"أحسُّ أني سجين، كمن ارتكب خطأً وحُبس"، يقول سفيان مبدياً الكثير من التذمر قبل أن يستطرد: "حتى السجناء يعرفون موعد خروجهم، أما نحن فلا نملك هذه الرفاهية".
بإحدى غرف فندق "ميركور" بالجزيرة الخضراء بالجنوب الإسباني، قضى سفيان رفقة زوجته شهرين بالحجر الصحي بعيدين عن ابنتهما الصغيرة التي ترعاها جدتها بالمغرب، فرحلتهما الترفيهية تحولت إلى "كابوس".
منذ شهرين.. آلاف المغاربة عالقون خارج بلادهم
منذ 13 مارس/آذار 2020، أَوصَدت الحدود المغربية أبوابها في وجه آلاف المغاربة السياح عبر أنحاء العالم، بسبب إجراءات مواجهة فيروس كورونا، ما برَّره رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني بكون الإجراء يدخل ضمن "جهود الحد من انتشار الوباء".
سعد الدين العثماني صرّح للقنوات التلفزيونية المغربية بأن "العالقين سيعودون حالما تُفتح الأجواء والحدود"، تصريح أغضب إيمان، وهي مغربية عالقة في باريس منذ 62 يوماً، وصفته بـ"الكلام الذي لا معنى له"، وفق تعبيرها.
أزمات نفسية ومادية.. نريد العودة
مصادر خاصة أكدت لـ"عربي بوست" أن عدد المغاربة العالقين يتراوح ما بين 27 ألفاً و30 ألفاً، مسجلين لدى القنصليات والسفارات، حيث تكفل المغرب بإيواء وإطعام وتطبيب 5000 منهم، ما يعادل 25%.
المواطنة المغربية إيمان لم تَنل أي دعم من سفارة بلادها، قائلة لـ"عربي بوست": "حين أُغلقت الحدود كنت أمتلك مصروفات ثلاثة أيام، فإذا بي أقضي شهرين، لم تردّ السفارة على اتصالاتي الكثيرة، ولا قدَّمت لي أي نوع من الدعم".
"تحطَّمت، وفقدت الثقة، أداروا ظهورهم لنا وتركونا لمصيرنا المجهول"، تقول إيمان بتأثر بالغ، قبل أن تعتبر نفسها محظوظة بفضل إحدى قريباتها التي آوَتْها وأطعَمتها، "لن أنسى جميلها ما حييت، أنا محرجة منها كثيراً".
لم تستطع إيمان أن تحبس دموعها، أجهشت بالبكاء وهي تقول "لم أكن أتصور أنهم سيتركوننا نقضي شهر رمضان بعيداً عن أهلنا".
مغاربة غاضبون أمام قنصليات المملكة
بعد مرور شهرين على إغلاق المغرب حدوده البرية والبحرية والجوية دون آلاف المغاربة ممن وُجدوا خارج أرض الوطن، لم يجد "المغاربة العالقون" بُدّاً من كسر الحجر الصحي والاحتجاج أمام سفارات وقنصليات المملكة بعدد من الدول، مطالبين الحكومة بإيجاد حل سريع يضع حداً لمعاناتهم النفسية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة.
سفيان، الذي شارك في الاحتجاج أمام قنصلية بلاده في الجزيرة الخضراء، قال لـ"عربي بوست": "أُغلقت الحدود بشكل مفاجئ دون أي مهلة زمنية من أجل أن نعود نحو الديار، على عكس ما اعتمدته دول مجاورة منحت مواطنيها 72 ساعة من أجل العودة قبل إغلاق الحدود".
محمد الرفاوي، القنصل العام للمملكة المغربية بالجزيرة الخضراء، والتي تقع بمنطقة الأندلس بالجنوب الإسباني، أكد لـ"عربي بوست" أن القنصليات "لم يكن لديها علم بقرار الإغلاق المفاجئ، حيث اتُّخذ القرار بعجالة يوم 12 مارس/آذار 2020".
القنصل المغربي متحدثاً لـ"عربي بوست" عبر الهاتف، لفت إلى أن إغلاق الحدود السريع جاء ضمن جملة الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها المملكة المغربية، لتفادي انتشار العدوى والخسائر البشرية، وهو الأمر الذي أبان عن نجاعته، حيث تفادى المغرب كارثة.
من بيده قرار إعادة المغاربة لديارهم؟
يقول سفيان: "خرجنا للاحتجاج بعد أن ضقنا ذرعاً من الانتظار"، وتساءل المغربي الشاب عمن بيده قرار الإجلاء قائلاً: "مَن المسؤول عن اتخاذ هذا القرار؟".
بالنسبة للرفاوي، القنصل العام للمملكة المغربية بالجزيرة الخضراء الإسبانية، فإن "السلطات العليا بالمملكة هي المكلفة بالملف"، وفق تعبيره، لافتاً إلى أن إعادة المغاربة العالقين ليست بالمسألة الصعبة، إلا أنها "تستوجب تهيئة الظروف الملائمة لاستقبالهم".
الدبلوماسي المغربي أشار إلى أن "بوادر إيجابية تشير جميعها إلى أن الملف سيعرف انفراجةً في قادم الأيام"، بحسب قوله.
آلاف المغاربة "العالقين": طفح الكيل
أمام قنصليات وسفارات كل من باريس وليل وديجون وإسطنبول ووهران والجزيرة الخضراء، يرفعون مطلباً واحداً ووحيداً لمسؤولي بلادهم: "نريد العودة لبلدنا".
"الوضوح" هو مطلب ابتسام العزاوي، وهي نائبة برلمانية عن حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، مؤكدة أن "المغاربة السياح العالقين خارج أرض الوطن يعيشون مآسي نفسية واجتماعية واقتصادية".
البرلمانية المعارضة أكدت لـ"عربي بوست" أنها طلبت قبل حلول رمضان عقد اجتماع مع "لجنة الخارجية والدفاع والجالية المغربية المقيمة بالخارج" بالبرلمان المغربي، حضره وزير الخارجية المغربي.
ناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أكد خلال الاجتماع أن "ملف المغاربة العالقين في طريقه نحو الحل، وأن القرار لا يتعلق بوزارة الخارجية فقط، بل بجاهزية وزارة الصحة كذلك"، تقول البرلمانية لـ"عربي بوست".
مصدر وزاري لم يرغب في الإفصاح عن هويته، أكد أن "الملف ليس حكراً على وزارة الخارجية"، واصفاً إياه بـ"الإشكالية الحكومية"، وأن "إعادة آلاف المغاربة من بلدان تفشَّى فيها الوباء تستلزم بنية تحتية صحية هائلة".
البرلمانية المغربية تساءلت عن "مدى انسجام القطاعات الحكومية وتنسيقها وتعاونها"، متابعة حديثها لـ"عربي بوست": "لا نُحمّل المسؤولية لوزير الخارجية وحده، أو وزير الصحة وحده، بل للحكومة وطريقة عملها البعيدة عن التعاون والنَّفَس الموحَّد".