استطاع جو لو، المطلوب للعدالة الأمريكية والماليزية، ومذكرات التوقيف الدولية للشرطة الجنائية الدولية "الإنتربول"، بسبب اتهامات بالاحتيال واختلاس أموال تقدر بمليارات الدولارات، الدخول إلى الكويت في سبتمبر/أيلول 2019، وذلك بحسب وثائق اطلعت عليها صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية وأشخاص مطلعين على علاقاته في الكويت.
وفق تقرير The Wall Street Journal، الأربعاء 10 يونيو/حزيران 2020، فإن "لو" دخل الكويت، على الرغم من النشرات الحمراء من المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، ووفَّرت علاقات لو في الكويت له وسيلة لتفادي المحققين الأمريكيين والماليزيين الذين يتهمونه بأنَّه العقل المدبر وراء نهب صندوق الاستثمار الماليزي الحكومي المعروف باسم "1MDB". وينفي "لو" ارتكاب أي مخالفات.
علاقات متشعبة: كان "لو" قد لجأ إلى مسؤولين بالكويت في مطلع 2016، فيما كانت السلطات الأمريكية بدأت تضيّق الخناق عليه، وتحل ألغاز حياته باعتباره مُبرِم صفقات يجول العالم جواً وموَّل فيلم "The Wolf Of Wall Street" الأمريكي وحفلات مسرفة اجتذبت ليوناردو دي كابريو ونجوماً آخرين.
سعى خلال زياراته للكويت، في مطلع 2016، للقاء أحد أبناء رئيس الوزراء، الشيخ صباح جابر مبارك الحمد الصباح، الذي كان قد التقاه قبل ذلك بسنوات، وعرض استغلال علاقاته في الصين لتوجيه المستثمرين إلى الكويت، وذلك بحسب ما قاله رجل أعمال فرنسي كان حاضراً في لقاءاتهما.
يروي رجل الأعمال بشار كيوان، الذي كان آنذاك شريكاً تجارياً للشيخ، أنَّ "لو" قال في مأدبة عشاء مطلع 2016 استضافها رئيس الوزراء: "جنيتُ المليارات في ماليزيا. وسأجني مئة مليار بالصين على الأقل".
فيما وفَّرت العلاقات الكويتية للسيد "لو" حامين جدداً، وصفقات تجارية جديدة، وقنوات جديدة لنقل المال. فوفقاً لأشخاص مطلعين على المعاملات والوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة، تعاملت البنوك هناك مع مئات الملايين من الدولارات المرتبطة بأنشطة "لو"، وضمن ذلك ملايين من المدفوعات لشركات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتغطية فواتيره القانونية المتزايدة.
يقول المحققون الماليزيون إنَّهم تتبَّعوا مسار المال من الصين إلى بنكٍ صيني بالكويت، ثُمَّ إلى كيان في جزر كايمان مملوك جزئياً لـ"لو"، والذي دفع بعد ذلك قرابة مليار دولار لأصولٍ يسيطر عليها "لو" في ماليزيا؛ من أجل دفع بعض ديون صندوق الاستثمار الماليزي الحكومي. ويقول المحققون إنَّ المعاملات تمت باليوان الصيني لتلافي انتباه الولايات المتحدة.
نفي كويتي: قال متحدث باسم الشيخ صباح، إنَّه "ينفي قطعياً ارتكاب أي مخالفات"، وإنَّ المزاعم بشأن "لو" والشيخ كاذبة ومصدرها كيوان ورفاقه الذين "جرى اتهامهم وإدانتهم بالتزوير والاحتيال وخيانة الأمانة الإجرامي، فضلاً عن أعمال جنائية أخرى بحق الشيخ صباح".
هرب كيوان من الكويت لاحقاً، بالاختباء في شاحنة نقلته إلى العراق، بعد احتجازه هناك وتعرُّضه، بحسب قوله، للضرب وأشكال أخرى من سوء المعاملة من جانب المخابرات الكويتية.
كما أُدين كيوان، الموجود بفرنسا حالياً، غيابياً في الكويت بتهم التزوير وتزييف وثائق، وهي الاتهامات التي ينفيها. ويقبع صهره وأخوه في السجن بالكويت بعد إدانتهما بالتزوير وتهريب الأشخاص، على التوالي، لمساعدتهما كيوان على الهرب.
فيما يقول المحققون الماليزيون إنَّ "لو" يقضي معظم وقته في الصين، وإنَّه كان يسكن في مجمع سكني بمدينة ووهان الصينية حتى ستة أشهر مضت. ولا يمكن التحقق من مكان وجوده حالياً.
مبالغ هائلة: تزعم وزارة العدل الأمريكية أنَّ أكثر من 4.5 مليار دولار من حيازات صندوق الاستثمار الماليزي الحكومي اختفت في هياكل مالية معقدة يقف وراءها "لو". وأدَّى انهيارها إلى خروج راعيه، رئيس الوزراء الماليزي آنذاك نجيب عبدالرزاق، من منصبه.
يُحاكَم نجيب الآن في اتهامات بغسل أموال وإساءة استغلال السلطة على صلةٍ بصندوق الاستثمار. وينفي نجيب تلك الاتهامات.
حين بدأ "ل التودد إلى الكويت في مطلع 2016، كان نجيب بحاجة ماسة للإتيان بمليارات الدولارات التي اقترضها صندوق الاستثمار ولم يتمكن من سدادها، بسبب مزاعم بأنَّ "لو" والمتآمرين قد اختلسوا معظمها. فلجأ نجيب و"لو" إلى الصين.
بحسب الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة، عرضت ماليزيا على الصين مشروعات سكة حديدية وخطوط أنابيب بسعر مبالغ فيه بلغ 18 مليار دولار لتوليد فائض نقدي لاستخدامات أخرى، وحصلت شركة الصين للاتصالات والإعمار، وهي شركة حكومية عملاقة، على تلك المشروعات.
خطته في الكويت: قال كيوان، رئيس شركة الوسيط آنذاك، إنَّ "لو" جلب معه مديرين تنفيذيين من الشركة الصينية إلى الكويت، وتعهَّد بتعزيز التطلعات الصينية المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق.
وأضاف أن شراكته الطويلة مع الشيخ صباح جذبت اهتمام "لو". وحصل كيوان على ترخيص لشركته في التسعينيات، وقال إنَّه منح الشيخ حصة تبلغ نحو 20% من الشركة.
وفي أبريل/نيسان 2016، سافر الشيخ صباح إلى شنغهاي لتوقيع صندوق استثمار عقاري مشترك بقيمة 8 مليارات دولار بين شركة الوسيط ومجموعة غرينلاند القابضة الصينية، وهي شركة حكومية كبيرة للعقارات، وذلك بحسب البيانات والوثائق العامة.
في ذلك الوقت، قال "لو" لمساعدٍ له، إنَّ الصفقة ستزيل أكبر أصوله الموجودة بالولايات المتحدة وتبعدها عن متناول وزارة العدل الأمريكية، وذلك بحسب ما قاله المساعد. لكنَّ مشروع الصندوق الذي وُقِّع مع شركة غرينلاند لم يمضِ قدماً في نهاية المطاف.
فيما قال كيوان إنَّ "لو" أخبره بعد لقاء شنغهاي، بأنَّ شركة الصين للاتصالات والإعمار تعتزم تحويل مليارات اليوانات إلى شركة الوسيط كمدفوعات لـ"لو" لقاء مساعدته الشركة على الفوز بعقود في ماليزيا. وقال كيوان إنَّ "لو" أخبره بأنَّ حصة ستذهب إلى الشيخ صباح.
ووفقاً لبيانات محكمة أمريكية، عندما حاول "ل بيع إحدى لوحات مونيه المُستهدَفة في الدعوى القضائية، من خلال بنك بجزر القمر يملكه الشيخ صباح، عطَّل بنك مراسلة في المغرب العملية.
وواجه الشيخ صباح وكيوان "ل بشأن تحقيق وزارة العدل الأمريكية.
ووفقاً لكيوان ووثائق، حوَّلت شركة "True Dragon Properties Limited"، وهي على صلة بشركة الصين للاتصالات والإعمار بهونغ كونغ، في سبتمبر/أيلول 2016، مبلغ 1.4 مليار يوان لفرعٍ تابع لشركة الوسيط على حساب في الفرع الكويتي للبنك الصناعي والتجاري الصيني المملوك للحكومة الصينية. ثم طلب "لو" من كيوان، بحسب كيوان نفسه ووثائق، تحويل المال إلى حساب بنكي آخر يخص الوسيط.
وقال كيوان إنَّه رفض؛ لأنَّه لم ي=ترد أي مشكلات محتملة من التحقيق الأمريكي.
كبديل لذلك، قال كيوان إنَّ "لو" اقترح تحويل كامل ملكية الفرع الذي يحوز الأموال إلى الشيخ. وقد وافق كيوان.
تُظهِر وثائق أنَّ البنك بدأ تحويل الأموال في 26 سبتمبر/أيلول 2016؛ فحوَّل أموالاً إلى شركات محاماة في نيويورك ولوس أنجلوس وفلوريدا. وأعقب ذلك المزيد من المعاملات. فبحسب المحققين الماليزيين، دفعت شركة باسم "Silk Road Southeast Asia Real Estate Ltd"، وهي شركة في جزر كايمان يسيطر عليها "ل جزئياً، في أغسطس/آب 2017، قرابة مليار دولار لشراء ممتلكات تبلغ 234 فداناً في العاصمة الماليزية، كوالالمبور، كانت تعود سابقاً إلى صندوق الاستثمار الماليزي الحكومي وسيطرت عليها منذ ذلك الحين وحدة تابعة لوزارة المالية الماليزية.
يقول المحققون إنَّ أموال شركة Silk Road جاءت من حساب بنكي في فرع البنك الصناعي والتجاري الصيني بالكويت.
وكما قال كيوان إنَّه رفض في الأيام التالية تحويل الأموال، وجاء محامٍ وموظف لدى الشيخ صباح إلى مكتبه وحذراه من أنَّه خان ثقة العائلة. بعد ذلك، أُفيد بأنَّه احتُجِز وواجه مزاعم بشأن تزييف وثائق وارتكاب أعمال أخرى. وهرب من البلاد في ديسمبر/كانون الأول 2017.
إلى ذلك فقد تفادى تسليمه إلى الكويت مرتين، وضمت ذلك في فبراير/شباط 2020، من جانب محكمة إسبانية. وقال حكم المحكمة، إنَّه في حين تدعم الأدلة اتهامات التزوير ضده، فإنَّ كيوان قد لا يتلقى معاملة عادلة في الكويت. ولفتت إلى أنَّ المزاعم الجنائية تستند إلى شكاوى من الشيخ صباح.