهرة هو مناقشة موقف مصر من الأحداث الجارية في ليبيا وما هي رؤيتهم خصوصاً المنطقة الغربية، مشيراً إلى أنهم لا يعولون على الدول البعيدة بل على الجغرافيا والدول التي تربطنا بها علاقات تاريخية وجغرافيا واحدة، خصوصاً مصر، لأن دورها محوري ومهم في الأحداث الحالية ولا يمكن إقصاؤه.
ورغم تأكيد اقزيط وبن شرادة حضور أعضاء من المجلس الأعلى للدولة إلى القاهرة، نفى المكتب الإعلامي للمجلس مساء الثلاثاء، توجه أي وفد من المجلس إلى مصر، مبدياً ترحيبه بأي دعوة توجه له لزيارة مصر، للتباحث فيما يخدم مصالح البلدين الشقيقين.