ذكرت وسائل إعلام محلية، الأربعاء 27 مايو/أيار 2020، أن الجزائر استدعت سفيرها لدى فرنسا للتشاور، بعد بث برنامج تلفزيوني "هاجم الجزائر".
يتعلق الأمر بوثائقي بثته قناة فرنسية حكومية، الثلاثاء 26 مايو/أيار، حول الحراك الشعبي في البلاد، أثار موجة غضب واسعة بالأوساط الشعبية والسياسية، متهمين إياه بـ"تشويه الحراك" الذي دخل عامه الثاني في البلاد.
هذا الوثائقي تم بثه على قناة "فرانس 5" تحت عنوان "الجزائر حبيبتي"، لمخرجه ومنتجه الصحفي الفرنسي من أصل جزائري مصطفى كسوس.
سبب الغضب: يتناول الوثائقي الحراك الشعبي السلمي الذي انطلق بالجزائر في 22 فبراير/شباط 2019، وأطاح بالرئيس الأسبق عبدالعزيز بوتفليقة.
حسب ملخصه، يقدم الوثائقي، في 72 دقيقة، شهادات لشباب جزائري حول الحراك والديمقراطية والحرية وأحلامهم.
أما سبب الاستياء والرفض، فيعود لما تضمنه الوثائقي من مشاهد أظهرت الشباب المشاركين في الحراك وهم يحتسون الكحول، ويبرز موضوع الكبت الجنسي لديهم، كما يُظهر فتيات يدخنَّ، في إشارة إلى الرغبة في اعتماد نمط حياة يكرس المساواة.
يضاف إلى ذلك تلخيص مطالب الحراك في بحث الشباب عن الحرية خارج القيود الاجتماعية، علاوةً على تعليقات تحذِّر من التطرف الإسلامي، على غرار ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، وهو ما اعتبره منتقدون تشويهاً من القناة للحراك الشعبي الجزائري.
استنكار سياسي: عبدالرزاق مقري، رئيس حركة "مجتمع السِّلم"، أكبر حزب إسلامي في الجزائر، قال إنه "حين تابع وثائقي القناة الفرنسية الخامسة تأكَّد أن عبيد فرنسا في الجزائر تعلّموا الكذب من سيّدتهم (فرنسا)".
أضاف مقري، في تغريدة عبر "تويتر"، الأربعاء: "عندهم شريحة قليلة جداً تُصدِّقهم يشحنونها بالدجل والسيناريوهات الخيالية".
واعتبر أن "الحل مع هؤلاء هو الديمقراطية الحق؛ حتى يظهر حجمهم أمام العالم (..)، ولتبرز المكونات الحقيقية للحراك الشعبي".
غضب شعبي: عرض الوثائقي خلَّف أيضاً موجة غضب واستياء على مواقع التواصل الاجتماعي، بردود فعل مستنكرة أطلقها نشطاء رداً على القناة الفرنسية.
وفي تدوينة عبر "فيسبوك"، قال الإعلامي الجزائري حفيظ دراجي، إن "الحراك يزعج فرنسا وإعلامُها يقويه أكثر، ريبورتاج (تقرير) فرانس 5 التافه سيوحد الجزائريين أكثر، ويزيدهم إصراراً على التمسك بحراكهم وثوابتهم وقيمهم".
يضيف دراجي: "هذا الريبورتاج سيقوِّي الحراك ويجعله أكثر تماسكاً، ليثبت بأنه ثورة حقيقية ضد بقايا فرنسا".
بدوره، قال الصحفي الجزائري جعفر خلوفي، إن "الوثائقي فيه علل كثيرة، أولاً من حق الصحفي أن يستجوب من يشاء، لكن من واجبه تقديم صورة شاملة عن الجزائر بتنويع الآراء والمتدخلين وعدم استنساخهم".
أضاف خلوفي، عبر "فيسبوك"، أن "كل القصص يجب أن تُحكى، لكن من غير المقبول أن يعرض صحفي وثائقياً حول الحراك دون صوت شباب الملاعب، ودون حديث عن المعتقلين".
وفق المتحدث، فإن "النظرة الفرنسية للتابوهات (المحرمات بالمعنى الاجتماعي) في الجزائر طغت على قرابة 20 دقيقة أو أكثر من العمل".
كما أشار خلوفي إلى أن "المشكل ليس في تناول الكبت الجنسي، بل يكمن في تحويل مُعضلة سياسية بالدرجة الأولى، إلى شهادات مكرّرة وأحياناً مقحمة عنوة عن الواقع الجنسي للشباب".
من جانبها، استنكرت الناشطة ريم حسيبة، ما بثته القناة الفرنسية، معلِّقة بالقول: "حين تسقط فرانس 5 إلى أدنى مستوى".
رأت حسيبة في منشور عبر "فيسبوك"، أن "القناة أظهرت فن التلاعب والكذب عبر وثائقي يسيء إلى الجزائر، مستواه رديء ينمُّ عن انعدام المهنية".
قبل أن تتابع: "فيلم زائف يثبت أن النظام الفرنسي يحمل كراهية تاريخية وعميقة ضد الجزائر التي طردته في 1962″، في إشارة إلى تاريخ استقلال الجزائر.
رفض التبعية لفرنسا: من جهتها، رأت الإعلامية الجزائرية إيمان عويمر، التي غطَّت الحراك منذ بدايته، أن ما بثته القناة الفرنسية "لا يعكس إطلاقاً الحراك الجزائري".
قالت عويمر، في حديث لـ"الأناضول"، إن "الحراك الشعبي أبهر العالم بسلميَّته وتحضُّره وسقف مطالبه في التغيير وبناء دولة الحق والقانون"، وأردفت: "الجزائريون لا ينتظرون شهادة من أحد، خصوصاً من فرنسا التي ردَّ عليها الحراك ورفض كل أشكال تدخلها في الشؤون الداخلية".
كما اعتبرت عويمر أن "الحراك شأن داخلي، ومحاولات تشويهه بوثائقي بائس دليل على أن القناة لم تجد صدى في الجزائر"، مشددة على أن "الحراك رفض التبعية الفرنسية من خلال شعارات رُفعت خلال المسيرات".
يشار إلى أن الجزائر تشهد منذ 22 فبراير/شباط الماضي، حراكاً شعبياً أدى إلى استقالة بوتفليقة من منصبه، ومحاكمة عديد من المسؤولين ورجال الأعمال من حقبته، وظل متواصلاً حتى مطلع 2020، قبل أن تعلِّقه تدابير تفشي فيروس كورونا.