حذَّر العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، خلال مقابلة أجراها في 15 مايو/أيار، مع الصحيفة الألمانية Der Spiegel، من احتمالية وقوع "صِدام كبير" بين الأردن وإسرائيل، "إذا ضمت إسرائيل فعلياً الضفة الغربية في يوليو/تموز". ونقلت الصحيفة عن الملك الأردني، قوله: "لا أريد إصدار تهديدات لخلق مناخ من الخصومة، لكننا ننظر إلى جميع الخيارات. نتفق مع عديد من البلاد في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة لا ينبغي أن يطبَّق في الشرق الأوسط".
وفي تصريحات نُظر إليها على أنها تأييد لموقف الملك، أخبر رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، في 21 مايو/أيار، قائلاً: "لن يقبل الأردن هذا الضم، وسنكون مضطرين إلى إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل بأبعادها كافة، لكن لن نتسرع ولن نستبق الأمر".
من جانبهم، بدا النقاد الإسرائيليون منقسمين حول تصريحات الملك الأردني كما يقول موقع Al-Monitor الأمريكي، إذ حذَّر البعض، ومن ضمنهم مسؤولون أمنيون سابقون، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خطورة ذلك على معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية إذا مضى قدماً في خطوة الضم، لا سيما ضم غور الأردن، غير أن آخرين، خاصة من المنتمين إلى جناح أقصى اليمين في إسرائيل، هاجموا العاهل الأردني، بل وصفت إحدى المعلقات تحذيراته بأنها "تهديدات فارغة"، مضيفةً أن معاهدة السلام تضمن له بقاء نظامه.
ولكن ما الذي يمكن أن يفعله الأردن إذا مضى نتنياهو قدماً في خطوة الضم؟
عَلِم موقع Al-Monitor أن الأردن ينظر إلى تعليق أجزاء من معاهدة السلام (وادي عربة) لعام 1994، ضمن خيارات أخرى، إذ ترى عمّان أنَّ ضم إسرائيل غورَ الأردن ينتهك ترسيم الحدود بين إسرائيل والأردن، إضافة إلى عدم مشروعيته بموجب القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وبحسب الموقع الأمريكي، قد يتضمن رد الفعل الفوري طرد السفير الإسرائيلي في العاصمة الأردنية عمان، واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب.
يُنظر إلى الضم أحادي الجانب لأجزاء من الضفة الغربية على أنه يمثل تهديداً وجودياً للأمن القومي للأردن. إذ لا يقتصر على أنه يجعل حل الدولتين بلا أهمية، بل يبعث من جديدٍ المزاعم الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بأن الأردن دولة فلسطينية بحكم الواقع. ويثير كذلك مخاوف متعلقة بمصير مليوني لاجئ فلسطيني يعيشون في الأردن. لم يؤيد الأردن خطة ترامب للسلام التي رُفع النقاب عنها في يناير/كانون الثاني، وحشدت الدعم العربي والدولي من أجل حل الدولتين.
لكن في مقال منشور بصحيفة الغد الأردنية بتاريخ 16 مايو/أيار، قال الباحث السياسي فهد الخيطان إن "الأردن لا يخطط للانسحاب من معاهدة وادي عربة… إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل يعني العودة إلى حالة الحرب، ولا يوجد شخص يعتقد بإمكانية تحمُّل الأردن تكلفة هذا الخيار".
وأضاف: "وجلالة الملك في تصريحاته عن (الصِّدام الكبير) يؤطر وضعاً قائماً ومرشحاً للتصاعد في العلاقات الثنائية (المجمدة) مع إسرائيل منذ فترة، ومن الطبيعي أن يعبر عن حالة الصدام هذه مستقبلاً وبعدة أشكال في حال أقدمت إسرائيل على تنفيذ مخططات الضم. الأردن متمسك بالسلام العادل، ويرفض خطط الضم، لأنها تقوض أسس السلام العادل، وتشكل تهديداً للمصالح الوطنية العليا… وسيكون لهذه التطورات تداعيات على كل أشكال التعاون الإقليمي التي تطمح واشنطن إلى إرسائها في المنطقة".
من جانبه يعتقد الباحث السياسي الأردني عريب الرنتاوي، أنَّ رد فعل الأردن سيكون محسوباً وأن بلاده سوف تصعّد تدريجياً. وفي مقاله المنشور بصحيفة الدستور الأردنية بتاريخ 17 مايو/أيار، قال إن إلغاء معاهدة السلام ليس الخيار الأول. وتساءل الكاتب في المقال: "ما مصير الاتفاقات الثنائية (صفقة الغاز مثلاً)؟ ماذا عن التنسيق والتعاون الأمني والاستخباراتي بين الجانبين؟".
توقيت الأزمة حساس، وواشنطن تبتز عمّان بالمساعدات
لكنه يعترف بأن توقيت الأزمة الوشيكة حساس؛ نظراً إلى أن الأردن يعتمد على المساعدات الأمريكية ويواجه ظروفاً اقتصادية صعبة تفاقمت بسبب تفشي فيروس كورونا. وأضاف الرنتاوي: "الخيارات المتاحة أمام صناع القرار ليست من نوع أبيض أو أسود… بمقدور الأردن أن يفتح خياراته في التصدي لإسرائيل لحد إلغاء المعاهدة، إن هي استمرت في إدارة ظهرها لحساباته ومصالحه وحساسياته، وليس بالضرورة أن ينتهي الأمر إلى (قطع وقطيعة) لا مع المجتمع الدولي، ولا مع مجتمع المانحين برمته، بل ولا حتى مع الولايات المتحدة ذاتها، فالأردن ما زال يحتفظ فيها بصداقات خارج (الإدارة والبيت الأبيض)، يرجح أن تكون كفيلة بامتصاص ردود الفعل غير الموزونة، التي قد تصدر عن البيت الأبيض".
جاء رد الفعل الرسمي الوحيد من جانب الولايات المتحدة تجاه تحذيرات الملك عبدالله الثاني، من المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية مورغان أورتاغوس في 15 مايو/أيار، خلال إحاطة هاتفية مع الصحفيين الإسرائيليين. عندما سُئلت عن رد فعلها حول تصريحات الملك الأردني، قالت: "تتمتع الولايات المتحدة بعلاقات وثيقة مع الأردن. ونعرف أن الأردن يضطلع بدور خاص في الشرق الأوسط، ولا سيما في علاقاتهم مع إسرائيل. ما نريده من كل من إسرائيل والأردن هو علاقة ليست قوية على المستوى الأمني فحسب، بل قوية على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي كذلك".
وأضافت: "نعي بكل تأكيدٍ أن الملك أعرب عن شواغله اليوم، ومرة أخرى لهذا السبب نعتقد أنه من المهم العودة إلى خطة الرئيس ترامب للسلام، وجلب جميع الأطراف إلى الطاولة للعمل نحو خطة السلام هذه".
قضية أحلام التميمي.. ابتزاز أمريكي من نوع آخر
بيد أن ما يقلق بعض الأردنيين يكمن في رد فعل الولايات المتحدة تجاه موقف الأردن العنيد من خطة ترامب للسلام. ثمة اعتقاد سائد بأن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن قد يكون وراء خطاب أُرسل في وقت سابق من هذا الشهر، عن طريق ستة أعضاء جمهوريين بالكونغرس الأمريكي، إلى السفارة الأردنية في واشنطن يطالبون بترحيل الأردنية أحلام التميمي، الأسيرة المحررة التي أدانتها إسرائيل بالتخطيط لتفجير مطعم بيتزا في القدس قبل نحو 19 عاماً. أُطلق سراح التميمي في عملية تبادل سجناء بين حماس وإسرائيل في 2011، ورفضت محكمة عليا في الأردن طلباً أمريكياً بتسليمها في 2017.
بموجب أحد القوانين الأمريكية، يمكن أن يُحرَم الأردن من تلقي المساعدات الأمريكية لانتهاك "معاهدة تسليم المجرمين" تتعلق بالأفراد المطلوبين في اتهامات تصل أقصى عقوبتها إلى السجن مدى الحياة بلا إمكانية إفراج مشروط. ويزعم الأردن أن الاتفاقية لم يصدّق عليها البرلمان قط.
لم يرد أي رد فعل رسمي من عمّان للخطاب المرسل من أعضاء الكونغرس. لكن الكاتب والمحلل السياسي ماهر أبو طير كتب في صحيفة الغد، بتاريخ 22 مايو/أيار، أنه بينما أقام الأردن شبكة حماية وعلاقات قوية داخل الولايات المتحدة، سواء داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أو داخل مجلسي النواب والشيوخ، فإنه يتلقى الآن إشارات متناقضة. وأضاف: "وقد قرأنا كيف تقدم أعضاء من الكونغرس يمثلون الحزب الجمهوري، يطالبون الأردن بتسليم الأسيرة السابقة أحلام التميمي، وإلا فسيتم فرض عقوبات اقتصادية، وإذا كان هذا العدد ليس كبيراً، فإنه يمثل إشارة واجبة القراءة؟ مناسبة هذا الكلام، أن التصعيد الأردني ضد إسرائيل، بشأن ضم الضفة الغربية، وسقف التهديدات الأردنية، التي وصلت لحدٍّ غير مسبوق، عبر تلميحات تتعلق باتفاقية وادي عربة".
وأوضح أبو طير في مقاله: "هذا يعني أنَّ فتح الأعين على المواقف داخل الكونغرس، وتحرك مراكز اللوبي المختلفة، وما تبثه بعض وسائل الإعلام الأمريكية، تحديداً، من تلك المحسوبة على الإدارة الأمريكية، أو اللوبي اليهودي في واشنطن، أمر مهم… قد تعتبر الإدارة الأمريكية أن الأردن يعاند خطها بشكل جاد، ويتحداها… لكن الولايات المتحدة أيضاً، لها حدود في توظيف هذه العوامل ضد الأردن، خصوصاً أن مس استقرار الأردن، وإضعافه، له أثر أوسع على الأمن الإقليمي، وحتى على مصالح إسرائيل، التي تريد إضعاف الأردن، لكنها كما واشنطن، لن تحتمل تكلفة خلخلة الدولة الأردنية، ولا وصول الأردن إلى حالة خطرة جداً".