لجأ كبار مسؤولي الصحة في إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، إلى استراتيجية جديدة من أجل دحض كل رسائل الرئيس التي تستهين بمخاطر تفشي الجائحة، وذلك باعتماد منصات أخرى لنشر رسائلهم، بدل الاعتماد على غرفة الإحاطة داخل البيت الأبيض، وذلك في الوقت الذي يزداد فيه التوتر بين ترامب وعدد من الخبراء في إدارته، يتقدمهم كبير خبراء الأوبئة، أنتوني فوتشي.
وفق تقرير لمجلة Politico الأمريكية، الجمعة 10 يوليو/تموز 2020، فإن فوتشي استغل، الخميس 9 يوليو/تموز 2020، حلقةً نقاشية حول مستقبل الرعاية الصحية؛ للتحذير من "أننا ما نزال في مشكلةٍ كبيرة"، وهو التقييم الذي يتعارض مع تأكيدات الرئيس بأن الأمور تمضي إلى الأحسن.
أما ديبورا بيركس، وهي مُنسِّقة الاستجابة لفيروس كورونا، فقد خرجت في جلسة إحاطة لفريق عمل فيروس كورونا حول إعادة فتح المدارس، عُقِدَت خارج البيت الأبيض، لتُلقي بظلال الشك على ادعاء ترامب أن الأطفال لا يتأثرون بالفيروس، كما حذّرت من قلة البيانات المتوافرة حول الآثار الصحية على الأطفال.
بينما رفض مُفوِّض إدارة الغذاء والدواء ستيفن هان -مسؤول الصحة الوحيد بالإدارة الذي ظهر في البرامج الإخبارية الصباحية يوم الأحد 5 يوليو/تموز- الدفاع عن تأكيد ترامب أن 99% من حالات الإصابة بفيروس كورونا "غير ضارة على الإطلاق".
تكتل ضد ترامب: ويبدو أن مسؤولي الصحة العامة، الذين صاروا من الأسماء المعروفة إبان أزمة فيروس كورونا، تكتّلوا وراء سلسلةٍ من الرسائل العلمية المباشرة التي تقف على مسافةٍ بعيدة من إصرار الرئيس على أنّ التهديد ينحسر. وينقلون رسائلهم عبر مجموعةٍ من المقابلات، وحلقات البودكاست، وسلسلة جديدة من جلسات إحاطة فريق العمل التي تُعقد في مختلف أنحاء واشنطن.
إذ قال جورج بنجامين، المدير التنفيذي لمنظمة American Public Health Association، عن ترامب: "في كل مرة يتحدث، يستهين بشعبه وبرسائل الصحة العامة التي ينشرها. ولكن يجب على القيادة أن تضع حجر الأساس وتسمح للعلماء بنقل الرسائل الصحية".
بينما أنكر أحد المتحدثين باسم البيت الأبيض أي مزاعم بنقل رسائل متضاربة.
وقال: "يواصل الرئيس قيادة الاستجابة لهذه الجائحة، وتهدف أفعاله إلى حماية الصحة العامة والاقتصاد والقوى العاملة، كما تضمن لنا أن نصير أقوى من أي وقتٍ مضى".
لكن فعاليات البيت الأبيض، والتجمعات السياسية، وتغريدات تويتر خلال الأسبوع الماضي، شهدت استهانةً من ترامب بطفرة الفيروس رغم تدافع مستشاريه الصحيين لمحاولة احتوائه. إذ كتب على تويتر، صباح الثلاثاء 7 يوليو/تموز: "إنّ سبب تسجيلنا عدداً كبيراً من الحالات، مقارنةً بالدول الأخرى الأسوأ حالاً، هو أننا نُجري اختباراتٍ أفضل وعلى نطاقٍ أوسع بكثير".
تضارب: تُعَدُّ هذه الفكرة من مزاعم ترامب المفضلة والتي تخلى عنها فريق عمل البيت الأبيض منذ وقتٍ طويل، بدلاً من الإقرار بأن الارتفاع المقلق في أعداد الحالات داخل عدة ولايات يرجع في الأساس إلى انتشار الفيروس مجتمعياً، أو حتى الثناء على قرارات حكام الولايات بإغلاق الحانات وإعادة قيود التباعد الاجتماعي.
إذ قال وزير الصحة والخدمات الإنسانية أليكس أزار، الخميس، خلال مقابلةٍ عبر البث المباشر على الإنترنت مع صحيفة The Hill الأمريكية: "إن ما نشهده في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي، وما يتجلى بوضوح في بعض مناطق البلاد، يُمثل وضعاً خطيراً للغاية فيما يتعلق بالصحة العامة للبلاد. ويجب أن نتحمل المسؤولية الفردية في ترتيب إعادة فتح الأعمال، والمدارس، وأنظمة الرعاية الصحية من جديد. وإذا لم نفعل ذلك؛ فسوف نشهد كثيراً من النتائج المماثلة".
لكن أزار وغيره مضطرون إلى الْتماس خطاهم بكل حرص، عن طريق التوفيق بين المطالبة العاجلة للأمريكيين بتوخي الحذر واتباع توجيهات الصحة العامة، والدفاع عن جهود البيت الأبيض لإعادة فتح الاقتصاد والمسارعة لإعادة الناس إلى صفوف الدراسة والمكاتب.
خطاب مغاير: استغل فاوشتي وديبورا فرصة الظهور في وسائل الإعلام هذا الأسبوع، لتضخيم دعوات ارتداء الأقنعة، مع تحميل إعادة فتح المدن بتهور -وأسرع من اللازم- المسؤولية عن طفرة الجائحة في الولايات التي يقودها الحزب الجمهوري، مثل أريزونا وتسكاس.
في الوقت ذاته أعرب أزار ومدير مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها روبرت ريدفيلد، عن مخاوف حيال ارتفاع أعداد الحالات، لكنهما ظلا أقل استعداداً لمواجهة انتقادات ترامب أو عزو ارتفاع أعداد الحالات إلى جهود إعادة فتح المدن.
بالتزامن مع وصول أعداد الحالات الجديدة إلى أرقام قياسية بصفة يومية؛ نجد أن دعوات تحمُّل المسؤولية الشخصية والمخاوف حيال مواجهة الأمة خطر العودة إلى الوراء، طغت على التأكيدات بأن الجائحة صارت تحت السيطرة.
كما جرى تجاوز مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها -الوكالة الرائدة تاريخياً في الاستجابة لحالة طوارئ الصحة العامة- على نحوٍ كبير في الرسائل العامة. لكنها استأنفت مؤخراً تقديم الإحاطات إلى المراسلين، عبر الهاتف مرتين كل شهر.
وفي الوقت ذاته كان فريق عمل فيروس كورونا في البيت الأبيض يعقد جلسات الإحاطة خارج البيت الأبيض، عكس الفترة الأولى من تفشّي الجائحة حين كان ترامب عادةً يقود الفعاليات اليومية المعقودة داخل غرفة الإحاطة بالبيت الأبيض.
تناقضات: بينما قال ريدفيلد، يوم الأربعاء 8 يوليو/تموز: "إبان إعادة فتحنا للمدارس، نُؤكّد تذكير الناس بأهمية حماية الأشخاص الأكثر عرضةً للخطر"، رغم دعمه دعوات ترامب إلى فتح الفصول الدراسية بسعتها كاملةً بحلول الخريف.
في حين يقول الخبراء الآخرون، إن هذه التناقضات الواضحة تُؤكد أن الأهداف السياسية للبيت الأبيض تحظى بأولويةٍ على حقائق الصحة العامة.
صرحت آن شوشات، نائبة المدير الرئيسية في مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، خلال إحدى المقابلات، قائلةً: "كان كثيرون حول البلاد يأملون أن دخول الصيف سيجعل الأمور على ما يُرام. ولكننا لم نبدأ حتى في مرحلة اجتياز الجائحة".
بعد مضي 11 يوماً على المقابلة، التي نشرتها دورية Journal of the American Medical Association العلمية عبر بثٍ مُباشر على يوتيوب، لم يُشاهدها سوى نحو 30 ألف شخص فقط.