قرابة الأربع ساعات قضاها الرؤساء التنفيذيون لكل من شركات آبل، وأمازون، وجوجل، وفيسبوك، في جلسة الاستماع الخاصة التي عقدتها لهم اللجنة الفرعية الخاصة بمكافحة الاحتكار بمجلس النواب الأمريكي، حضر كل من تيم كوك ممثلاً عن آبل، وجيف بيزوس ممثلاً عن أمازون، وساندر بيتشاي عن جوجل، وأخيراً مارك زوكربيرغ عن فيسبوك، إليك أهم ست لقطات من الجلسة التي وجه خلالها النواب الأمريكيون إلي الرؤساء التنفيذيين لكبرى شركات التكنولوجيا العديد من الاسئلة حول عدد من المواضيع بدءاً من الاحتكار وانتهاءً بخطاب الكراهية.
1- نواب الكونغرس الديمقراطيون جاهزون هذه المرة
إذا كنت تذكر فى آخر مرة مثل أمامها مارك زوكربيرغ أمام مجلس النواب الأمريكي بخصوص فضيحة كامبريدج أناليتكا بدا وكأن غالبية النواب الأمريكيين لا يفهمون تماماً كيف يعمل فيسبوك من الأساس، ولكن يبدو أن النواب الديمقراطيين كانوا على أتم الاستعداد هذه المرة، بدءاً من رئيس اللجنة النائب الديمقراطي ديفيد سيسلين، الذي كان على أتم استعداد للمواجهة، ووصف تلك الشركات التكنولوجية بالاحتكارية منذ الكلمة الافتتاحية، وانتهاءً ببقية النواب الذين استحضروا وقائع عدة في تاريخ الشركات الأربع.
2- الحزب الجمهوري.. نظريات مؤامرة وتغريدة لترامب
يبدو أن مكافحة الاحتكار وحماية المنافسة لم تكونا على أجندة نواب الحزب الجمهوري والأعضاء بلجنة مكافحة الاحتكار وحماية المنافسة، فبدءاً من الكلمة الافتتاحية الخاصة بأعلى نواب الحزب الجمهوري النائب جيم جوردون، هاجم الجمهوريون شركات التكنولوجيا الأربع، لأنهم يزيلون منشورات تخص النشطاء المحافظين من على نتائج البحث ومن مواقع التواصل الاجتماعي، وهاجموا أيضاً وصف تويتر -الذي رفض مديره التنفيذي دعوة الحضور إلى الجلسة بحسب النائب جوردون- للأخبار التي ينشرها ترامب بالأخبار الكاذبة.
وعلى الرغم من تأكيد جريدة نيويورك تايمز أن جهل بعض النواب بأساسيات التكنولوجيا ربما يكون مصدره هو أن هذه الشركات نفسها تعمل بشكل متعمّد إلى تعقيد أنظمة تشغيلها لكي تصعّب على المستخدمين فهمها، غير أن هذا لن يبرر الموقف المحرج الذي وضع فيه نائب الكونغرس چيم سينسينبرينير نفسه عندما سأل مارك زوكربيرغ: "ليلة أمس، تم إيقاف صفحة دونالد ترامب الابن بسبب نشره لمنشور يتحدث عن عقار الهيدروكسي كلوروكوين، لماذا أوقفتم حسابه؟".
ابتسم مارك زوكربيرغ مجيباً بأنه الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك بينما هذه الحادثة تخص حساب ابن الرئيس الأمريكي علي تويتر ولذا فهو لا يعلم أية تفاصيل.
ولكن ربما ارتباك وخلط النائب سينسينبرينير يعدّ جانبياً إذا ما قمنا بمقارنته بسؤال النائب غريغ ستيوب الجمهوري من فلوريدا الذي سأل رئيس جوجل التنفيذي عن نظرية مؤامرة تزعم أن شركة جوجل قد غيرت نتائج البحث الخاصة بها لدعم هيلاري كلينتون أثناء انتخابات 2016 ثم بعدها وجه عدّة أسئلة عن لماذا يتم تصنيف الرسائل الإلكترونية الجماعية المرسلة من حملته على أنها رسائل "سبام" في بريد جيميل.
جدير بالذكر أن تحقيقاً مستقلاً بشركة جوجل كشف عن عدم وجود أية خطوات تم اتخاذها لدعم هيلارى كلينتون، وأن الأبحاث الإعلامية تؤكد أن الصفحات والحسابات الخاصة بالجمهوريين واليمين تحتل صدارة العديد من مواقع التواصل الاجتماعي ونتائج البحث أيضاً بخلاف رواية النواب الجمهوريين.
بينما كانت الجلسة من المفترض أن تركز على مكافحة الاحتكار، إلا أن أداء النواب الجمهوريين أتى متزامناً مع تغريدة للرئيس دونالد ترامب أعرب فيها عن عدم إيمانه بفعالية جلسة الكونغرس قائلاً: "إذا لم يقم الكونغرس بوضع حد لشركات التكنولوجيا كما كان ينبغي أن يفعلوا منذ سنوات، سأقوم بالتدخل أنا بإصدار أمر تنفيذي. حتى الآن الكثير من الكلام ولا توجد أفعال..".
وكان ترامب قد طلب من هيئة الاتصالات الفيدرالية FCC إعادة تفسير مواد قانونية بحيث تسمح لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بمقاضاة المواقع إذا قامت بوقف الخدمة أو حذف محتوى خاص بأحد المستخدمين.
3- جيف بيزوس.. لأول مرة يواجه الكونغرس
يبدو أن جيف بيزوس لم يؤدّ بشكل سيئ بالنسبة لأول مرة، فعلى عكس ساندر بيتشاي ومارك زوكربيرغ لم يدلِ بيزوس بأية شهادات أمام الكونغرس من قبل. ربما ساعدته حقيقة أنه شارك عبر تقنية سيسكو ويبكس للاتصالات من مكتبه المريح بسبب إجراءات كورونا.
بدأ أثرى أثرياء العالم كلمته بأن أمازون تعد مجرد بائع تجزئة، مثلها مثل وول مارت أو أية بائع تجزئة آخر، وقال الرجل الذي يمكنه شراء شركة بيبسي 20 مرة بثروته الشخصية فقط، بأن أمازون ليست شركة ضخمة كما يتم تصويرها فهي تحتل 1% فقط من سوق البيع بالتجزئة حول العالم، وقرابة 4% من سوق البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة. جدير بالذكر أن الأرقام التي ذكرها جيف بيزوس تشمل كل عمليات بيع التجزئة بما فيها محطات البنزين أو النوادي الليلية أو غيرها كما أشار لاحقاً النائب جو نيغوس.
أمازون سيسرق أفكارك
الاتهامات التي واجهت أمازون تدور أغلبها حول احتكار أمازون ومنافسته للبائعين، إليك كيف يعمل أمازون وفقاً لنائبة الكونغرس الديمقراطية بارميلا جايبال عن ولاية واشنطن، لنتخيل أن لديك فكرة منتج جيدة للغاية تريد بيعها، ستقوم باستخدام أمازون لعرض وتسويق وبيع المنتج على الإنترنت، إذا كانت أرباحك جيدة ولا يوجد لديك منافسة كبيرة ستكتشف خوارزمية أمازون هذا الأمر وستنبّه أمازون أن هذا المنتج يربح بشكل جيد. بعدها ستقوم أمازون بصنع وبيع هذا المنتج على نفس الموقع وتنافسك بسعر أرخص، لأنك لا تستطيع منافسة شركة بهذا الحجم، بالإضافة إلى أنهم أصحاب الموقع الذي يساعدك على البيع في كل الأحوال، سيستخدم أمازون بعدها قوته لمنافستك، على سبيل المثال عندما يقوم أحد المستخدمين بسؤال أليكسا عن شراء هذا المنتج، ستقوم أليكسا بترشيح المنتج الخاص بأمازون له وليس منتجك، مع الوقت سيبيع منتج أمازون أكثر منك وستتوقف عن البيع تماماً.
وهذا هو السيناريو الذي لم يستطع بيزوس إنكار أي من تفاصيله، كما أنه يلخص قصة بائعة كتب على أمازون أدلت بشهادة مسجلة عرضتها إحدى النواب.
أمازون يتلاعب بأسعار الحفاضات في أمريكا
ناقش الاجتماع أيضاً كيف تلاعب أمازون بأسعار الحفاضات فى الولايات المتحدة، فعندما بدأ موقع يسمى Diapers.com بمنافسة أمازون في التخصص في بيع حفاضات الأطفال، وعندما علم بيزوس بالمنافسة قام بإنشاء قسم في أمازون يسمى أمهات أمازون باع خلاله حفاضات الأطفال بأسعار مخفضة للغاية، ونشر العديد من التخفيضات على الحفاضات، بسبب عدم استطاعة موقع Diapers.com الناشئ منافسة أمازون بكل هذه التخفيضات اضطر أصحاب الموقع إلى الموافقة على بيعه إلى أمازون.
بالطبع قام أمازون بإلغاء قسم أمهات أمازون وكل التخفيضات على الحفاضات فور شرائه للموقع. اعترف بيزوس خلال أسئلة النائبة ماري غاي سكانلون (ديمقراطية – بنسلفانيا) بأنه قام بتوجيه هذه الحملة لكنه لم يستطع تذكر التفاصيل مثل المبلغ الذي تم صرفه خلال هذه الحملة لإضعاف Diapers.com.
4- ساندر بيتشاي.. جوجل ليست لصاً
واجه ساندر بيتشاي أسئلة صعبة، فعلى جانب الجمهوريين قاموا بالتشكيك في وطنية جوجل بسبب تعاونه في مشاريع بحثية مع جامعات صينية تتلقى تمويلات من الجيش الصيني، بالإضافة إلى حقيقة أن جوجل كان قد انسحب من أحد المشروعات التي يتعاون فيها مع الجيش الأمريكي باسم مشروع ماڤين يعمل على استخدام الذكاء الصناعي عسكرياً، وذلك بعد توقيع أكثر من ألف موظف لدى جوجل يطالبونه فيها بالانسحاب.
أكد بيتشاي قلة أنشطة جوجل في الصين، وكذلك أكد أن تعاون البنتاغون مع جوجل مستمر في مجالات أخرى مثل الأمان الرقمي وغيرها.
أما على الجانب الديمقراطي فقد واجه جوجل وقتاً صعباً بسبب استحواذه على العديد من الشركات الصغيرة في شتى المجالات، وكذلك بسبب ما سمّوه سرقة، فقد قام جوجل بسرقة كل مراجعات المستخدمين المكتوبة على موقع المراجعات والتقييم الشهير yelp.com وإضافتها كميزة في تطبيقه، فطلب موقع yelp من جوجل أن يقوم بإلغاء الأمر، كان رد جوجل هو التهديد بحذف الموقع بالكامل من على محرك البحث.
بالإضافة إلى إثارة بعض النواب أسئلة عن الخصوصية والأمان الرقمي، فوفقاً لمحادثة وقعت في 2007 أشار إليها أحد نواب الحزب الديمقراطي، فإن جوجل كانت تناقش مراقبة المستخدمين عبر أنظمة الخرائط والاحتفاظ بالمعلومات الخاصة بهم لأغراض إعلانية مثلما تقوم الآن، لكن الشركة تراجعت لأنها خافت أن تخسر المستخدمين، أشار النائب إلى أن الذي تغير منذ 2007 إلى الآن هو احتكار جوجل بينما، أصر بيتشاي على أن التكنولوجيا نفسها تغيرت.
5- تيم كوك.. متجر آبل لا يقتل المنافسة
كان تيم كوك هو أكثر الحاضرين هدوءاً، وكذلك أقل من تم توجيه أسئلة له، بدأ كلمته الافتتاحية باقتباس من ستيف جوبز الراحل مؤسس الشركة، مشيراً إليه باسمه الأول فقط في تذكير بصداقتهما الطويلة، لم تواجه آبل تحدياً يُذكر من الجمهوريين، ولكن على الجانب الآخر من القاعة كان للديمقراطيين رأي آخر، تركزت الأسئلة إلى تيم كوك حول متجر آبل الإلكتروني وما إذا كان من العدل إجبار المطورين على استخدام بوابات الدفع الخاصة بآبل، وأكد كوك أن رسوم متجر آبل لم تتغير أبداً. ولكن لا يوجد ما يمنع آبل من تغييرها. كنا قد نشرنا فى "عربي بوست" تقريراً خاصاً عن مشكلة الرسوم الأخيرة الخاصة بالمتجر.
6- مارك زوكربيرغ.. أنا أو الصين!
بدأ مارك كلامه بأن فيسبوك ليس كبيراً أصلاً ليكون تحت المساءلة هنا، فوفقاً لزوكربيرغ "أسرع تطبيق نمواً هو تيك توك، أكبر تطبيق فيديوهات هو يوتيوب، أسرع منصة إعلانية نمواً هي أمازون، أما عن أكبر منصة إعلانات فهي جوجل، أكثر تطبيق رسائل فورية مستخدم في الولايات المتحدة هو IMessage الخاص بآبل".
ويبدو أن مارك قد خفف من حدة كلامه تجاه الصين بالنسبة للنسخة الأصلية من خطابه التي أودعها إلى الكونغرس قبل عدة أيام، حيث كانت تركز على أن معاقبة أو وضع قوانين تقيد شركته سيعني قدرة الصين على السيطرة بشكل أكبر، وكان المدير التنفيذي لتيك توك كيفين ماير الأمريكي الجنسية والمدير التنفيذي السابق لديزني قد انتقد خطاب مارك، وقال إن تيك توك ليس العدو وإن كلام زوكربيرغ هو كراهية فى هيئة وطنية.
مارك زوكربيرغ هو أكثر من واجه أسئلة صعبة، تركزت الأسئلة لفيسبوك من الديمقراطيين على ما يعتقدون أنه رقابة على أنصار ترامب على المنصة، وأكد زوكربيرغ أنه يعمل على محاربة خطاب الكراهية وتحديده بمجرد نشره فوراً بواسطة الذكاء الصناعي. وأكد أن الذكاء الصناعي حالياً ينجح بنسبة 80% في تحديد خطاب الكراهية وسيتحسن بشكل أكبر مع الوقت.
وبالطبع تم سؤال زوكربيرغ عن صفقتي استحواذ فيسبوك على واتس آب وإنستغرام وعن ضغطه على الشركتين للرضا ببيعهما، وإلا كان سيقوم بتقليدهما مثلما فعل بسناب شات، وقد أكد زوكربيرغ أن فيسبوك كان يحاول شراء سناب شات بينما يقوم بتقليد مميزاته.
ما الذي سيحدث؟
هذه الجلسة كانت مجرد بداية لمناقشات أوسع في المجتمع الأمريكي وبين النواب لمحاولة الوصول إلى اتفاق حول ما إذا كانوا يرغبون بتعديل مكافحة الاحتكار لتشمل شركات الإنترنت، وكذلك فإن الأمر التنفيذي الذي تحدث عنه الرئيس ترامب قد يقوم بتغيير الكثير، في الأسابيع القادمة سينكشف الستار عن إذا ما كان النواب الأمريكيون سيتأثرون بكلام زوكربيرغ عن منافسة فيسبوك مع الصين أو بيزوس عن خلق 2.2 مليون فرصة عمل أم سيقومون بمناقشة قانون جديد لمكافحة الاحتكار فى مجال التكنولوجيا قريباً.