نقل موقع Middle East Eye البريطاني، الجمعة 29 مايو/أيار 2020، إفادات عدد من الأطباء المصريين الذين عبَّروا عن عجزهم عن الاستمرار في مكافحة فيروس كورونا ضمن الظروف الصحية المتوافرة، خصوصا بعد عجز وتقاعس الحكومة المصرية عن تلبية أدنى متطلباتهم.
مستشفى خاص: محمد عبداللطيف، طبيب قفص صدري يبلغ من العمر 34 عاماً، أكد للموقع إصابة 20 طبيباً من دفعته حتى الآن.
عبداللطيف خالط زميلاً له مصاباً بالفيروس، لكن نظراً إلى أن الاختبارات التي تجريها الدولة غير متاحة لغالبية العاملين في الطواقم الطبية، نصحته إدارة المستشفى بعزل نفسه لمدة أسبوعين.
بدلاً من ذلك، قرر عبداللطيف التوجه لمستشفى خاص ودفع 5 آلاف جنيه لإجراء اختبارين لفيروس كورونا جاءت نتيجتهما سلبية، وذلك ليتمكن من العودة إلى العمل مجدداً.
قال عبداللطيف: "لحسن الحظ، تستطيع عائلتي تحمُّل تكلفة إجراء اختبارات في مستشفى خاص، بينما هناك آلاف من الأطباء غير قادرين على تحمُّل تلك التكلفة".
وزارة لا تفهم: عبداللطيف قال إن كثيراً من زملائه يفكرون في الاستقالة من العمل بوزارة الصحة، وتقديم طلب للحصول على شهادة الماجستير ومغادرة البلاد، وأضاف مستدركاً: "لكن في نهاية المطاف، إذا قرر الأطباء الفرار من هذا التحدي، فستهوى البلاد حرفياً إلى الفوضى، وهو ما لا تفهمه وزارة الصحة".
حيث يعتقد عدد كبير من الأطباء، من بينهم عبداللطيف، أن وزارة الصحة اتخذت قرارات تعسفية وخذلت العاملين في القطاع الطبي، إذ إن اختبارات الكشف عن الفيروس غير متاحة لهم، وهناك نقص حاد في معدات الوقاية.
دفع هذا الفشل الملحوظ عديداً من الأطباء إلى تقديم استقالات جماعية واستدعى إدانات من نقابة الأطباء، التي تتهم الوزارة بعدم حماية العاملين في القطاع الطبي، الذين يعانون من تدني رواتبهم وتراكم ضغوط العمل عليهم وعدم توافر الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة.
دُمى الإخوان: هذا السخط والتهديد بالإضراب دفعا وسائل الإعلام الموالية للحكومة، والمسؤولين إلى اتهام الأطباء بالتخريب. ومثلما هو شائع في وصف المعارضين للحكومة، اتُّهم الأطباء بأنهم خلايا نائمة لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.
فبعد ساعات من دعوة نقابة الأطباء إلى الإضراب، وجد الأطباء أنفسهم فجأةً معرَّضين لهجوم إعلامي بوصفهم "دُمى تحركها جماعة الإخوان"، بعدما وُصِفوا في بداية الأزمة بأنهم "جيش مصر الأبيض".
مصدر بنقابة الأطباء استنكر هذه الاتهامات في حديث لموقع Middle East Eye، قائلاً: "تستخدم الحكومة هذه الاتهامات لنزع المصداقية عن أي نقد موجَّه إليها، حتى وإن كان هذا النقد في مصلحة المواطنين، مطالب الأطباء مشروعة وليست مسيّسة، نحتاج إلى حماية، وتوفير اختبارات الكشف عن كورونا، وأماكن للعزل".
أضاف المصدر: "من الطبيعي منح الأولوية للعاملين في القطاع الطبي، لأن طبيباً واحداً مريضاً يمكن أن يصيب عشرات المرضى وعشرات من زملائه بالعدوى".
وتابع: "ترسل عديد من المستشفيات المرضى إلى بيوتهم ليس بسبب بروتوكولات الوزارة الخاصة (بعدم إجراء اختبارات)؛ بل لأنه لا توجد أسرَّة لديهم".
خيارات الأطباء: طبيب في مستشفى الدمرداش العام أشار إلى أن إضراب الأطباء هو أقل المشكلات التي يمكن أن تواجهها الحكومة.
قال الطبيب، الذي تحدَّث شريطة عدم الكشف عن هويته: "يكمن الخطر الحقيقي في عدم وجود أطباء بالمستشفيات إما لأنهم توفوا، أو مرِضوا، أو لأنهم يخشون الإصابة بالفيروس".
حذَّر الطبيب أيضاً من خطر حقيقي في أن يقرر مئات الأطباء حديثي التخرج، الذين يوزَّعون تلقائياً على المستشفيات الحكومية في مختلف أنحاء البلاد، "عدم الذهاب إلى المستشفيات؛ لحماية أنفسهم وعائلاتهم وسط هذه الظروف بالغة السوء التي يرونها".
أضاف: "أما بالنسبة للأطباء العاملين حالياً، فقد يتخلون عن وظائفهم عندما يرون أن الحكومة تهتم أكثر بتوفير اختبارات لمشاهير التلفاز، وأعضاء مجلس النواب، وأعضاء الهيئات القضائية".
وانتقدت سامية، وهي طبيبة في مستشفى العجمي بالإسكندرية (29 عاماً)، "الحيلة التي نفذتها الحكومة بإرسال أقنعة ومعدات حماية شخصية إلى الولايات المتحدة، وبريطانيا، وإيطاليا، في الوقت الذي تشتري فيه هي وزملاؤها المعدات نفسها عبر الإنترنت والسوق السوداء".
تجاوز الطاقة الاستيعابية: كما قال طبيب آخر في مدينة الفيوم، "إنه وفريقه الطبي يضطرون إلى رفض إدخال عشرات الأشخاص إلى المستشفى، من بينهم عاملون في القطاع الطبي بالمستشفى الذي يعمل به، يومياً، مضيفاً أن المستشفيات ممتلئة أكثر من طاقتها الاستيعابية".
وقال: "إذا استمرت الحكومة في تجاهل مطالب الأطباء وواصلت خطواتها لفتح البلاد، فسيعمُّ الذعر والفوضى، لأن المستشفيات ستتجاوز طاقتها الاستيعابية؛ وهو ما سيؤدي إلى العنف والمحسوبية".
وتابع: "بمعدل الإصابات هذا، سنضطر إلى الاختيار بين من سنزيل عنه جهاز التنفس الصناعي ومن نُبقيه على قيد الحياة".
كورونا في مصر: مع تجاوز عدد حالات الإصابات المؤكدة بفيروس كورونا في مصر حاجز 19 ألف حالة، توقَّع محمد عوض تاج الدين، مستشار الرئيس لشؤون الصحة، وصول تفشي المرض إلى ذروته خلال أسبوعين قادمين.
يأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة حالياً إعادة فتح بعض الفنادق السياحية، والمصانع، والمحاكم، والمؤسسات العامة والخاصة.