استطاع صحفي فرنسي من خلال تسلله إلى جهاز الشرطة كشف تفاصيل مروّعة عن ثقافة العنصرية والعنف المتأصلة داخل أجهزة الأمن الفرنسية، وسوء تدريب وتوجيه لأفرادها، بعد قضائه 6 شهور في مركز للشرطة داخل أكثر المناطق التي تشهد أحداث عنف وجريمة شمال باريس.
صحيفة "الغارديان" البريطانية نشرت تقريراً عن الصحفي فالنتين غندروت (32 عاماً) الذي نشر كتابه الأربعاء 2 سبتمبر/أيلول 2020، تحت عنوان "شرطي.. صحفي يخترق الشرطة"، بعدما استطاع التسلل والعمل كشرطي، حيث خدم قرابة ستة أشهر في مركز للشرطة شمال العاصمة.
يشير غندروت إلى أن العنف كان متكرراً لدرجة أنه أصبح شبه عادي، كما يصف حادثة أُجبر فيها على المساعدة في تزوير الأدلة ضد مراهق تعرّض للضرب من قبل ضابط.
يقول: "لقد صُدمت حقاً عندما سمعت ضباط شرطة، من ممثلي الدولة، ينادون السود أو العرب أو المهاجرين بـ"الأوغاد"، لكن الجميع كان يفعل ذلك.
الصحفي الفرنسي يوثق في كتابه كيف يتم الاعتداء على أطفال صغار وقاصرين بشكل شبه يومي من ضباط في الشرطة، حيث أكد أن الضباط يضمنون لأنفسهم الحماية ضمن "نظام عشائري" من تبادل المصالح داخل الجهاز، حيث يضمن النظام للضباط رتباً متقاربة لحماية أنفسهم، ما يؤدي إلى الشعور بالإفلات من العقاب.
في مقتطفات من كتابه يقول: "إنهم لا يرون شاباً، بل مجرماً، بمجرد إثبات هذا التجريد من الإنسانية، يصبح كل شيء مبرراً، مثل ضرب مراهق أو مهاجر"، مضيفاً: "ما يذهلني هو في أي نقطة يشعرون بأنهم لا يمكن المساس بهم، كما لو أنه لا يوجد رئيس، ولا مراقبة من قبل التسلسل الهرمي، كما لو أن ضابط الشرطة يمكنه أن يختار -وفقاً لإرادته الحرة أو كيف يشعر في تلك اللحظة بالذات- أن يكون عنيفاً أم لا".
وقائع: في إحدى دورياته الأولى، وصف كيف قام زميل له بضرب مهاجر مراهق في مؤخرة عربة الشرطة.
كتب قائلاً: "فقط أسبوعين بالزيّ العسكري وأصبحت بالفعل متواطئاً في ضرب مهاجر شاب، "لم يتم كتابة الحادثة، فما حدث في الشاحنة، يبقى في الشاحنة".
وفي مناسبة أخرى، تم إرسال غندروت ودوريته للتحقيق بعد شكوى بشأن شبان مع متحدث، وعندما قام زميله بإهانة أحد الشبان ورد الشاب بالكلام تعرّض الشاب للضرب والاعتقال والاتهام.
والأسوأ من ذلك، عندما قدم الصبي الذي تعرّض للضرب شكوى رسمية ضد الشرطة، قام زملاؤه بتلفيق قصة وأصروا على أنه قدم أدلةً كاذبة محلفة إلى المحققين الداخليين، ما عرضه لتهمة تزوير الأدلة، التي تنطوي على غرامة كبيرة وسجن.
سوء في الإدارة: يقول غندروت إنه حصل على زيه العسكري ومسدسه بعد تدريب دام ثلاثة أشهر فقط، ثم تم إرساله في دورية، ولم يفحص أحد بشكل عميق هُويته وخلفيته المهنية.
أُرسل غندروت إلى مركز للشرطة في واحدة من أكثر المناطق رعباً في شمال باريس، يبلغ عدد سكانها 190 ألف نسمة، وتنتشر فيها مشاكل جنوح الأحداث والمخدرات والدعارة، وأمضى هناك 6 شهور.
صُدم غندروت عندما اكتشف مدى سوء تدريب مجندي الشرطة، وكيف أن التوتر المستمر والعداء اليومي والعنف الذي يواجهونه من ضباطهم يدفعهم إلى الاكتئاب والانتحار.
صحفي استقصائي: بحسب الغارديان، عمل غندروت في الصحف والإذاعة المحلية بعد تخرجه في كلية الصحافة وأجرى العديد من التحقيقات السرية، بما في ذلك العمل في خط إنتاج تويوتا، وسوبر ماركت ليدل، قبل الانضمام إلى الشرطة.
يقول غندروت عن تجربته: "أردت أن أذهب متخفياً في مفوضية للشرطة حتى أتمكن من إظهار ما لا نراه أبداً. في فرنسا، الناس إما يحبون الشرطة أو يكرهونها، اعتقدت أن الأمر يجب أن يكون أكثر دقة".
لكن الصحفي الفرنسي أكد أن "هذا الكتاب ليس ضد جهاز الشرطة، ولكنه سرد وقائعي للحياة اليومية لضابط شرطة في منطقة صعبة في باريس"، كما وصفه بالقول: "الكل يعلم أن هناك مشكلةً، وأن خدمة الشرطة ليست مكاناً سعيداً وقد حان الوقت للقيام بشيء ما".