يخيّم الهدوء على مدينة مكة المكرمة في ظل قرار السعودية تعليق العمرة، والسماح لعدد محدود من الحجاج بأداء مناسك الحج هذا العام، بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، الأمر الذي سيحرم المملكة من إيرادات ضخمة سيكون لها عواقب سيئة على الاقتصاد، الذي يعاني في الأصل من أزمات عدة أبرزها الخسائر التي تسبب بها فيروس كورونا.
المنشآت شبه فارغة: يدرّ أداء المسلمين لفريضة الحج نحو 12 مليار دولار سنوياً على المملكة، لكن الحد من أعداد المشاركين هذا العام يضرب في الصميم اقتصاد المدينة التي يبلغ عدد سكّانها نحو مليوني نسمة، وكذلك اقتصاد المملكة الغنية بالنفط، وهو الأكبر في المنطقة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
كانت المملكة قد اتخذت قراراً حساساً سياسياً ودينياً، عندما قالت إنها لن تسمح إلا لحوالي ألف شخص من المقيمين فيها بأداء الفريضة في الأيام الأخيرة من يوليو/تموز 2020، مقارنة بنحو 2,5 مليون شخص في 2019.
غيّر قرار المملكة شكل المدينة المقدّسة لدى المسلمين، التي تضم المسجد الحرام والكعبة، فبعدما كانت تعجّ بالحياة قبل بدء تفشي الفيروس أصبحت المواقع الدينية الآن شبه فارغة، وخيام الحجاج مهجورة، والفنادق شاغرة.
وخلال السنوات الأخيرة ولّدت طفرة البناء مجموعة من مراكز التسوق والشقق والفنادق الفاخرة، بعضها يطل على الكعبة، لكنها أصبحت فارغة من زوارها الآتين من مختلف أنحاء العالم بسبب المخاوف من الفيروس.
كذلك ألحقت الإجراءات الهادفة للحماية من الفيروس خسائر بالشركات التي تعتمد على الحج، وتشمل مئات الآلاف من الوظائف، من وكلاء السفر إلى الحلاقين في الشوارع ومتاجر بيع الهدايا والمطاعم.
إضرار بالوظائف: تحدث كثيرون عن عمليات تسريح للعمال على نطاق واسع، أو تخفيض في الرواتب أو تأخيرها، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية، الأحد 28 يونيو/حزيران 2020.
في هذا السياق، قال أحمد عطية (39 عاماً) المصري الذي يعمل لصالح شركة سفريات في مكة للوكالة الفرنسية: "صفر مبيعات، صفر إيرادات (…) لم نعتد على رؤية مكة فارغة". وأضاف أن "للأمر عواقب وخيمة" على المدينة.
من جانبهم، اشتكى موظفون على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا إن مجموعة بن لادن السعودية المعروفة بتطويرها المشاريع الضخمة بما في ذلك الأماكن المقدسة، تأخرت في دفع مجموعات من الرواتب لآلاف العمال في الأشهر الأخيرة.
كما انتشر وسم تأخير_رواتب_بن_لادن على تويتر، في وقت يؤثّر التراجع الاقتصادي على أعمال الشركة التي تولّت مشاريع ضخمة بينها ناطحة السحاب الفندقية المطلّة على المسجد الحرام.
أما الخبر الأسوأ بالنسبة للموظفين فقد يكون ترحيلهم من المملكة، إذ قال مصدر للوكالة الفرنسية -لم تذكر اسمه- إن الشركة تسعى لاستئجار سلسلة من الطائرات لترحيل العديد من عمّالها المنحدّرين من دول في جنوب آسيا إلى بلدانهم، وأشارت الوكالة إلى أن الشركة لم ترد على طلب للتعليق على هذه المسألة.
تعميق لأزمات المملكة: يصف محللون قرار السعودية بالحد من أعداد الحجاج بأنه ضروري، لكنهم يؤكدون أن القرار سيعمّق المصاعب الاقتصادية للمملكة، وذلك لأنه يتزامن مع التراجع الحاد في أسعار النفط، والخسائر الناجمة عن إجراءات الحماية من الفيروس، وبينها إغلاق المطارات وفرض حظر تجوّل دام لأسابيع.
دفع ذلك المملكة إلى اعتماد استراتيجية تقوم على التقشف، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 5 إلى 15% وخفض مخصّصات موظّفي الخدمة المدنية.
في هذا الصدد، يقول ريتشارد روبنسون، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في شركة "أكسفورد أناليتيكا" الاستشارية، إن "قرار الحد من أعداد الحجاج يضاعف الصعوبات الاقتصادية التي تواجه السعودية".
أضاف روبنسون أن "الحكومة حددت السياحة كمجال رئيسي للنمو في إطار استراتيجية تنويع الاقتصاد، ويمكن أن تؤدي خسارة عائدات الحج إلى تعثّر القطاع من خلال فقدان الاستثمار أو الإفلاس".
أما كريستين ديوان، من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، فقالت إنّه "بينما يتطلّع السعوديون إلى تنويع عائدات السياحة إلى ما هو أبعد من السياحة الدينية، فإن خططهم لا تزال قائمة على الحج"، وتابعت أن "عدم حصولها (مناسك الحج) في هذا الوقت من اضطراب أسواق النفط يشكّل ضربة".
كذلك فإن التباطؤ الاقتصادي بالمملكة أعاق خطط الرياض الطموحة لبناء صناعة سياحية من الصفر، وهي واحدة من الخطط الرئيسية لبرنامج "رؤية 2030" لتعزيز الإيرادات غير النفطية، التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وكان صندوق النقد الدولي قد توقّع الأربعاء 24 يونيو/حزيران 2020، أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي للسعودية بنسبة 6,8% هذا العام، في أسوأ أداء له منذ ثمانينات القرن الماضي.