نقلت وكالة الأنباء الفرنسية، الأربعاء 15 يوليو/تموز 2020، الوضع المأساوي التي يعيشه الشعب اللبناني على وقع الانهيار الاقتصادي الذي تزامن معه ارتفاع في معدل الجرائم، إذ أكدت إحصاءات قوى الأمن الداخلي زيادة معدل السرقات والقتل في عام 2020 مقارنة مع السنوات الماضية وتربط ذلك بتدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
"أريد الطعام لأولادي": زكريا العمر (37 عاماً) يستذكر تفاصيل ليلة الخامس من تموز/يوليو، حين كان يسير ليلاً في شارع مظلم في محلة الحمرا، إذ قال إن الشارع كان خالياً إلا من بضع سيارات، حين توقفت دراجة نارية إلى جانبه قبل أن يقترب منه شخص من الخلف موجهاً السكين نحوه، مردداً: "لا تقل أي كلمة، لست هنا لأؤذيك، أريد منك أن تعطيني النقود أو أن تأتي معي إلى أي محل لتشتري لي بعض الأغراض، تركت أولادي في المنزل يبكون من دون طعام".
زكريا أخرج بتوتر شديد نقوداً من محفظته وأعطاها للرجل الأربعيني الذي ركض باتجاه دراجته، قبل أن يتوقف ويعود باتجاه زكريا الذي تسمّر في مكانه خوفاً.
زكريا قال: "لقد خفت كثيراً حين رأيته يعود نحوي، لكنه بدأ بالبكاء والاعتذار مني، وأراد أن يعيد لي النقود. قال لي أنا لست بسارق، لكنني جائع وأولادي أيضاً جياع"، موضحاً أنه بعدما رفض زكريا استعادة نقوده من الرجل، الذي قال إنه فقد عمله ولم يعد يقوى حتى على دفع الإيجار، "قلت له إنني أسامحه، ثم غادر".
زكريا أضاف قائلاً: "خفت كثيراً، كان الموقف صعباً اختلط فيه شعور الرعب بالحزن على رجل ينهار أمام عينيّ".
يسرقون ثم يعتذرون! كما كشف مصدر أمني لوكالة الأنباء الفرنسية أن "نوعاً جديداً من عمليات السلب يستهدف حليب الأطفال والطعام والأدوية"، كاشفاً عن أنّ "أكثر من ضحية كشفوا في إفاداتهم عن اعتذار المشتبه فيهم منهم أثناء سرقتهم".
تأتي هذه الحوادث على وقع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده لبنان، إذ خسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم. وبات نصف اللبنانيين تقريباً يعيشون تحت خط الفقر، ولامس معدل البطالة 35%.
لبنان الذي يعتمد على الاستيراد إلى حد كبير بالدولار، ارتفعت فيه أسعار السلع بشكل جنوني خصوصاً الحليب وحفاضات الأطفال وبات كثر عاجزين عن ملء براداتهم فيما تقايض أمهات على مواقع التواصل الاجتماعي ثيابهن أو مقتنيات منازلهن بحليب وحفاضات.
سعر أرخص كيس حفاضات في لبنان ارتفع من 15 ألف ليرة إلى 34 ألفاً، وفق صاحبة إحدى الصيدليات.
أما حليب الأطفال ممن يتخطى عمرهم العام الواحد، فارتفع سعره إلى 35 ألفاً مقارنة بـ23 ألفاً، وارتفع سعر صنف آخر من 15 ألفاً إلى 45 ألف ليرة.
ارتفاع السرقات: فيما أحصت قوى الأمن ارتفاع معدل السرقات الموصوفة بواسطة الكسر والخلع لمنازل ومحالّ وصيدليات، إذ بلغت 863 عملية، (معدل وسطي 173 شهرياً) مقابل 650 العام الماضي بأكمله.
كما أظهر شريط فيديو التقطته كاميرا مراقبة، وتداوله مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، ثلاثة أشخاص يسيرون في شارع وهم ينقلون خزنة كبيرة سرقوها من أحد مطاعم بيروت بعد منتصف الليل.
ويقول صاحب المطعم وليد عطايا للوكالة الفرنسية للأنباء: "خلعوا الباب وبقوا لساعة ونصف الساعة في المطعم، أخذوا الأموال من الصندوق وحتى العملات المعدنية، ثم بحثوا جيداً إلى أن وجدوا الخزنة التي لم يتمكنوا من فتحها".
وبعدما فشلوا في فتحها، أقدموا على تفكيك الخزنة من الجدار وذهبوا بها.
ولم يفصح عطايا عن المبلغ الذي تمت سرقته، لكنه يقول: "أخذوا عامين من العمل معهم"، موضحاً: "لا أستطيع أن أضع النقود في المصارف، وأخاف أن أضعها في المنزل"، فكانت النتيجة خسارتها.
أزمة اقتصادية حادة: خلال الأشهر الماضية التي شهدت شحاً في السيولة، ونتيجة تشديد المصارف القيود على العمليات النقدية وسحب الأموال، خصوصاً بالدولار، بات كثر يعمدون إلى وضع نقودهم في منازلهم. وفضل البعض أن يشتري بها عقارات أو سيارات بدلاً من تركها في المنازل عرضة للسرقة.
كما تخيّم على لبنان أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 – 1990)، ما فجر منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي احتجاجاتٍ شعبيةً غير مسبوقة تحمل مطالب اقتصادية وسياسية.