تفاجأت عائلات فلسطينية يقبع أبناؤهم في السجون الإسرائيلية، بتلقيهم اتصالات من بعض البنوك، تطالبهم بالحضور إلى مقراتهم، وإغلاق حساباتهم البنكية، بذريعة ممارسة الاحتلال الإسرائيلي تهديدات بحقها، ما أثار ردود أفعال منددة بهذا القرار.
هذا التحرك، جاء بعد أن أصدرت الحكومة الإسرائيلية، أمراً عسكرياً، يقضي بملاحقة ومعاقبة كافة الأشخاص والمؤسسات والبنوك، التي تتعامل مع الأسرى وعائلاتهم، وتقوم بفتح حسابات بنكية لهم"، وذلك بحسب ما كشفه نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي) في أبريل/نيسان الماضي.
كما أكد قدري أبو بكر، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، في بيان له الخميس 7 مايو/أيار 2020، هذا الأمر، وقال إن بعض البنوك أقدمت على التواصل مع أسرى سابقين وعائلات أسرى، لسحب أرصدتهم والتوقيع على براءة ذمة لإنهاء حساباتهم، استجابة لضغوط إسرائيلية.
وينص القرار على وضع اليد ومصادرة رواتب الأسرى باعتبارها أموال "إرهاب" ويحذر البنوك من تبعات قانونية حال استمرارها بصرف الرواتب من بينها السطو على الحسابات واعتقال مسئولين وموظفين، بحسب ما ذكرته وكالة صفا الفلسطينية.
يبدو أن هذا القرار لم يكون مقتصراً على بنوك محددة، فقد نقلت وسائل إعلام فلسطينية عن قناة "كان" الإسرائيلية، قولها إن جميع البنوك الفلسطينية أبلغت السلطة الفلسطينية نيتها إغلاق جميع حسابات الأسرى، وعدم السماح بإيداع الرواتب فيها ابتداءً من الشهر المقبل".
ومن بين البنوك التي جرى تداول أسمائها، وبدأت بالفعل بتطبيق القرار إغلاق حسابات الأسرى، بنك القاهرة عمان والبنك الأهلي الأردني، وبنك الاستثمار الفلسطيني، فيما لم يتسن لـ"عربي بوست" التأكد من هذه المعلومات.
غضب من قرار البنوك: أثار تحرك البنوك الفلسطينية تجاه أهالي الأسرى غضباً على مختلف المستويات الفلسطينية، فقد انتقدت فصائل فلسطينية ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي هذا الإجراء، داعيين لموقف واضح من السلطة الفلسطينية ومن خلفها سلطة النقد، من أجل دعم البنوك لمواجهة التهديدات الإسرائيلية.
أما حركة حماس، فقد اعتبرت إغلاق عدد من البنوك (وطنية) حسابات لمعتقلين فلسطينيين في سجون إسرائيل وحرمانهم من مستحقاتهم، "استجابة واضحة لإملاءات الاحتلال الإسرائيلي".
كما رأت الحركة هذا التحرك بأنه "انحراف خطير عن مسارها (البنوك) القيمي والأخلاقي تجاه أبناء شعبنا.. فهذه البنوك من المفترض أن تكون عوناً لهم (المعتقلين) لا سيفاً مسلطاً عليهم، وأن تساهم في صناعة وبناء الحياة الكريمة لأبنائهم، لا في تدمير مستقبلهم، ولا تحاربهم في أقواتهم ولقمة عيشهم، وتحديداً في ظل ما يعانيه شعبنا من ويلات الاحتلال الإسرائيلي والحصار والعدوان".
حماس وعلى لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم دعت سلطة النقد الوطنية "إلى القيام بدورها وواجبها في حماية هذا الحق، وعدم السماح لأي من البنوك والمصارف بتنفيذ سياسة الاحتلال والانصياع لقراراته"، كما طالبت الكل الفلسطيني بمستوياته وقواه كافة بـ"الوقوف عند مسؤولياتهم تجاه هذه القضية المقدسة، والدفاع عن الأسرى والمحررين منهم وحقوقهم المشروعة وحمايتها، ورفض وإدانة كل الإجراءات التعسفية بحقهم".
وبحسب بيانات فلسطينية، اعتقلت إسرائيل نحو مليون فلسطيني منذ عام 1967 (تاريخ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة)، فيما بلغ عدد القابعين داخل السجون في 2020، حوالي 5 آلاف معتقل.
موقف السلطة الفلسطينية: من جانبها أعلنت الحكومة الفلسطينية، الخميس 7 مايو/أيار 2020، رفضها الخضوع لضغوط إسرائيلية لإجبارها على وقف المخصصات المالية الشهرية للأسرى وذوي الشهداء، دون الإشارة إلى ماهية أو طبيعة التهديدات الإسرائيلية، أو حتى إلى قرار إغلاق حسابات الأسرى في البنوك الفلسطينية.
وقال متحدث الحكومة إبراهيم ملحم، في بيان، إن "الحكومة تؤكد رفضها الخضوع للضغوط الإسرائيلية، وستظل وفية للأسرى والشهداء ومحافظة على حقوقهم مهما بلغت الضغوط".
ملحم أشار إلى أن رئيس الوزراء محمد اشتية، أوعز بتشكيل لجنة برئاسة محافظ سلطة النقد عزام الشوا، وهيئة شؤون الأسرى والمحررين (التابعة لمنظمة التحرير) وممثلاً عن وزارة المالية لدراسة سبل الرد على التهديدات الإسرائيلية.
حملة ممنهجة للتضيق على الأسرى: تسعى إسرائيل على مدار السنوات الماضية، للتضييق على الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم، من خلال سلسلة من الإجراءات، كان آخرها ضغوطاً سياسية واقتصادية على السلطة الفلسطينية، إضافة لملاحقات لشركات ومؤسسات مصرفية، بهدف منع وصول الرواتب الشهرية، التي تقدمها منظمة التحرير، لأهالي المعتقلين الحاليين، والسابقين منهم.
يذكر أن السلطات الإسرائيلية كانت قد اقتطعت جزءاً من أموال الضرائب الفلسطينية (المقاصة) العام الماضي، بذريعة أنها تدفع كمخصصات للأسرى وذوي الشهداء؛ مما تسبب بأزمة مالية للحكومة التي رفضت تسلم أموال المقاصة منقوصة في حينه.
وإيرادات المقاصة هي ضرائب تجبيها إسرائيل نيابة عن وزارة المالية الفلسطينية، على السلع الواردة للأخيرة من الخارج، ويبلغ متوسطها الشهري نحو 188 مليون دولار، تقتطع تل أبيب منها 3% بدل جباية.
وتعتقل إسرائيل في سجونها حوالي 5000 فلسطيني، بينهم نساء وأطفال ومسنين.