قبل خمسة وأربعين دقيقة من غروب الشمس، سوف يجلس أكبر علي وعائلته أمام شاشة الكمبيوتر على أمل بعث الشعور بالدفء من جديد، ذلك الشعور الذي كان يغمرهم وهم مُحاطين بآلاف المصلين في المسجد خلال صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك.
لكن هذا ليس رمضاناً عادياً
يقول أكبر علي بضحكةٍ مُنفعِلة لـشبكة CBC الكندية، مُدرِكاً أن الأيام الثلاثين المقبلة ستكون على خلاف ما شهده الـ1.8 مليار مسلم في حياتهم من قبل: "سينظر الجميع إلى الماضي ويتذكَّر رمضان الذي جاء في ظلِّ جائحة كوفيد-19، أو رمضان الحجر الصحي".
ومع ما يحمله شهر رمضان من طقوسٍ وعادات، حيث تجمُّع العائلة والأصدقاء والتصدُّق والتعبُّد، تتسابق دول العالم لمحاولة احتواء الجائحة بتقييد التجمُّعات المباشرة، التي هي أمرٌ مُعتادٌ في رمضان، وسوف تصبح أشبه بالمستحيل.
يقول عمير أحمد خان، الإمام في مدينة ديلتا الكندية، إن هذا التباعد الاجتماعي سوف يكون اختباراً للإيمان. ويضيف: "هذه الجائحة في الحقيقة تمنح المسلمين فرصةً الآن لتهذيب النفس".
دفعةٌ روحانية
مع بزوغ هلال رمضان، شرع علي في تنظيم سلسلة من اللقاءات مع مُتحدِّثين، يظهر بينهم علماءٌ وشخصياتٌ مسلمةٌ بارزة، من كافة أرجاء كندا، في محاولةٍ لاستحضار أجواء التجمُّعات الرمضانية في بيوت المسلمين بمساعدة التكنولوجيا الحديثة. وقبيل غروب الشمس بالكامل، يُرفَع أذان المغرب، ويكسر المسلمون صيامهم بالماء والتمر قبل الصلاة. قال علي، مدير التوعية المجتمعية في مجموعة Penny Appeal الإسلامية الخيرية في تورنتو: "نرغب أن نتمكَّن من منح الناس الدفعة الروحانية التي اعتادوا عليها في بيوتهم".
وفي ظلِّ الجائحة، تبرَّعَت المجموعة بـ4 آلاف سلة غذائية لمساعدة العائلات عبر أرجاء كندا، بغض النظر عن دينهم أو عرقهم، وأطلقت حملةً لجمع مُعِدَّات الحماية الشخصية للملاجئ المحلية ومراكز الرعاية الصحية، وتأمل المجموعة أن تتمكَّن من جمع المال لدعم المساجد الصغيرة والمتوسطة التي تواجه صعوباتٍ مالية مع اختفاء التجمُّعات المسلمة حولها.
قال علي: "رمضان شهرٌ روحانيٌّ للمسلمين. إنه شهرٌ يتضمَّن أموراً عدة، لعلَّ أولها وأهمها هو تعزيز صلتك بربك. وثانياً، كما يُعلِّمنا الإسلام، وكما تُعلِّمنا الأديان السماوية، أن نعتني بجيراننا".
محاضرات وندوات وإفطار جماعي عبر الإنترنت
وليست مبادرة الإفطار الجماعي على الإنترنت تلك هي الوحيدة من نوعها، فقد أطلقت الجماعة الأحمدية في كندا فعاليتها الخاصة، ووصفتها بأنها "وسيلة تفاعلية مُبتَكَرة" للتعلُّم عن الصيام والتجمُّع، في وقتٍ يتطلَّب فيه التباعد الاجتماعي عزلةً بين الناس وبعضهم.
في مركز الجماعة الجعفرية في تورنتو، يقول الإمام سيد رضوي إن الجائحة تلفت الانتباه إلى مدى أهمية العطاء الذي يُبذَل خلال شهر رمضان. وتبرَّع المسجد الذي يؤمه رضوي بمُعِدَّاتٍ وقائية تبلغ قيمتها 25 ألف دولار لمستشفى محلي، ويُخطِّط لجمع مزيدٍ من التبرُّعات لمستشفياتٍ أكثر خلال رمضان.
يقول رضوي، الذي يستضيف أيضاً لقاءاتٍ افتراضية على الإنترنت مع أئمة آخرين من جماعته: "هذه مشكلةٌ إنسانية لا تميِّز بين عرقٍ أو دين".
"إنسانيةٌ مُشتَرَكة"
يضيف رضوي: "أجبرتنا الجائحة على الالتقاء سوياً كبشر للعمل معاً كإنسانٍ واحد. ونأمل أن هذا الإحساس، وذلك الإدراك بأننا جميعاً جنساً بشرياً واحداً… وتلك الروح وذلك التعاون بين الأمم والناس من مُختَلَف أرجاء العالم، نأمل أن يسود كلُّ ذلك ويستمر".
في الوقت الحالي، ربما ليست هذه الروح المُشتَرَكة سائدةً في أيِّ مكانٍ في كندا أكثر مِمَّا في مقاطعة نافا سكوشا، حيث تنتحب العائلات على أكثر من 22 شخصاً بعد إطلاق النار الذي تسبَّبَ في صدمةٍ للمقاطعة بأسرها.
كان الإمام عبدالله يسري، إمام هاليفاكس، ليستعد للتجهيز للقاءٍ عابرٍ للأديان لتجميع أبناء نوفا سكوشا سوياً لتكريم الضحايا الذي فقدتهم عائلاتهم. في المقابل، سيكون يسري واحداً من العديد من الشخصيات الدينية في رسالةٍ بالفيديو لدعم مجتمع المقاطعة.
يقول يسري: "إننا نعبد الله تحت أيِّ ظرف. وفي هذه الأوقات العصيبة، نحن بحاجةٍ لأن نُبدي التضامن مع الجميع وندعم بعضنا بعضاً ونعتني ببعضنا بعضاً، خاصةً خلال هذا الوقت الذي نعيشه الآن".
إنها دروسٌ يأمل رضوان ماواني وياشينا جيوا، من مدينة فانكوفر الكندية، أن يُعلِّماها لطفليهما، نورية ذات الثلاثة أعوام، وزيان البالغ سبعة أشهر، حتى إن لم يتمكَّنا من الذهاب للصلاة في المسجد في رمضان الحالي.
يقول ماواني: "الصوم له مستوياتٌ عديدة". ويضيف: "هناك الامتناع عن تناول الطعام والشراب خلال ساعات النهار حتى غروب الشمس… لكن هناك أكثر بكثير مِمَّا هو أصعب من الصوم عن الطعام والشراب: أن تحرص على أن تكون طيباً مع الجميع، وأن تعتني بأولئك الذين هم أضعف منك. كلُّ ذلك يُذكِّرنا بإنسانيتنا المُشتَرَكة".