في مدينة الحسيمة الساحلية، شرقي المغرب، تعالت أصوات شباب في مقتبل العمر يتشاورون حول متانة سلالم ودعائم حديدية رصُّوها قبالة جدار صبغوه باللون الأبيض، فيما عكف أحدهم على فتح زجاجات الصباغة غير آبه بروائحها، يرسمون على الحوائط رسوم شكر وتقدير للطوقام الطبية الذين يحاربون كورونا.
يمسك سفيان فرشاة سميكة يرسم بها على الجدار الأبيض باللون الأزرق السماوي، قبل أن يلتفت إلى عماد وهو يمسح حبات العرق على جبينه طالباً مده باللونين الأحمر والأخضر استعداداً لرسم العلم الوطني المغربي.
مرت الساعات قبل أن تتضح معالم الجدارية الضخمة بطول بلغ 14 متراً وعرض 8 أمتار، مُفصِحة عن طبيبة، في إشارة للطاقم الصحي، بأجنحة ملائكية تحتضن خريطة المملكة وترنو إليها بنظرات رحيمة.
رسائل شكر ممزوجة بالألوان
بالنسبة لمحمد الحسني، رئيس مجموعة "أونلاين للثقافة والفنون والأعمال الاجتماعية"، المشرفة على هذا العمل الفني، فإن الجدارية بمثابة رسالة شكر وامتنان للأطر الطبية المغربية التي تعتني بمصابي فيروس كورونا.
يقول الحسني لـ "عربي بوست": "أولى جدارياتنا خصصناها لإرسال عبارات التقدير والاحترام للطاقم الطبي لما يقومون به من مجهودات جبارة، وتحيةً لهم على كل ما يبذلونه".
تطلب العمل على الجدارية يوماً كاملاً قضاها الشباب تحت أشعة الشمس يتعاونون معاً على إنهائها، "7 شباب ليس بالعدد الهين في ظل انتشار وباء سريع الانتقال، إلا أننا التزمنا بالاحتياطات اللازمة، كنا نضع الكمامات ونلتزم بمسافة الأمان بيننا"، يقول المتحدث.
لا تقتصر جداريات "مجموعة أونلاين" بإقليم الحسيمة على الأطر الطبية، إذ يعتزم الفنانون الشباب رسم جداريات أخرى لشكر رجال الأمن وعمال النظافة ورجال التعليم، "سنحتفي بكل فئة على حدة عرفاناً بما تقوم به لفائدة الوطن والمواطنين"، يقول الناشط الجامعي.
احذروا كورونا.. لا تغادروا بيوتكم
تتناثر علب الألوان على أرضية إسمنتية، تلسعها أشعة شمس شهر مايو/أيار، إلا أنهم يستمرون في العمل صعوداً ونزولا لإتمام رسم الجدارية.
منذ ما يربو على الأسبوعين، لا يمل سعيد الذهبي من وضع لمساته الفنية المبدعة على عدد من جدران مدينة فاس، تبعد عن الرباط بـ169 كيلومتراً، وكل طموحه أن تصل رسائله السامية لمن هم في الصفوف الأمامية في مواجهة وباء "كوفيد 19".
الفنان التشكيلي، سخَّر موهبته الإبداعية في تحذير كل من كسر الحجر الصحي المنزلي، منطلقاً من الحي الشعبي الذي ولد وترعرع فيه، قائلاً: "أردت أن يرى كاسرو الحجر من أبناء حارتي لوحاتي التحذيرية ما إن يغادروا بيوتهم"، متابعاً بفخر "لوحاتي تطلب منهم البقاء في بيوتهم لحماية أنفسهم وأسرهم وبلادهم".
التوعية بطريقة مبدعة وبسيطة
بالانتقال إلى وسط المغرب، لم تكتفِ مجموعة "القلب الكبير"، بإنجاز جدارية واحدة، بل تكلَّف فنانها الشاب محمد نبار برسم ثلاث منها وسط مدينة البروج، تابعة لمحافظة الدار البيضاء سطات، معتبراً أن الصورة أفضل طريقة لترسيخ الأفكار.
يقول نبار لـ "عربي بوست" بفخر كبير: "على الجميع أن يقوم بالأدوار المنوطة به تبعاً لما تقتضيه الظرفية الحالية، وهذا ما قمت به عبر الفن والألون".
بالنسبة للفنان الشاب، تُشكل الصورة أو اللوحة طريقة أسرع وأفضل للتوعية والتحسيس، حيث تتكفل الصورة الجاذبة والبسيطة بإيصال الفكرة وترسيخها.
وبما أن الطاقم الصحي من أطباء وممرضين يحاربون في الصفوف الأمامية ضد الفيروس ويخاطرون بأعمارهم، وفق الفنان المغربي، فقد أفرد لهم تحية خاصة.
صورت الجدارية الممتدة على طول أربعة أمتار، ممرضة بوجه شاحب ومتعب وبنظرات رجاءٍ للمواطنين بأن يلزموا بيوتهم ويحموا أنفسهم عبر احترام الحجر الصحي المنزلي وارتداء الكمامة.
لم تكتفِ مجموعة "القلب الكبير" بتوجيه الشكر للطاقم الطبي وحسب، بل حرصوا على إنجاز جدارية ثانية يعبرون من خلالها عن تقديرهم لرجال ونساء الأمن والسلطات المحلية وعمال النظافة وغيرهم ممن وجدوا أنفسهم غير معفيين من العمل في ظل الوباء وفي الخطوط الأمامية لمحاربته.
الحجر المنزلي وحالة الطوارئ لم يمنع شباب المجموعة من كسره من أجل رسالة فنية نبيلة، تؤرخ لفترة عصيبة يمر بها المغرب وساكنة المدينة الصغيرة.
السلطة المحلية لم تمانع خروج الشباب لرسم الجداريات، بل قدمت لهم (البلدية) الدعم الكامل، معتبرة أن خطوتهم تصب في مصلحة المدينة، حتى أنهم نالوا عبارات الشكر من طرف رجال الشرطة والأمن على عرفانهم بالخدمات التحسيسية التي يقدمونها، ويبقى أكبر محفز لاستمرارهم هو الحفاظ على اللوحات وعدم تخريبها أو طمس معالمها.