كشف تقريرٌ سريٌّ للغاية أصدره المجلس الاستشاري الاستخباراتي للرئيس الأمريكي عام 1990، أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، كانتا قريبتين بصورةٍ خطيرة من الحرب النووية في العام 1983، وذلك بعد أن أجرى المجلس، الذي يشرِف على مجتمع الاستخبارات الأمريكي نيابةً عن البيت الأبيض، مقابلاتٍ مع 75 مسؤولاً أمريكياً وبريطانياً، وتفحَّصَ عدداً كبيراً من التقييمات الاستخباراتية والوثائق الرسمية التي تعود إلى أوائل الثمانينيات.
وفق تقرير لمجلة National Interest الأمريكية، الأحد 19 يوليو/تموز 2020، فإن التقرير الذي أصدره المجلس، بعنوان "الخوف من الحرب السوفييتية"، بمثابة تقييم بأثر رجعي لما يعتقد الكثيرون أنه كان الفترة الأخطر من الحرب الباردة منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
تحليل لقوة السوفييت: يبدأ تحليل المجلس الاستشاري الاستخباراتي للخوف من الحرب بمناقشة نقاط الضعف الاستراتيجية لدى الاتحاد السوفييتي.
بحلول مطلع الثمانينيات، كان الاتحاد السوفييتي قد طوَّرَ رادارات فائقة المدى وأقماراً صناعية تكشف عن إطلاق الصواريخ وقادرة على منح الاتحاد السوفييتي من 15 إلى 30 دقيقة للتحذير في حالة حدوث هجوم نووي أمريكي.
مع ذلك، فإن ما فعلته الولايات المتحدة من نشرٍ لصواريخ Pershing-2 متوسِّطة المدى في أوروبا قد ولَّدَ نقطة ضعفٍ جديدةٍ لدى الاتحاد السوفييتي، لأن هذه الصواريخ كان لها القدرة على ضرب أهدافٍ صعبة في غربيّ الاتحاد السوفييتي في غضون 8 دقائق فقط، وهذا وقتٌ أقل بكثير مِمَّا يسمح للقيادة السوفيتية بالرد.
كانت هناك مخاوف أيضاً لدى كثيرين في موسكو من أن الاضطرابات السياسية قد تُضعِف الدولة.
وأثارت وفاة الزعيم السوفييتي ليونيد بريجينيف في عام 1982 وضعف صحة خليفته يوري أندروبوف، الذي تُوفِّيَ في مطلع العام 1984، شكوكاً حول ما إذا كانت القيادة السياسية على قدر مهمة اتِّخاذ القرار في الوقت المناسب حول كيفية الرد في حال كُشِفَ عن هجومٍ نوويٍّ أمريكي.
وفقاً لتقرير المجلس الاستشاري الاستخباراتي، فإن "سلطة إطلاق الصواريخ النووية السوفييتية أُصيبَت بالشلل جرَّاء سلسلةٍ من تعاقُب القيادة في القمة".
قلق موسكو: ويناقش تقييم المجلس الاستشاري الاستخباراتي لتدريب موقع القيادة لحلف الناتو، المعروف باسم Able Archer 83، والذي جرى من 7 إلى 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1983، وكان يهدف إلى تحفيز إطلاق الأسلحة النووية في وقت الحرب، هذا التدريب، وردِّ الفعل السوفييتي عليه، كانا أحد أكثر الجوانب المخيفة في فترة الخوف من الحرب.
خضع أغلب هذا القسم من التقرير إلى تحريرٍ، لكن الأجزاء التي رُفِعَت عنها درجة السرية تشير إلى أنه على الأقل بعض القادة السوفييت كانوا قلقين من أن تدريب Able Archer 83 كان حيلةً لإخفاء الاستعدادات من أجل هجومٍ فعلي من جانب الناتو.
ويتمثَّل الخلل الرئيسي في تقرير المجلس الاستشاري الاستخباراتي في أن مناقشته للإجراءات الأمريكية التي حفَّزَت أو عزَّزَت المخاوف السوفييتية كانت مناقشة محدودة. بدءاً من مطلع الثمانينيات، أجرت قوات الجيش الأمريكية سلسلةً من التدريبات الاستفزازية بالقرب من الحدود السوفييتية، ما وجدته موسكو أمراً مُقلِقاً.
السوفييت كانوا سيضريون أولاً: وما جَعَلَ فترة الخوف من الحرب خطيرةً للغاية هو الخطر أنه إذا أصبح السوفييت على قناعةٍ كافية بأن هجوماً أمريكياً وشيكٌ عليهم، فسوف يقرِّرون الضرب أولاً.
وبالفعل كان ذلك هو الأمر الأكثر منطقيةً بالنسبة لهم للقيام به. وقد أُثيرَ هذا الاحتمال المُزعِج عدة مراتٍ في تقرير المجلس الاستشاري الاستخباراتي.
لحسن الحظ، لم تؤدِّ فترة الخوف من الحرب إلى حربٍ نووية، لكن الخطر كان قائماً بالفعل. ويضيف تقييم المجلس الاستشاري الاستخباراتي، الذي رُفِعَت عنه درجة السرية فقط في 2015، الكثير إلى الفهم العام لهذه الحلقة المخيفة من أواخر الحرب الباردة، لكن لا تزال هناك الكثير من الأمور غير المعروفة بعد.
ويظلُّ الباحثون ينتظرون رفع السرية عن تقييم الاستخبارات البريطانية عام 1984 حول الموضوع، ولا يزال يتعذَّر كذلك الوصول إلى الأرشيفات الروسية التي قد تسلِّط الضوء على الأمر.
في بداية التقرير، يذكر كاتبوه أنه لم يُقصَد به أن يكون الكلمة الفاصلة في فترة الخوف من الحرب، بل نقطة بداية لمزيدٍ من الاستكشاف.
وفي وقتٍ أصبح فيه الكثيرون في موسكو ينظرون إلى الولايات المتحدة مرةً أخرى باعتبارها خصماً، فإن إعادة استكشاف هذه الفترة قد تقدِّم دروساً مهمة ليومنا هذا.