رغم التحذيرات التي أطلقتها منظمات حقوقية عن خطر تفشي فيروس كورونا في المعتقلات المصرية فإن السلطات لم تتخذ التدابير اللازمة لمنع انتشار الإصابات بين صفوف المحبوسين، والذين عبَّروا بدورهم عن خوفهم الشديد من انتشار الفيروس.
أحد المعتقلين من داخل سجن طرة صرّح لعربي بوست أنَّ أمناء الشرطة يقومون بتفتيشهم ذاتياً بشكل شبه يومي، ما يُعرِّضهم للخطر، لأن الأمناء يخرجون كلَّ يوم ويحتكون بالعامة، ما يرفع احتمالية حملهم للفيروس، وبالرغم من تشديد إدارة السجون على ارتداء الأمناء للكمامات الواقية فإن أمناء الشرطة -وفق المصدر- يتبادلونها فيما بينهم في "الورديات"، حتى لا يتعرّضوا للعقاب.
مصاب حتى الموت
يشير المصدر لعربي بوست أنَّ شاباً توفي نتيجة إصابته بكورونا قبل أيام، ورغم أنه كان يعاني من مشاكل في التنفس فإن إدارة السجن رفضت نقله للمستشفى لإجراء التدابير اللازمة له لعلاجه، واكتفت بإعطائه مسكنات حتى توفي في إثر الإصابة.
لم تكتفِ إدارة السجن بذلك، بل فتحت الزنازين للتريّض، رغم خطر انتقال العدوى، خاصة أن بينهم من تُوفي نتيجة إصابته بالفيروس المستجد.
ويؤكد أن حالةً من الخوف الشديد تسيطر عليهم، أجبرتهم على اتخاذ الاحتياطات اللازمة قدر الإمكان، وعدم تبادل الأدوات، ولا لمس بعضهم "نُص العمى ولا العمى كله"، وفق تعبيره.
ويُعلق مصدر مسؤول في قطاع حقوق الإنسان بوزارة الداخلية المصرية على أوضاع السجون في ظل كورونا قائلاً "منذ اللحظة الأولى لانتشار الوباء، وطبقاً لخطة الدولة على مستوى الجمهورية كانت السجون المصرية في واجهة الصدارة، من حيث أولوية التعقيم وتزويدها بالمطهرات بشكل مستمر ودون انقطاع، وذلك حفاظاً على أرواح السجناء والعاملين وضباط الشرطة والجنود أيضاً.
وأضاف المصدر أن "ما يُثار من ادّعاءات حول إهمال هذا القطاع وعدم وجود رعاية صحية غير صحيح بالمرة، وتُواصل وزارة الداخلية المصرية عمليات تعقيم وتطهير كافة منشآت مصلحة السجون، بالتعاون مع فرق الطب الوقائي بقطاع الخدمات الطبية بالوزارة، وذلك في إطار الخطة المتكاملة التي يتم تنفيذها لتطهير وتعقيم المنشآت الشُّرطية لحماية المترددين عليها من الفيروس القاتل.
وأكد المصدر أنه تم حظر الزيارات، منذ شهر مارس/آذار الماضي، إلا للضرورة القصوى، ووفق حالات خاصة، وذلك حماية للسجناء، كإجراءات احترازية تُنفذها وزارة الداخلية المصرية داخل السجون، ضمن الخطة المتكاملة المُتَّبعة للحفاظ على سلامة النزلاء والعاملين بها.
المعتقلون ينفون رواية الداخلية
وتعقيباً على ذلك يقول محامٍ حقوقي نقلاً عن أحد المعتقلين لعربي بوست "ليس هناك تعقيم سوى أمام مكاتب الأمن والمساحات المشتركة لهم مع المساجين، وزجاجة كلور واحدة لكل عنبر، على أن نقوم نحن بعملية التطهير، ولم نشاهد فرق الطب الوقائي التابعة لوزارة الصحة في أي مرة".
وأضاف: "هناك حالة من الرعب والفزع تسود بين المساجين والمعتقلين على ذمة قضايا، الرُّعب يطال جميع فئات المساجين، سواء السياسيين أو الجنائيين، إضافة إلى أن حظر الزيارات زاد الطين بلة، فكنا مثلاً سنعتمد على إرسال الكحول مع ذوينا أثناء الزيارات، والأدوية، خاصة أن هناك مرضى في السجن بأمراض مزمنة، يحتاجون لها، وهؤلاء هم أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، لكن الآن لا مطهرات ولا أي شيء أصبحت تصلنا، بل أصبحت السجون تتاجر فينا، حيث تبيع لنا الكحول في كانتين السجن بسعر 15 جنيهاً، في حين أنه في الخارج يباع بـ5 جنيهات".
وأضاف: "لا توجد كمامات حتى نشتريها، وبالتالي فإن مصدر أدوات التعقيم الوحيد هو الكلور أو الكحول، الذي يُباع في كانتين السجن بأضعاف ثمنه".
يشير المحامي إلى أن أوضاع السجون الآن أكثر عرضة لانتشار الوباء، نظراً لاكتظاظها بالسجناء، وعدم وجود نظام بيئي نظيف، فهي غير جيدة التهوية، وتعاني مستشفيات السجون من نقص الموارد الطبية، والافتقار إلى الكفاءات البشرية، بالإضافة إلى منع إدارة السجون المعتقلين فيها عمداً من الحصول على الرعاية الطبية والعلاج بشكل منتظم.
مصادر حقوقية تؤكد تفشي الفيروس بينهم
في الأثناء كشفت مصادر حقوقية مصرية عن تفشي أعراض "فيروس كورونا" بين معتقلين في سجون طرة.
وأشارت "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات" في بيان لها، إلى إصابة 24 معتقلاً بسجن الجيزة العمومي بأعراض فيروس كورونا، منذ أول أيام العيد، مثل ارتفاع درجة الحرارة والقيء وضيق التنفس، ومازالت إدارة السجن تتجاهل الوضع، حيث لم توفر لهم الأدوات اللازمة لحمايتهم.
كما أكدت المنظمة الحقوقية إصابة رئيس مباحث سجن برج العرب بفيروس كورونا، وإصابة 20 معتقلاً، نتيجة اختلاطهم داخل السجن.
وبحسب ما ورد للمنظمة الحقوقية، فقد أُصيب رئيس مباحث سجن برج العرب العقيد "عماد الشاذلي" بفيروس "كورونا"، وتم نقله وعائلته إلى مستشفى العزل، كما أُصيب معاونه الرائد "محمد البنهاوي"، وتم عزله في نفس المستشفى.
وقال مصدر حقوقي لعربي بوست، إن "سجون طرة تحوّلت إلى مركز لوباء "كورونا" بعد تفشي الأعراض في سجن "تحقيق طرة".
وقالت المصادر إن "لديها أسماء بعض المعتقلين الذين ظهرت عليهم الأعراض، لكنها تخشى نشرها حتى لا يتعرّضوا لأيِّ نوعٍ من المضايقات أو التعذيب"، وقد تم تأجيل جلسات التحقيق مع بعض المعتقلين خوفاً من انتشار الوباء بين مجندي وضباط سيارات الترحيلات لحين إشعار آخر، كما ترفض إدارة السجن أخذ مسحات وعينات لتحليل المشتبه في إصابتهم بالفيروس، رغم ظهور الأعراض عليهم.
وأكَّدت المصادر أنَّ الأعراض التي لوحظت على المعتقلين تتمثل في ارتفاع درجة الحرارة، وهمدان في الجسد، والبعض لديه رشح وصداع والتهاب حلق وأذن وفقدان حاسة الشم، بالإضافة لسعال جافٍّ مستمر، ومشاكل معوية لدى الأغلب.
وبحسب المصادر، فإن "إدارة سجون طرة رفضت إدخال أدوية معينة للمعتقلين، تُساعدهم على مقاومة الفيروس القاتل، وبدأت الأعراض منذ 15 يوماً، وعمّت جميع زنازين السجن، وقد سألنا أطباء متخصصين، وأكدوا لنا أن هذه أعراض الفيروس "كوفيد-19".
ولا يوجد في عيادة السجن غير ممرض واحد، وإدارة السجن منعت الخروج إلى العيادة مطلقاً، ومنعت دخول الأدوية، بالإضافة لمنع التريُّض منذ يوم السبت الماضي.
وأكَّدت المصادر أنَّهم حاولوا جلب أدوية خافضة للحرارة ومسكنات، مثل باراسيتامول 500، ودواء "أوبلكس للسعال الجاف، أو توسكان شراب، كما طالبنا إدارة السجن بتوفير "أقنعة الوجه" للمعتقلين، وفرض حالة التباعد بينهم قدر الإمكان، لكنها رفضت.
أعداد مجهولة
قال مصدر بمنظمة "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، لعربي بوست، إنهم "تأكدوا من انتشار أعراض كورونا على بعض المعتقلين في سجون طرة، عن طريق مصدر من داخل السجن، ولا يوجد عدد محدد بالمصابين بهذه الأعراض حتى الآن، لأن الأعراض تقريباً ظهرت عند كل المعتقلين، لكن بالتوالي.. بمعنى أن بعض المعتقلين ظهرت عليهم الأعراض وبدأت تخفّ تدريجياً، لكن تظهر عند حالات أخرى".
وقال مصدر خاص بالمنظمة لعربي بوست وصلتنا أنباء مؤكدة عن انتشار عدة أعراض داخل سجن تحقيق طرة، من أهمها "ارتفاع درجة الحرارة، وخمول وآلام في مفاصل الجسد، ورشح، وصداع والتهاب في الحلق والأذن، وفقدان حاسة الشم، بالإضافة لوجود السعال عند بعض المعتقلين".
وأضاف أن "الأعراض تظهر بالتتابع، وقد تكون أعراض فيروس كورونا أو عدوى بكتيرية يجب التعامل معها فوراً، فيما لا يوجد أي استجابة من إدارة السجن لتتبع هذه الأعراض وعلاجها، بالإضافة للإهمال المتعمد بحقهم ومنع دخول الأدوية".
وطالبت المنظمة الحقوقية السلطات المصرية بسرعة عمل فحوصات للجميع، بالإضافة لعزل المرضى ومن تمت إصابتهم، والإفراج عنهم على غرار جميع دول العالم قبل تفشي المرض بشكل كامل، مما قد يُنذر بكارثة مع انهيار المنظومة الصحية في مصر، ووصول الوباء لذروة انتشاره خلال هذه الأيام.
وفي ذات السياق وثَّقت منصة "نحن نسجل" ظهور حالات اشتباه بالإصابة بفيروس "كورونا" داخل أحد زنازين الاحتجاز بقسم شرطة أول مدينة نصر، شرق القاهرة.
فـبتاريخ 14 مايو/أيار الجاري، ظهرت أول حالة اشتباه لمحتجز على ذمة قضية ذات طابع سياسي، حيث اشتكى من (ارتفاع في درجة الحرارة، وكحة، وشعور بألم في مفاصل الجسد، وقد تم اصطحابه لخارج الزنزانة، وطلب سيارة إسعاف ليتم إعطاؤه دواء "ديكلوفيناك" وعند انخفاض حرارته تم إرجاعه لزنزانة الاحتجاز.
وفي 15 مايو/أيار، ظهرت الأعراض السابق ذكرها على 7 محتجزين آخرين داخل نفس الزنزانة، بالإضافة لإصابة أحد المحتجزين بأعراض "جوليان باري"، وهي عبارة عن رد فعل مناعي من الجسم خطأ، نتيجة لعدوى فيروسيه أصابت الجسد، وهي تسبب شعوراً بالوخز في العضلات، ثم شلل يؤثر على الرئة أيضاً، وهو ما يؤكد على احتياج هذا المحتجز إلى الرعاية الطبية العاجلة.
وفي 16 مايو/أيار، انتشرت الإصابات لتشمل الزنزانة كلها، مع تفاوت درجات شدتها بين المحتجزين.
ووفق ما وثّقته المنصة الحقوقية فإن الزنزانة المصابة مودع بها 3 من المحتجزين صدر بحقهم قرارات بإخلاء السبيل، ولكنهم يواجهون تعنت أمني في الإفراج عنهم مع مخاوف من إعادة تدويرهم على ذمة قضايا جديدة.
وفي هذه الزنزانة أيضاً ما يقرب من 30 محتجزاً رغم ضيق مساحتها، حيث تبلغ مساحة الغرفة 4 متر × 4 متر.
السجون في خطر
وفي رصدها لأوضاع السجون المصرية في ظل اجتياح وباء كورونا تقول "التنسيقية المصرية للحقوق والحريات"، إنه في ظل هذه الجائحة العالمية تعد السجون من أخطر الأماكن التي تمثِّل بيئةً خصبة لانتشار المرض، وذلك بسبب التجمعات الكبيرة داخل جدرانها، وعدم توفر رعاية طبية جيدة لمكافحة انتشار العدوى.
ونتيجة لذلك، اتَّخذ عددٌ من الدول قرارات حقيقية إزاء السجون في إطار إجراءات احتواء فيروس كورونا، مثل إيران التي سمحت لنحو 85 ألف سجين، بينهم سجناء سياسيون بمغادرة السجون، وكذلك مملكة الأردن التي قرَّرَت الإفراج عن 3 آلاف و81 سجيناً بقضايا تتعلق بديون مدنية.
ولا يزال النظام المصري يرفض بشكل قاطع اتخاذ أي إجراءات حقيقية لحفظ حياة المعتقلين في السجون بالرغم من تحذير المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية من خطورة اكتظاظ السجون، التي تصل نسبة التكدس فيها إلى 150%، وتتجاوز 300% في أماكن الاحتجاز الأولية.
وتشير التقديرات إلى وجود ما يقرب من 114 ألف سجين داخل مصر مُوزَّعين على 60 سجناً، من بينهم ما يقرب من 50 ألف سجين سياسي معظمهم قيد الحبس الاحتياطي، منهم من يعاني من أمراض طبية مزمنة، وأمراض الرئة، ومنهم من يعانون من سوء التغذية، والأنيميا، وضعف المناعة.