المظاهر خداعة! انظر إلى نبات الدفلي ذي الزهرة الجميلة باللونين الزهري والأبيض، هذا النبات الجميل يحتوي على سم قاتل، وقد استخدمت زهوره وأوراقه في جرائم قتل في الواقع وحتى في الأفلام! وكعادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أثار الجدل عندما روج للمركب النباتي أوليندرين الموجود في شجرة الدفلي كعلاج محتمل لفيروس كورونا، على الرغم من عدم وجود دليل على فعاليته.
كل هذا يجعلك تفكر للحظة كيف تزرع هذه النبتة السامة في شوارعنا ونتركها في متناول الجميع؟ وما طبيعة هذه المادة السامة؟ ولماذا قد يروج لها كعلاج محتمل لفيروس كورونا؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه.
أوليندرين مستخلص نباتي شديد السمية على البشر والحيوانات
الدفلى نبات شديد السمية من عائلة الأبوسيناسيا. على الرغم من شهرتها بجمالها واستخدامها في إعطاء مناظر طبيعية جميلة في وسط المدن، لكن هذه الشجرة مسؤولة عن حالات كثيرة من التسمم العرضي حول العالم. فإذا تناول شخص أو أكل حيوان أي جزء من أجزاء النبات فإنه يسبب اضطراب ضربات القلب ويمكن أن يكون قاتلاً.
المادة الكيميائية التي تسبب سمية النبات المميتة، هي أوليندرين، يعرفه العلماء باسم جليكوسيد القلب، وهو فئة من المركبات العضوية ذات سمة مشتركة: فهي تظهر تأثيرات قوية على أنسجة القلب، وغالباً ما يكون تأثير ذلك مميتاً.
لكن، كيف يُمكن استخدام هذه المادة القاتلة كعلاج محتمل لفيروس كورونا؟
كانت أحدث توصيات الرئيس ترامب لمكافحة الوباء هي "علاج" غير مثبت لفيروس كورونا مشتق من مادة الأوليندرين الشديدة السمية.
تم اقتراح أوليندرين على الرئيس من قبل وزير الإسكان والتنمية الحضرية بن كارسون، وكذلك الرئيس التنفيذي لشركة MyPillow مايك لينديل في اجتماع في المكتب البيضاوي في شهر يوليو/تموز من عام 2020، وفقاً لتقرير Axios.
مايك ليندل، المعروف بعلاقته الجيدة بالرئيس ترامب، أعلن عن دعمه للمستخلص التجريبي، وهنا نحتاج أن نسأل لماذا يدعمه ليندل؟ إذ ربما يكون رأيه هذا متأثراً بامتلاكه حصة مالية في الشركة التي تطور منتج الأوليندرين Phoenix Biotechnology.
بمساعدة ليندل، التقى أندرو ويتني، المدير التنفيذي في فينيكس للتكنولوجيا الحيوية، شخصياً مع الرئيس لمناقشة الآثار الطبية لأوليندرين، حسبما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر. وقد تمسك ويتني بزعمه أن أوليندرين لديه القدرة على أن يشفي كورونا في غضون يومين.
إذ أظهرت إحدى الدراسات التي أجرتها تلك الشركة أن أوليندرين يمكن أن يثبط فيروس كورونا في الاختبارات المعملية، ويبدو أنه يقلل من إجراءات العدوى في خلايا الكلى المشتقة من القرود. لكن أخبر ليندل Axios أن ترامب "قال في الأساس إن إدارة الغذاء والدواء الأمريكية يجب أن توافق على أوليندرين"، خصوصاً مع التفكير في آثاره الجانبية المحتملة.
لكن في الحقيقة، لا توجد بيانات عامة تُظهر أنه قد تم اختبار الأوليندرين على الإطلاق على الحيوانات أو البشر من حيث فعاليته ضد كوفيد-19، ولكن المستخلص أظهر بعض الأدلة على تثبيط الفيروس في دراسة تمت في مختبر لم يخضع لمراقبة. وهذا يعني صعوبة أن يجرب مباشرة على البشر، والحاجة لعشرات الاختبارات المعملية قبل البدء في استخدامه على البشر ولو في إطار تجريبي.
تخوف الباحثين والعلماء من الأوليندرين
وجد الباحثون أن الأوليندرين يمكن أن يعزز علاجات السرطان بسبب الطريقة التي يتفاعل بها المستخلص النباتي مع الخلايا، ولكن لا يوجد الكثير من الأدلة العامة المتاحة لاختبار تأثير الأوليندرين على المرضى المصابين بكوفيد-19، أو حتى إمكانية علاجه السرطانات دون آثار جانبية.
يبدو أن الأوليندرين يمتلك نشاطاً مضاداً للفيروسات بجرعات عالية في نموذج أنبوب اختبار، ولكن يجب إجراء المزيد من العمل، كما أشارت البروفيسور شارون لوين، مدير معهد بيتر دوهرتي للعدوى والمناعة في جامعة ملبورن.
كما أعرب مسؤول إداري كبير عن قلقه بشأن "تورط" كارسون وليندل في التوصية لمنتج "مشكوك فيه على أعلى المستويات". ينبغي أن يقلل هذا المركب الأمريكيين أكثر بشأن صحتهم"، وفقاً لرأيه الذي نقله موقع Business Insider الأمريكي.
وأضاف المسؤول أن كارسون الذي يتمتع بخبرة في جراحة أعصاب الأطفال، يعمل في فرقة العمل المعنية بفيروس كورونا بالبيت الأبيض، على الرغم من أن نطاق معرفته بالأدوية المضادة للفيروسات "ليس معروفاً".
المثير للقلق أيضاً أنه قبل الأوليندرين، كان ترامب يروّج أيضاً لهيدروكسي كلوروكوين، وهو دواء مضاد للملاريا، لعلاج فيروس كورونا. ومع ذلك، فقد نصح خبراء الصحة -بما في ذلك إدارة الغذاء والدواء الأمريكية- بعدم استخدام الدواء كعلاج. وكانت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية قد ألغت سابقاً موافقتها على الدواء، مشيرة إلى "خطر حدوث مشكلات في ضربات القلب" لدى المرضى الذين يتناولون الدواء لعلاج كوفيد-19، كما أورد موقع CNBC.
سم غامض استُخدم في جرائم القتل الواقعية والدرامية
تم استخدام الأوليندرين لتسميم العاشق الخائن في رواية وفيلم "الدفلى الأبيض". كما استخدمت المادة السامة في جريمة قتل عام 2000 حيث زُعم أن امرأة تدعى أنجلينا رودريغيز قامت بتسميم زوجها بأوراق الدفلي ومادة مضاد التجمد. لم تدَن رودريغيز بوفاته إلا بعد ثلاث سنوات، وقال المحققون في القضية إن نتائج التشريح لم تكشف عن السم فوراً، وفقاً لصحيفة Pacenda Star News.
أيضاً، قبل عقد من الزمان، خضع موظف في شركة إقامة جنازات للمحاكمة بزعم أنه استخدم أوراق الدفلي لتسميم موظف منافس له. وبحسب ما ورد هدد الضحية القاتل بأن يفضح سوء سلوكه، فقد كان القاتل المزعوم يقوم بسرقة أجزاء من أجسام الأموات وإزالة الأسنان الذهبية من الجثث وبيعها.
ساهمت هاتان الحالتان في تكوين أسطورة ثقافية عن الدفلي باعتباره سماً غامضاً وغير قابل للكشف، مما يجعله خياراً شائعاً في قصص الغموض والقتل والرمزية الفنية والفولكلور.
الاستخدامات الطبية للأوليندرين
عند استخراجه من النبات، تم استخدام الأوليندرين في العلاجات الطبية التجريبية، ولكن لا يزال من المحتمل أن يكون مميتاً إذا تم استخدامه بشكل غير صحيح.
تم اكتشاف الأوليندرين كعلاج محتمل للسرطان، حيث يبدو أن له بعض التأثير على تثبيط الخلايا السرطانية في التجارب المعملية، ولكن لا يوجد دليل في التجارب السريرية على أنه يمكن أن يساعد بأمان في علاج مرضى السرطان، وفقاً لمركز "ميموريال سلون كيترينج" للسرطان.
كما أن له تاريخاً طويلاً في استخدامها كوسيلة للانتحار عن طريق تناول الأوراق والبذور عمداً، وهناك العديد من الحالات الموثقة لأشخاص قاموا بتسميم أنفسهم عن طريق الخطأ أثناء محاولتهم استخدام الدفلي كعلاج عشبي.
حتى الكميات الصغيرة من النبات يمكن أن تكون خطيرة، مع تقاريرعن أشخاص دخلوا المستشفى بعد التعرض غير المباشر للنبات، مثل طهي الطعام على فرع الدفلي أو أكل القواقع التي أكلت الدفلي، إذ يسبب تناولها الإسهال والغثيان والقيء ومشاكل في القلب، بما في ذلك عدم انتظام ضربات القلب، وقد يؤدي إلى الموت في نهاية المطاف إذا لم يتم علاجها.