يتسابق العلماء حول العالم لإيجاد لقاح ضد فيروس كورونا منذ بدء انتشار الجائحة حتى اليوم، وقد حققوا بالفعل تقدماً ملحوظاً حتى الآن، إذ يوجد 124 لقاحاً حالياً قيد التطوير، وقد دخل 10 منها مرحلة التجارب على البشر مع وجود متطوعين كثر لم يمانعوا بتجربة هذه اللقاحات الجديدة.
لكن ما هو مبدأ عمل كل من هذه اللقاحات؟ وهل ستكون لقاحات دائمة تقي من الفيروس بشكل نهائي، أم ستكون لقاحات قصيرة الأمد تقينا فقط من الأعراض الخطيرة للمرض؟ وهل التجارب التي يتم إجراؤها حالياً على آلاف المتطوعين قد تكون خطيرة على حياتهم، وهل ستسبب لهم إصابة حتمية بالمرض قد تنتهي بالموت؟
إليكم كل ما تريدون معرفته عن لقاحات كورونا الجديدة، وفق ما ورد في مجلة New Scientist.
لقاح ضد فيروس كورونا
حالياً يعمل مجموعة من الباحثين البريطانيين بقيادة بيتر هوربي، على تقييم تجربة اللقاحات الجديدة، آملين بالوصول إلى مصل مضاد للفيروس.
لكن تكمن المشكلة كما يقول هوربي بفعالية هذا اللقاح على المدى الطويل، فحتى لو تمكنّا من إيجاد لقاح ضد الفيروس لسنا متأكدين من مدى قدرته على إمداد المصابين بمناعة طويلة الأمد ضد الفيروس.
فعندما يصاب الناس بأنواع أخرى من فيروسات كورونا، يبدو أن مناعتهم ضد هذه الفيروسات تتلاشى بسرعة، على الرغم من أن الإصابة التالية تكون أخف.
وهناك مخاوف من أن هذا قد يعني أن أي وقاية يوفرها اللقاح – عندما يتم إيجاده – ستختفي هي الأخرى.
يقول مارتن هيبرد، من كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "قد لا نحصل على لقاح يستمر مدى الحياة من جرعة واحدة".
ويضيف هيبرد أن لقاحاً يضمن إصابة الناس بمرض خفيف الأعراض فحسب ما زال جيداً أيضاً، و"سنكون سعداء بذلك".
مبدأ عمل لقاحات كورونا
عموماً، تجعل اللقاحات جهازك المناعي قادراً على التعرف على الفيروس الممرض بسرعة ومهاجمته والقضاء عليه قبل أن ينتشر ويتكاثر داخل الجسد.
وهناك طرق متعددة لجعل الجهاز المناعي يتعرف على الفيروس، ويقوم العلماء بتجربة كل طريقة تقريباً مع فيروس كورونا.
فمن بين اللقاحات العشرة التي يجري اختبارها بالفعل على البشر توجد أربعة لقاحات خاملة، إذ يحقن الأشخاص بفيروس كورونا في صورة خاملة كيميائياً بحيث يكون الفيروس غير قادر على التكاثر داخل الجسم.
ومن اللقاحات الثانوية الأخرى لقاح الوحدات الجزئية، الذي يتكون من بروتين أشواك سطح فيروس كورونا، الذين يستخدمه الفيروس باعتباره مفتاحاً لدخول خلايانا.
تميل اللقاحات الخاملة واللقاحات الجزئية إلى عدم إثارة استجابة مناعية كبيرة؛ لذلك يتوجب غالباً إضافة بعض المواد الكيميائية لتعزيز آثارها.
والعديد من اللقاحات التي نستخدمها اليوم هي أحد هذين النوعين (إما خاملة أو جزئية)، بما في ذلك العديد من لقاحات الإنفلونزا.
ويستخدم العلماء طرقاً أخرى للقاح، مثل القطيرات الدهنية أو غلاف فيروس آخر لتوصيل الشفرة الجينية لبروتين فيروسي، مثل بروتين الأشواك الخاص بفيروس كورونا، إلى الخلايا البشرية.
ثم تستخدم الخلايا رمز الحمض النووي الريبوزي أو رمز الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين لصنع البروتين.
ويعد استخدام هذين الرمزين في اللقاحات بهذه الطريقة فكرة جديدة نسبياً لم تُعتمد حتى الآن لأي مرض.
ولا يتضمن أي لقاح من اللقاحات المضادة لفيروسات كورونا التي تُجرب حالياً لقاحات موهنةً حيةً.
حيث يستخدم هذا النوع من اللقاحات نسخة متحورة من الفيروس، قادرة -في حالة ظهرت أي أعراض- على التسبب في مرض خفيف الأعراض للغاية فحسب.
وهي الطريقة المستخدمة في العديد من أقوى اللقاحات التي نملكها، بما فيها لقاحات الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية التي تُعطى عادة معاً.
وتعمل مجموعتان في الهند على لقاحات فيروس كورونا الموهنة الحية، لكن تعد اللقاحات التجريبية من هذا النوع أخطر من حيث إمكانية إصابة الأشخاص بمرض "كوفيد 19″؛ لذلك سيلزم بعض الوقت قبل إمكان الشروع في التجارب البشرية.
وحتى الآن، تبدو لقاحات الكورونا التجريبية العشرة التي اختُبرت على البشر آمنة.
وقاية قصيرة المدى
يقول داني ألتمان، من جامعة إمبريال كوليدج بلندن، إنه ما زال من المبكر للغاية اختيار اللقاح الذي من الممكن اعتماده للوقاية من الفيروس.
إذ ستكون للقاحات التجريبية المختلفة نقاط قوة ونقاط ضعف مختلفة، فقد لا يعمل بعض اللقاحات التجريبية على نحوٍ جيد مع كبار السن، على سبيل المثال، أو يوفر فقط وقاية قصيرة المدى. ويضيف ألتمان: "ما تزال اللقاحات التجريبية قيد الدراسة حتى نتمكن من تحديد الأفضل بينها".
والطريقة الوحيدة لمعرفة مدى نجاح هذه اللقاحات هي إعطاؤها لآلاف الأشخاص من جميع الأعمار.
ويوسِّع الآن فريق من جامعة أكسفورد تجربته الأولية لتشمل 10 آلاف شخص بدلاً من ألف شخص، من بينهم أطفال وأشخاص تزيد أعمارهم عن 56 عاماً، إذ تتم تجربة لقاح يستخدم جين بروتين الأشواك داخل قشرة فيروسية على هؤلاء الأشخاص.
هل اللقاحات التجريبية خطيرة على المتطوعين؟
يقول هيبرد إن مرحلة التجارب البشرية هي المرحلة التي تفشل فيها اللقاحات عادةً.
قد يستغرق أيضاً الحصول على نتائج وقتاً طويلاً، وستُصعِّب الأعداد المتناقصة للإصابات الجديدة بفيروس كورونا في العديد من البلدان عملية الحصول على اللقاح الأمثل.
فمع انخفاض تفشي المرض، تقل فرصة تعرض المتطوعين المُلقحين للفيروس، مما يقلل من فرصة معرفة مدى نجاحه.
وقد أدى ذلك إلى مقترحات لإصابة المتطوعين الملقَّحين عمداً؛ لتسريع التجربة.
وقد تكون تجارب "التحدي البشري" مثيرة للجدل؛ بسبب عدم امتلاكنا لعلاجات فعالة لكوفيد-19 حتى الآن. فإذا لم يعمل اللقاح التجريبي، فقد يموت متطوعون.
يجادل المدافعون، مثل نير إيال، عالم في أخلاقيات علم الأحياء بجامعة روتجرز بولاية نيوجيرسي، بأن فكرة هذه التجارب مقبولة إذا كانت تشمل متطوعين شباباً ليس لديهم ظروف صحية معينة ومعرضين لخطر كبير بالإصابة بفيروس كورونا.
فبالنسبة لشخص عادي في العشرينات من عمره، فخطر الوفاة من "كوفيد-19" أقل من 1 في 3000.
ويبدو أن الفكرة تكتسب زخماً، مع تطوع أكثر من 26 ألف شخص في أنحاء العالم عبر الموقع الإلكتروني 1daysooner.org لتجربة اللقاح.
على أي حال، لن تكشف مثل هذه التجارب ما إذا كان اللقاح التجريبي يقي الأشخاص الأكثر ضعفاً من الشباب.
وإذا كنت تريد معرفة ما إذا كانت الوقاية تستمر لعام مثلاً، فستستغرق مثل هذه التجربة هذه المدة على الأقل.
وحتى إن توصلت التجارب للقاحات فعالة، يتمثل التحدي الهائل حينها في إنتاج جرعات كافية لما يصل إلى 7 مليارات شخص، إذ سيكون ذلك عائقاً كبيراً.
ولا يمكن لأحد التنبؤ بسرعة إنتاج اللقاح. يقول ألتمان إن تصنيع بعض الأنواع أصعب بكثير من البعض الآخر، وقد تظهر عوائق غير متوقعة تعوق الإنتاج. فعلى سبيل المثال، يوجد حالياً نقص عالمي في القوارير الزجاجية المستخدمة في تخزين جرعات اللقاح.