عبَّر آلاف من السعوديين عن غضبهم وإحباطهم من قرار بلادهم استبعاد نحو مليوني مواطن من برنامج مساعدات نقدية استهدف تخفيف حدة الصدمة الناتجة عن مساعي المملكة للإصلاح الاقتصادي، وذلك بعد أن فقد 1.3 مليون شخصٍ هذه المساعدات النقدية، فقط خلال شهر يوليو/تموز 2020.
وفق تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، الأربعاء 15 يوليو/تموز 2020، فإن المسؤولين في السعودية عمدوا إلى تقليص حجم ما يُعرف ببرنامج "حساب المواطن" في أبريل/نيسان، عندما علَّقوا الطلبات الجديدة للانضمام، ووضعوا حداً أعلى للمبالغ المدفوعة، وعدَّلوا قواعد أهلية الانضمام إلى البرنامج، وهو ما نتج عنه تراجع أعداد المستفيدين من البرنامج وتسارع وتيرة استبعاد المستفيدين منه.
مبرر الحكومة: قالت الحكومة السعودية إن التغييرات التي أُدخلت على البرنامج يمكن أن تساعد في توجيه الدعم إلى الأشخاص الذين هم في أمسِّ الحاجة إليها، وإنها لم تكن مرتبطة بالأزمة المزدوجة لاضطرابات سوق النفط وجائحة كوفيد-19 والتي تعكر صفو المملكة.
غير أن آثار هذه التغيرات تصدم المواطنين، في الوقت الذي يتخذ فيه المسؤولون تدابير تقشف جديدة، من ضمنها الزيادات الضريبية.
ويرجَّح أن يتضرر الاستهلاك في الوقت الذي يتقلص خلاله الاقتصاد؛ نظراً إلى أن عديداً من السعوديين يواجهون ارتفاعاً في الأسعار وانخفاضاً بالدخول.
ولما كان مصمَّماً للتخفيف من شدة خطة تحوُّلٍ اقتصاديٍّ تضمنت خفض الدعم وضريبة قيمة مضافة جديدة، أعطى "حساب المواطن" مبالغ شهرية لأكثر من 12 مليون شخص -أي أكثر من نصف عدد السعوديين في المملكة- مستهدفاً الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.
وليس هذا برنامج المساعدات الوحيد في البلد الذي يعد أكبر مُصدِّر للنفط على مستوى العالم، لكنه الأكثر توزيعاً، ويصل متوسط المبالغ الشهرية للأسرة الواحدة 930 ريالاً سعودياً (248 دولاراً).
وقد أثارت المجموعة الكبيرة من التحولات السياسية المؤلمة، تساؤلات لدى البعض عما إذا كانت الحكومة قد تتراجع عنها أو تتخذ خطوات لتعويضها، مثلما فعلت في الماضي.
مراجعة البرنامج: بندر عوض (34 عاماً)، يشتغل عامل توصيل، يقول إن إلغاء استفادته من هذه المساعدة "بمثابة إحساس بالموت"، وذلك في وصفه رسالة نصية استقبلها، تقول إنه لم يعد مؤهلاً للحصول على المساعدة الشهرية التي تتراوح بين 300 ريال و400 ريال سعودي (80 دولاراً-106 دولارات).
كما أضاف: "حتى إعادة شحن رصيد هاتفي صارت صعبة".
في الجهة المقابلة، يقول محمد أبو باشا، رئيس قسم تحليلات الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية "هيرميس" القابضة في القاهرة: "استناداً إلى التاريخ وفي ظل التحديات الاقتصادية الناتجة عن مرض كوفيد، ثمة فرصة بأن يجري تخفيف بعض هذه التدابير في وقت ما من المستقبل".
في بيان للهيئة الحكومية المسؤولة عن برنامج "حساب المواطن"، قالت إنها بدأت مراجعة البرنامج في أواخر 2019.
وأضاف البيان: "يوجد بعض الأشخاص المسجلين على أنهم مستقلون ولا يستوفون المعايير اللازمة لتلقي الدعم، لأنهم يعيشون مع عائلاتهم. لم تتغير شروط الأهلية، لكن بعض اللوائح اعتُمدت قبل أزمة فيروس كورونا، بهدف توجيه الدعم إلى الفئات الأكثر استحقاقاً".
شروطٌ لأول مرة: طُلب من المستفيدين تقديم عقد إيجار أو سند ملكية، لإثبات أنهم يعيشون مستقلين؛ مما أدى إلى استبعاد 1.3 مليون شخص، في بلدٍ تفرض ثقافته بالغالب على البالغين أن يعيشوا مع عائلاتهم إلى أن يتزوجوا.
قال القائمون على البرنامج، إن المستبعَدين يمكنهم التسجيل مرة أخرى بوصفهم معالين من رب الأسرة.
بعد أن استُبعدت من برنامج "حساب المواطن"، تعيش المواطنة السعودية أشواق، البالغة من العمر 30 عاماً، مع عائلتها بإعانة تبلغ 1000 ريال تحصل عليها من الدولة شهرياً، لأنها مُطلقة، وهي تبحث عن وظيفة لها.
تقول أشواق إن ذلك المبلغ ليس كافياً هذه الأيام؛ مع زيادة ضريبة القيمة المضافة.
وقد طلبت عدم ذكر اسم عائلتها؛ لتتحدث بِحرية عن موضوع ذي حساسية سياسية.
أما مشاري، وهو أب لأربعة أبناء يبلغ من العمر 41 عاماً: "نظراً إلى أني عاطل سعودي، فبكل صراحة، كل ريال يشكل فارقاً".
فيما تمتلئ صفحة خدمة العملاء الخاصة ببرنامج "حساب المواطن" على موقع تويتر بالشكاوى من وقف المبالغ أو تساؤلات عن توقيت إعادة فتح التقديم.
أما الـ10.7 مليون سعودي الذين لا يزالون في البرنامج، فقد ارتفعت المبالغ الممنوحة لهم في يوليو/تموز إلى 930 ريالاً في المتوسط، بعد أن كانت 725 ريالاً في يونيو/حزيران، إذ إن هذه المبالغ تتأرجح استناداً إلى أسعار الطاقة المحلية.