بينما يُحاول العالم السيطرة على جائحة فيروس كورونا والخروج من إجراءات الإغلاق التي أصابت الاقتصاد والحياة بالشلل، يكرر المسؤولون عن الرعاية الصحية حكمتهم المقدسة: "الاختبارات، ثم الاختبارات، ثم الاختبارات".
لكن اليابان سلكت طريقاً خاصاً بها، يقول تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية، فقد قصرت إجراء الاختبارات على الحالات الأخطر، في الوقت الذي تتسابق فيه البلدان الأخرى على إجراء أكبر عددٍ ممكن من الفحوصات.
فيما عبر خبراء طبيون عن قلقهم من أن تُعمي قلة الاختبارات اليابان عن انتشار العدوى، ما يؤدي إلى انفجارٍ في عدد الحالات وازدحام في المستشفيات.
مخاوفهم لم تتحقق: اليابان، البلد الأعلى في متوسط الأعمار في العالم، والوجهة السياحية العامرة بمدنها الكبيرة المزدحمة، خرجت بواحدٍ من أقل نسب الوفيات بكوفيد-19 بين الدول الكبرى. ولم ينهر نظامها الصحي، ولم تُجبر الحكومة المحال والشركات على الإغلاق، مع أن كثيراً منها أغلق الأبواب باختياره.
أعلن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي هذا الأسبوع عن النجاح المدوي الذي حققته اليابان في معركتها ضد الجائحة، وعن إنهاء حالة الطوارئ التي تمثلت في "نسخة خفيفة من الإغلاق"، دامت شهراً ونصف الشهر فقط.
أضاف آبي أن ما سماه بـ"النموذج الياباني" يقدم طريقاً يمكن أن يسلكها العالم بأسره، إذ قال: "نقدر على إنهاء موجة العدوى نهائياً عن طريق فعل الأشياء على الطريقة اليابانية الفريدة".
رغم انتقادات لليابان تخص طريقة إحصاء الحالات والتخوف من موجات العدوى القادمة، فقد ركزت الصين على الاحتواء السريع لموجات التفشي الصغيرة للفيروس، عن طريق تتبع المخالطين، بدلاً من توسيع رقعة الاختبارات والحد من انتشار الفيروس في سكان اليابان كلهم.
بدلاً من فرض قيودٍ صارمة على الحياة اليومية، ركزت اليابان على تعليم الناس إجراءات التباعد الاجتماعي وحثهم برفق على الالتزام بالتعليمات.
ثقافة يابانية: تتراوح النظريات حول نجاح البلاد النسبي في تقليل معدلات الوفيات من الخصائص الثقافية للشعب الياباني -التي تتضمن ارتداء الأقنعة وغسل الأيدي بانتظام والامتناع عن العناق أو السلام بالأيدي- إلى الحظ الحسن لشعب اليابان.
لكن ربما يتعلق الأمر بعوامل عدة تجمع بين الإجراءات الحكومية الناجحة والتغير في السلوك الفردي. إذ يؤكد علماء الأوبئة أن الأفعال الفردية التي قد تبدو ضئيلة أو مغرقة في العادية، فإن التأثير التراكمي للالتزام الفردي بالتباعد الاجتماعي في نطاق بلد كاملٍ قد يكون لعب دوراً بالغ الأهمية.
ربما لعب القرار المبكر من شينزو آبي بإغلاق المدارس في أواخر فبراير/شباط دوراً كبيراً في الحد من انتشار الفيروس، رغم المعارضة الشعبية له في البداية. فقد أظهرت الاستطلاعات أن نسبة الأشخاص التي تفادت التجمعات بعد يومٍ من إصدار القرار ارتفعت إلى 60%.
في أبريل/نيسان، مع بدء الارتفاع في أعداد الحالات المؤكدة، أعلن آبي حالة الطوارئ، وطلبت الحكومة من المحال والشركات إغلاق أبوابها أو تقليل ساعات العمل، ولم تحدد عقوبات لعدم الامتثال، لكن الكثير من الشركات والمحال استجابت على الفور.
قد نَهَت اليابان في بدايات انتشار الفيروس الحالات المشكوك فيها عن طلب المساعدة الطبية إلا بشروطٍ معينة، ورفضت بعض المستشفيات حالاتٍ أعراضها شديدة. لكن خبراء طبيين أكدوا أن ذلك كان بهدف الحفاظ على موارد المستشفيات من الاستنفاذ المبكر.
ترشيد الاختبارات: قالت الحكومة اليابانية أيضاً في بداية الجائحة إن مسحات اختبار الإصابة بالفيروس ينبغي ترشيد استهلاكها. لكن اليابان لم تستهلك النصف حتى من سعة الاختبارات المتاحة في أي يومٍ، ومن ثمَّ زادت من سعة الاختبارات إلى 24 ألف اختبار في اليوم.
رغم تقليل عدد الفحوصات، فإن نسبة الإصابات المؤكدة بالفيروس تراجعت إلى أقل من 1%، ما يُظهر أن مستوى أعداد الاختبارات الحالية كافٍ.
غير أن عدداً من الأكاديميين ورجال الأعمال والرموز العامة قد شجعوا الحكومة على زيادة السعة إلى 10 ملايين اختبار يومياً واختبار كل من يرغب في ذلك. وإن خرجت النتائج سلبية أو مُرضية، يمكن السماح للناس بممارسة الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية.
لكن الكثير من خبراء الصحة العامة ومنهم تابعون للحكومة اليابانية يحذرون من القفز إلى أي استنتاجات بناءً على تجربة اليابان، ومن أن اليابان ليست في أمانٍ بعد، وأن موجة ثانية أو ثالثة من الفيروس يمكن أن تضرب في أي وقت.
كما أن هناك علامات على أن اليابان لم تُدرج عشرات الوفيات بفيروس كورونا في أرقامها الرسمية. ويُشير البعض أيضاً إلى احتمالية وجود عددٍ كبير من حاملي الفيروس دون أعراض، إذ تُشير الأرقام الرسمية إلى أقل من 17 ألف مصاب بالفيروس، غير أن العدد الحقيقي قد يكون 10 أضعاف ذلك، أو 20 ضعفاً.