أظهرت وثائق سرية تم الكشف عنها مؤخراً أن الحكومة البريطانية حاولت إقصاء عدد من الدول المسلمة من مؤتمر دولي تمت الدعوة إليه بعد السيطرة على بلدة سربرنيتشا البوسنية المسلمة قبل 25 عاماً، والتي عرفت مقتل 8 آلاف رجل وطفل بوسني على مدار 11 يوماً، بعد أن غادرت القوات الهولندية لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة البلدة في 11 يوليو/تموز 1995، في آخر تطهير عرقي وقع بقارة أوروبا.
وفق تقرير لصحيفة Middle East Eye البريطانية، السبت 11 يوليو/تموز 2020، فإن هذه الوثائق تظهر أن الحكومة البريطانية أثناء عمليات القتل اعتراها قلق بالغ من استدراج قوات حفظ السلام الخاصة بها إلى مواجهة مسلحة مع القوات البوسنية الصربية التي ترتكب المذبحة.
كما حاولت الحكومة البريطانية منع الأردن وتركيا من حضور مؤتمر في لندن بهدف إيجاد حل للأزمة، مع أن البلدين أسهما بأعداد كبيرة من الجنود في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة، لكن لندن كانت تشعر بالحساسية أيضاً جراء اتهامات من البلدان المسلمة بأن الدول الغربية تقف ساكنة ولا تتخذ أي إجراء لحماية المدنيين العزل.
في السادس عشر من يوليو/تموز، في منتصف المذبحة، تلقى رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور مذكرة من إدوارد أوكدين، سكرتيره الخاص للشؤون الخارجية، تحمل تحذيراً: "ينبغي ألا نسمح بتحميلنا المسؤولية على 'هزيمة البوسنة' (لما يحمله ذلك من عواقب على وضعنا التجاري وما إلى ذلك في العالم العربي).
هولوكوست ثانية: في اليوم نفسه، أرسل بيتر هينشكليف، السفير البريطاني إلى الأردن، برقية إلى مكتب الخارجية في لندن، تقول إن الملك حسين استدعى في اليوم السابق سفراء الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – روسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
قال هينشكليف إن الملك "تحدث بعاطفة جياشة" عن العار من أن يشهد العالم "هولوكوست ثانية".
في وقتٍ لاحق من ذلك اليوم، حذر السفير البريطاني في الرياض من أن منظمة التعاون الإسلامي صرحت بأنها "مرتعبة من الأحداث المنصرمة في البوسنة"، وأنها تنتظر من المملكة المتحدة تحركاً حاسماً لإنهاء التطهير العرقي.
في ذلك الحين، عبرت الصحف السعودية عن تشككها من تواطؤ المجتمع الدولي للسماح بالمذبحة، وفقاً للسفارة البريطانية في السعودية.
ففي حركة منسقة مع الأردن على ما يبدو، استدعى وزير الخارجية المصرية آنذاك عمرو موسى سفراء الدول الخمس إلى القاهرة، ليقول إن "الأمم المتحدة تعرضت للإهانة" وأن "المجتمع الدولي لا يمكنه ولا ينبغي له أن يقف متفرجاً".
قال موسى إن الفشل في إيقاف الصرب البوسنيين يتناقض بوضوح مع التحركات الغربية ضد ليبيا والعراق. ونقل السفير البريطاني، ديفيد بلاثرويك، للندن إن موسى "عاطفي وغاضب"، وحذر من أن مصر من المرجح أن تبدأ في تسليح المسلمين البوسنيين إن لم يتدخل الغرب.
الذكرى الـ25: السبت 11 يوليو/تموز 2020، أحيا البوسنيون، الذكرى الخامسة والعشرين لمذبحة سربرنيتشا التي راح ضحيتها نحو 8000 رجل وصبي مسلم والتي صدمت العالم باعتبارها جريمة الإبادة الجماعية الوحيدة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وقفت العائلات المكلومة أمام نعوش ملفوفة باللون الأخضر لـ9 ضحايا تم التعرف على رفاتهم حديثاً وسيتم دفنها في مقبرة بالقرب من البلدة، حيث تشير شواهد القبور البيضاء الطويلة إلى مقابر 6643 ضحية أخرى.
بينما لا يزال نحو 1000 من ضحايا المذبحة في عداد المفقودين بهذه البلدة التي شهدت واحدة من أفظع أحداث حرب البوسنة التي دارت رحاها بين عامي 1992 و1995.
خاطب قادة العالم احتفالية رسمية بهذه الذكرى عبر رابط فيديو بعد أن منعهم تفشي وباء فيروس كورونا من الحضور. وبدلاً من عشرات الألوف من الزوار الذين يحضرون عادة هذا الاحتفال السنوي، جاء بضعة آلاف فقط بعد أن حظر المنظمون الزيارات المنظمة.