يسود الترقب و"التخوف" حكومتي تونس والجزائر، بعد أيام قليلة من تخفيف تدابير الإغلاق التام الناجم عن تفشي وباء كورونا في البلدي، بعد أن أصدر رئيسا البلدين تحذيرات من عودة نسق الإصابات والوفيات للارتفاع من جديد، بسبب ظهور عدد من حالات الخرق في عدد من المدن الجزائرية والتونسية.
الجزائر كانت قد أعلنت يوم السبت 25 أبريل/نيسان الماضي، تخفيف قيود الإغلاق التام، بعد أن سجلت استقراراً في الإصابات والوفيات، بينما أعلنت تونس عن ذلك يوم الأربعاء 29 أبريل/نيسان الماضي، إثر تسجيلها هي الأخرى "مؤشرات إيجابية".
تحذير رسمي: حسب وكالة الأنباء الفرنسية "أ.ف.ب"، فإنه بالرغم من هذه القرارات إلا أن حكومتي البلدين مازالتا تحذران من خطر خرق الحجر الصحي، وعدم الالتزام بتدابير التباعد الاجتماعي.
وزير الصحة التونسي عبداللطيف المكي عبّر في تدوينة على صفحته على "فيسبوك" عن تخوّف برَّره بالقول: "ما نراه من انفلات هنا وهناك، تجاهلاً أو تحت ضغط الحاجة، والسلطات في هذه الحالة ستتحمل مسؤوليتها بحماية المجتمع، بما في ذلك العودة إلى الحجر العام".
بدوره، حذّر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، الجمعة الماضية، من تشديد الحجر في حال لم يتمّ الالتزام بالإرشادات الصحّية.
تحذير الرئيس جاء بعد أن أحصت السلطات في الجزائر "ارتفاعاً بـ27% في عدد الإصابات"، في الفترة الممتدة بين 24 أبريل/نيسان (بداية شهر رمضان) والثلاثين منه.
ما دفع السلطات في البلاد، نهاية الأسبوع الفائت، إلى إعادة غلق العديد من المتاجر في محافظات، وفي الجزائر العاصمة، بسبب عدم احترام التدابير الصحية والتباعد الاجتماعي.
من جهته، طالب رئيس الحكومة عبدالعزيز جراد الجزائريّين بـ"مواصلة الامتثال بكلّ وعي وصرامة لتدابير النظافة، والتباعد الاجتماعي والحماية".
وفرضت كل من الجزائر وتونس حظر التجول ليلاً، كما أغلقت المدارس، وطلبت السلطات من مواطنيها البقاء في بيوتهم منذ الأسبوع الثالث من ظهور الفيروس.
كما أغلقت جميع المطاعم والمقاهي والمراكز التجارية الكبرى في تونس العاصمة وفي المناطق الداخلية، وبقيت بعض المحلات الغذائية مفتوحة، وتم تشديد الرقابة الأمنية على الجولان، وصلت إلى فرض عقوبات بالسجن.
ربحنا المعركة وليس الحرب: في حوار تلفزيوني له، نهاية الشهر الماضي، قال إلياس الفخفاخ، رئيس الحكومة التونسية إن بلاده "شبه مسيطرة على الوضع"، لكنها "لم تخرج بعد من الأزمة".
فيما تؤكد السلطات الصحيّة في تونس أن منهجيتها في مكافحة "كوفيد-19″، التي تعتمد على العزل التامّ لحاملي أعراض الفيروس والقيام بالتحاليل الموجهة كانت "ناجحة" ومكنتها من تفادي 25 ألف إصابة وألف وفاة.
في تصريح لوكالة "أ.ف.ب" تقول حنان التويري بن عيسى، عضو اللجنة الوطنية لمكافحة "كوفيد-1": "ربحنا المعركة وليس الحرب"، مشيرة إلى ضرورة اليقظة والتعويل على وعي المواطنين للتعايش مع هذا الفيروس في المرحلة القادمة.
تخطى عدد المصابين بالفيروس في تونس ألف حالة بقليل، وتوفي جرّاءه 43 شخصاً في البلاد البالغ عدد سكانها نحو 11 مليون نسمة. بينما في الجزائر المجاورة، حيث عدد السكان أعلى بأربع مرّات، أصيب أكثر من 4800 شخص، توفي منهم 470.
خطر العودة: عاد نسق الإصابات ليرتفع في الجزائر مع بداية شهر الصيام، إذ قالت سلطات جهوية في البلاد، الأحد، إنّها أغلقت نهاية الأسبوع محلات تجاريّة عدّة كانت استأنفت نشاطها الأسبوع الماضي، وذلك بسبب عدم التزامها بقواعد الصحّة والتباعد الاجتماعي، فمنذ بدء شهر رمضان أُحصيت 56 وفاة، و1467 إصابة جديدة في الجزائر.
بالرغم من استقرار نسق الوفيات في البلدين فإن ذلك لا يكفي لتطمئن السلطات.
إيدير بيتام، وهو طبيب جزائري خبير في الأمراض المنقولة، يحذر من "خطر عودة" الإصابات بسبب التراخي، ويؤكد أن هذا الأمر "سنشعر به في الأسابيع المقبلة".
كما تقول رئيسة قسم الأمراض المعدية بمستشفى "الرابطة" في تونس، حنان التيويري بن عيسى، لفرانس برس: "توصلنا إلى كبح الجائحة، ولكن يجب تدعيم ذلك". ولفتت الانتباه إلى أن تونس كانت سبّاقة منذ بداية ظهور الفيروس إلى فرض إجراءات تحد من انتشاره.
إلى ذلك، يقول سليمان بن سلامة، أستاذ الرياضيات في الجامعة التونسية مدير مختبر الرياضيات البيولوجية بمعهد باستور تونس: "منذ أسبوع استقرّ عدد الإصابات، ثم بدأ بالانخفاض، وهذا نتيجة عاملين أساسيين هما أوّلاً سياسة العزل المطبقة على المصابين وعلى محيطهم العائلي، ما أسهم مباشرة في التقليص من العدوى، ثم قرار حظر التجول والإغلاق التامّ الذي قلص بصفة كبيرة من التجمعات بين الناس".
يرجّح الخبراء في علوم الوباء أن هناك العديد من الفرضيات والعوامل قيد البحث العلمي التي قد تكون أسهمت بصفة مباشرة أو غير مباشرة في الحد من انتشار الفيروس في البلاد.
تقدر الأستاذة ريم عبدالملك، المختصة في الأمراض الجرثومية في "مستشفى الرابطة" (حكومي)، أن هناك "فرضيات متعددة لم يتم تأكيدها علمياً يمكن أن نفسر بها الوصول إلى هذا المنحنى، منها التطعيم ضد السلّ (المعروف بالبي سي جي)"، وقد أدرجته تونس ضمن أجندة اللقاحات منذ مطلع الستينات.
وتؤكد عبدالملك أن "الحجر الصحي الذي اعتُمد منذ البداية كان أهم عامل ساعد على تجاوز الأزمة".
بدأ تخفيف الحجر الصحي العام في تونس الأثنين، وذلك عبر السماح لنصف عدد العاملين بالرجوع التدريجي إلى نشاطهم، لكن العديد من الاختلالات بدأت تظهر، خصوصاً عبر الازدحام في وسائل النقل والتجمعات وعدم وضع الكمامات.